31/10/2010 - 11:02

قمة طارئة.. قمة تشاورية.. قمة اقتصادية.. قمة خليجية../ راسم عبيدات*

قمة طارئة.. قمة تشاورية.. قمة اقتصادية.. قمة خليجية../ راسم عبيدات*
من الواضح جداً أن ما يرتكب من مجازر في غزة بحق الشعب الفلسطيني من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية، كشف بشكل غير مسبوق حقيقة النظام الرسمي العربي، هذا النظام الذي انتقلت أجزاء منه من الحالة الحيادية في الصراع العربي – الإسرائيلي، وبالتحديد قضيته المركزية فلسطين، إلى حالة الاصطفاف والمشاركة مع قوى العدوان ضد القضايا العربية، وتحديدا ضد قوى المقاومة والممانعة والمعارضة العربية والإقليمية.

وإذا كانت بوادر التحولات في بنية وتركيبة ودور النظام الرسمي العربي، التي بدأت تتضح وتتشكل في أعقاب توقيع اتفاقيات "كامب ديفيد"، فما حدث على المستوى العربي من أحداث عرى وكشف طبيعة ودور هذا النظام ليس لجهة التخاذل والعجز والانهيار، بل لحالة انتقال أجزاء منه من مواقع العجز والتخاذل والانهيار إلى دور الحيادية في الصراع ومن ثم التحالف والاصطفاف مع الحلف المعادي.

فالغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، وطرد المقاومة الفلسطينية هناك، كشف عن عمق أزمة هذا النظام من حيث التخاذل والعجز والانهيار، لينتقل في الحصار والعدوان الأمريكي على العراق ومن ثم احتلاله إلى حالة الاصطفاف العلني مع القوى المعادية لجهة ليس تقديم الخدمات والمساعدات للعدو، بل ومشاركته في العدوان على العراق واحتلاله، ومن بعد ذلك أصبح عدد من دول النظام الرسمي العربي، وتحديدا ما يسمى بمعسكر الاعتدال منه، جزءا من التحالف الأمريكي- الإسرائيلي، وأصبحت قيادته في سبيل حماية مصالحها ومراكزها وعروشها ترهن حركتها وقراراتها السياسية للخارج وتحديداً لأمريكا. وهي لم تكتف بإسقاط خيار المقاومة، بل أنها رأت في هذا الخيار دعاة ونهجاً ووجوداً خطراً على مصالحها ووجودها.

ومن هنا رأينا كيف أنها كانت جزءا فاعلاً من الحصار الذي فرضته أمريكا وإسرائيل على الشعب الفلسطيني بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية في كانون ثاني/2006، ومن ثم كشفت بشكل سافر لاحقاً عن مشاركتها وتغطيتها السياسية لإسرائيل في عدوانها على حزب الله والمقاومة اللبنانية في تموز/2006.

ومنذ ذلك التاريخ وجدنا أن دول النظام الرسمي العربي، وبالذات ما يسمى بمعسكر الاعتدال، أصبحت علنية وواضحة في موقفها وتحالفاتها لجهة العمل على لجم ومحاصرة قوى المقاومة، والتنظير لنهج التفاوض والتحالف مع أمريكا، تحت حجج وذرائع ارتباط قوى المقاومة بأجندات وأولويات غير عربية، وبشكل صريح وواضح الارتباط والتحالف مع إيران، والتي رأت فيها الكثير من دول الاعتدال العربي تهديداً لمصالحها ودورها في المنطقة.

وجاء العدوان الإسرائيلي على غزة في كانون أول/2008 والمستمر والمتواصل حتى اللحظة الراهنة، لكي يكشف ويعري مدى انبطاح وتآمر هذا المعسكر على القضايا العربية وعلى قوى ودول المقاومة والممانعة والمعارضة العربية، حيث أن إسرائيل نسقت عدوانها مع أكثر من عاصمة عربية، وبعض هذه الأنظمة كشف المسؤولين الإسرائيليين من قادة عسكريين وسياسيين ورجال صحافة وإعلام عن أنها ألحت على العدو الإسرائيلي بضرب وتصفية حماس.

وكذلك عملت بشكل فاعل ومنظم من أجل إحباط أي جهد أو فعل عربي جماعي، من شأنه وقف العدوان على الشعب الفلسطيني، أو اتخاذ قرارات عربية لها صفة عملية وتنفيذية ترتقي إلى مستوى ما يرتكب من مجازر ومذابح بحق الشعب الفلسطيني. فهذه الدول عطلت عقد قمة عربية لبحث العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في القطاع، وكانت تلعب دوراً فاعلاً في إجهاض أي حركة وفعل دبلوماسي يعمل على وقف العدوان.

ومن هنا وجدنا أنها استماتت في رفض الدعوة القطرية لعقد قمة طارئة عربية لجهة بحث العدوان الإسرائيلي على غزة، واتخاذ قرارات تلجم وتوقف هذا العدوان، وأصرت على أن الحل يكمن في الموافقة على المبادرة المصرية، والتي نرى أنها لم تخرج عن إطار الصياغات والتفاهمات الأمريكية- الإسرائيلية، ورأت أن هناك بديلا للقمة العربية، وهي القمة الاقتصادية في الكويت وعلى هامشها يجري التشاور حول العدوان الإسرائيلي على غزة، مسفهة ومقللة من قيمة وحجم ما يرتكب من مجازر ومذابح بحق الشعب الفلسطيني، ومقزمة حجم القضية إلى سلعة تجارية، وليس شعبا يتعرض للإبادة الجماعية.

وللإلتفاف على الدعوة القطرية وتفريغها من مضمونها، تحركت دول ما يسمى بمعسكر الاعتدال على أكثر من صعيد وعبر أكثر من جهة وطرف، تشديد الضغط العسكري على حماس والمقاومة الفلسطينية، من خلال تكثيف العدوان الإسرائيلي، لجعل حماس والمقاومة ترضخ وتستجيب للشروط الإسرائيلية والاستجابة لما يسمى بالمبادرة المصرية دون أي اشتراطات أو تعديلات عليها، ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية أمريكية – سعودية على عدد من الدول العربية لحملها على عدم المشاركة في القمة الطارئة التي دعت إليها قطر، وهذا الجهد أثمر عن تراجع اليمن وسلطة عباس عن حضور هذه القمة، وبما يعني عدم اكتمال نصاب عقدها، وبالتالي اتخاذها لقرارات من شأنها أن تفسد المخطط الأمريكي- الإسرائيلي – ألاعتدالي العربي، بتوجيه ضربة قاصمة لمعسكر المقاومة والممانعة والمعارضة عربياً وإقليميا، وكذلك نجاح هذه القمة يشكل انتصاراً لحماس وكل معسكر المقاومة، والذي قد يزيد من إحراج وانكشاف وعزل هذه الأنظمة، وخاصة لقرارات من طراز تعليق العمل بالمبادرة العربية للسلام، والاستعاضة عن المبادرة المصرية أو وقف كافة أشكال التطبيع مع إسرائيل العلنية والسرية منها، أو إغلاق كافة السفارات ومكاتب التمثيل الاقتصادي والتجاري للدول التي تقيم علاقات وتمثيل مع إسرائيل، وكذلك وفي نفس السياق والإطار وللتعطيل على القمة القطرية، دعت السعودية إلى قمة خليجية لبحث العدوان على غزة.

من الواضح جداً أن ما تقوم به دول ما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي، من تحركات وممارسات تمنع وتعيق وتعطل أي جهد عربي من شأنه أن يرتقي بالموقف العربي الرسمي، إلى حد اتخاذ قرارات مصيرية تتلاءم وحجم العدوان الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني في القطاع، يأتي في إطار وسياق ما يناط بهذه الأنظمة من دور لجهة محاصرة والقضاء على قوى المقاومة والممانعة والمعارضة العربية في المنطقة خدمة لأهداف ومصالح المشروع والوجود الأمريكي في المنطقة، الذي يشكل الداعم والحامي لهذه الأنظمة والبقاء في السلطة وبما يخدم مصالحها وامتيازاتها.

ولكن رغم كل ما تسديه وتقدمه دول معسكر الاعتدال من خدمات للقوى المعادية، فإن أمريكا والغرب ليس لهم أصدقاء دائمين، وفي الوقت الذي تكف فيه هذه الأنظمة عن القيام بدورها والمهام المنوطة بها، فإن أمريكا لا تتورع في أن تتخلى عنها، بل وحتى تركها لمواجهة مصيرها مع شعوبها، وإن لم يكن المشاركة في إسقاطها عندما يصبح ضررها ووجودها أكثر من نفعها.

التعليقات