31/10/2010 - 11:02

كسر الحصار أم اختراق الإعلام؟../ زهير أندراوس

.

كسر الحصار أم اختراق الإعلام؟../ زهير أندراوس
نيطع غولان، ناشطة سلام إسرائيلية، وصلت قبل عدة أيام من قبرص إلى غزة على متن سفينة الكرامة بهدف كسر الحصار الإجرامي الذي تفرضه حكومتها على الشعب العربي الفلسطيني في القطاع. وبعد أن أنهت مهمتها الإنسانية بامتياز عادت إلى إسرائيل، فتمّ اعتقالها من قبل قوات الأمن، ومددت المحكمة اعتقالها، وهي بانتظار محاكمتها بتهمة دخول منطقة محظورة على الإسرائيليين.

أننّا إذا نحيي هذه الشابة على موقفها، ونحيي جميع النشطاء الإسرائيليين في غزة وفي بلعين، والمتضامنين الأجانب من جميع أصقاع العالم نسأل: وماذا نحن فعلنا؟ وعندما نقول نحن، نقصد العرب الفلسطينيين الذين يسكنون في الدولة العبرية، ماذا فعلنا من أجل كسر الحصار المفروض على غزة هاشم؟ وللتذكير فقط نسوق في هذه العجّالة أنّه في الثامن من شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري سيطرت السلطات الإسرائيلية على سفينة "العيد" التي كان من المقرر أن تنطلق من ميناء يافا، وهي تحمل متضامنين من فلسطينيي 48 وأدوية ومواد غذائية وإغاثة، واعتقلت أشخاصا أشرفوا على تنظيم الرحلة. وصادرت السلطات جميع المواد الإغاثة التي كانت محملة على شاحنات قبل نقلها إلى ظهر السفينة، وسيطرت على الشاحنات. وأشرفت على تنظيم الرحلة "هيئة رفع الحصار" التي شكّلتها الأطر السياسية والجماهيرية الفاعلة في أوساط فلسطينيي 48.

وبطبيعة الحال وصلت وسائل الإعلام العربية والعبرية والأجنبية لتغطية هذا الحدث الإنساني، وسمعنا من على شاشة التلفزيون بالعربي، وقرأنا عن بطولات بعض القيادات العربية في الداخل الفلسطيني في الصحف العبرية والعربية، وسمعنا هذا النائب في الكنيست الإسرائيلي يتعهد لأهل غزة بأننّا قادمون، مهما كلّف الثمن، وآخر هاجم الممارسات الإسرائيلية، وثالث خاب أمله لأنّه أراد أن يُوجّه رسالة للعالم عن إسرائيل الأخرى، والحقيقة لا نبالغ إذا جزمنا بأنّ عدداً من القيادات العربية استغلت هذا الموضوع لتسويق نفسها من على شاشات الفضائيات العربية ومحطات التلفزيون الإسرائيلية ووسائل الإعلام العبرية. وبالتالي تحّولت محاولة كسر الحصار إلى محاولة بائسة لاختراق وسائل الإعلام على مختلف مشاربها.

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا السياق: هل حدد من حدد سقف النضال لفلسطينيي الـ48 من أجل كسر الحصار عن غزة؟ وسؤال آخر: ماذا فعلنا، نحن هنا الضلع الثالث في المثلث الفلسطيني، من أجل إخوتنا المحاصرين في غزة؟ لماذا خفتت أصوات حملات الإغاثة لغزة؟ ما هو السبب الذي يمنعنا من التجربة مرّة ومرّة أخرى من محاولة كسر الحصار؟ لماذا، على سبيل الذكر لا الحصر، لا تقوم القيادات العربية، باستئجار سفينة من قبرص تبحر باتجاه قطاع غزة، كما يفعل المتضامنون الأجانب؟ ماذا مع الوعود التي أطلقتها القيادات العربية بأننّا سنصل إلى غزة؟ لماذا لا تقوم القيادات العربية، التي تتمتع بالحصانة والأخرى التي لا تتمتع بها، باستئجار سفينة قبرصية والإبحار إلى غزة، كما يفعل الآخرون؟

لا يُخفى على كائن من كان أنّ القيادات العربية، وللإنصاف نقول ليس جميعها، تحاول بشتى الطرق والوسائل المخفية والعلنية أن لا تُغضب فخامة رئيس دولة فلسطين السيد محمود عبّاس (أبو مازن)، وهو بالمناسبة منصباً جديداً، هذا الرئيس الذي نعت سفن كسر الحصار بأنّها لعبة سخيفة في مقابلة أدلى بها لصحيفة الشرق الأوسط السعودية، بعد أن وصف صواريخ المقاومة بالعبثية. وبالمناسبة الصحافية كاتيا ناصر من فضائية الجزيرة التي وصلت إلى غزة على متن إحدى السفن نفت بطريقة لبقة إدعاء أبو مازن بأنّ الإسرائيليين يفحصون جوازات السفر في قبرص، وقالت في مقابلة مع الجزيرة إنّ السلطات القبرصية، والقبرصية فقط، هي التي تفحص وتدقق في الوثائق، ولا علاقة للإسرائيليين لا من قريب ولا من بعيد.

مضافاً إلى ذلك، هناك قيادات عربية مرتبطة بمشروع السلطة الفلسطينية وتعمل معها وبالتنسيق مع قياداتها على إذكاء الفتنة الداخلية بين فتح وحماس، عندما تصف ما حدث في غزة السنة الماضية بالانقلاب الدموي، وهناك قيادات تكتشف بعد مرور سنة على مهزلة أنابوليس في الولايات المتحدة الأمريكية السنة الماضية، بأنّه كان فاشلاً، بعدما أيدته في البداية.

وهناك قيادات تعمل علانية مع السلطة لتسويق المبادرة العربية للرأي العام الإسرائيلي، وتقوم عن سبق الإصرار والترصد بشطب حق العودة من على اليافطات الكبيرة التي تُزيّن المدن الإسرائيلية الكبيرة. وفي هذا السياق نورد أنّ استطلاعاً جديداً للرأي العام كشف عن انخفاض نسبة المؤيدين لمبادرة السلام العربية بعد نشرها عبر إعلان مدفوع الأجر في الصحف العبرية وفي المدن الرئيسية في الدولة العبرية مثل تل أبيب والقدس الغربية وحيفا. وأفادت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية أنّه بحسب استطلاع مشترك للجامعة العبرية في القدس والمركز الفلسطيني للأبحاث السياسية والمسحية في رام الله نشرت نتائجه، أن ربع الإسرائيليين فقط رأوا نصوص المبادرة التي نشرتها دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية في وسائل إعلام عبرية الشهر الماضي وأن 14% فقط ممن رأوها قد قرأوها. من ناحية أخرى، ويتوقع 49% من الإسرائيليين و57% من الفلسطينيين تدخلاً أمريكياًَ أكثر فاعلية في التسوية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما. والسؤال التي يتبادر إلى الأذهان: من قام بتمويل الحملة؟ وما هي تكلفة هذه الحملة الفاشلة التي وأدت حتى قبل أن تخلق؟

للتنويه فقط نؤكد أننّا لسنا حماساً أكثر من حماس، وأننّا لسنا فتحاً أكثر من فتح، ولكن على بعض القيادات العربية التي فقدت البوصلة، وأخرى ترفض تشكيل قائمة عربية وحدوية للمحافظة على الشراكة العربية اليهودية، أن تعلم أنّ تجيير الحصار على غزة من أجل مقابلة تلفزيونية، هو استغلال مقزز لمأساة إنسانية، لا تتعلق لا بفتح ولا بحماس ولا بالشعب الفلسطيني المحاصر والمجوّع، إنّها مأساة شعب يرزح تحت نير الاحتلال والتجويع، وبالتالي نقترح على بعض القيادات العربية أن تكف عن هذه الألاعيب التي باتت لا تنطلي على أحد، وأن تنتقل من الكلام إلى الأفعال.

التعليقات