31/10/2010 - 11:02

لا مفاجآت متوقعة في الانتخابات الأميركية../ جميل مطر*

لا مفاجآت متوقعة في الانتخابات الأميركية../ جميل مطر*
أقل من تسعة أسابيع تفصلنا عن يوم سيقرر فيه الشعب الأميركي اختيار رئيسه الجديد. ويبدو من ظاهر الأمور أنه لن يحدث خلال هذه الأسابيع التسعة ما يفرض تغييراً جذرياً في توقعات الناخبين واحتمالات تصويتهم، إذ أن أكثر القضايا التي يختلف حولها المرشحان للرئاسة واضحة، فضلاً عن أن تطورات كثيرة وقعت خلال الشهور الأخيرة في الولايات المتحدة والعالم الخارجي تواصل مسيراتها من دون توقعات كبيرة بتوقفها أو تفاقمها في وقت قريب.

تشير استقصاءات الرأي في الولايات المتحدة أن المرشحين يتقاسمان الشعبية مناصفة، بينما تشير استقصاءات الرأي خارج الولايات المتحدة إلى أن شعبية أوباما تفوق شعبية ماكين بفارق كبير. أول ما يتبادر إلى الذهن لتفسير هذه المفارقة هو أن الاثنين مستفيدان من الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش. قد لا تكون مهمة لانتخابات تجري في أميركا شعبية المرشح خارج بلاده، ولكن أن يكون الفارق كبيراً إلى هذا الحد يعني أن الرئيس بوش أفلح في أن يكسب لبلاده عداء حلفائها، وهي الحالة التي يكشف وجهها الآخر عن أن الانقسام الحاد داخل أميركا حول السياسة الخارجية قد يأخذ شكل الاستقطاب «القومي» وصعود مشاعر تطرف في الوطنية والاستعلاء على الأجانب، وأن تأخذ الانتخابات شكل الاستفتاء على سياسات أميركا الخارجية، وبخاصة في العراق وتجاه روسيا وإيران وكذلك في موضوع الحرب ضد الإرهاب.

ستبقى الحرب ضد الإرهاب في نظر قطاع من الأميركيين خطأ كبيراً، وفي نظر قطاع آخر إنجازاً عظيماًَ، وسيكون من مصلحة الجمهوريين أن يستمر التهديد الإرهابي قائماً وبخاصة في أفغانستان وباكستان، ولن يكون في مصلحة الديموقراطيين التهوين من شأن الإرهاب وإن كان في مصلحتهم التأكيد أن نيران هذه الحرب ستزداد اشتعالاً إذا استلم ماكين الحكم. وفي هذا الشأن يقول أنصار أوباما إن ماكين سيفضل أسلوب الحرب على أساليب العمل السري والديبلوماسية. وسيكون من مصلحة ماكين ارتفاع وتيرة المواجهة الناشبة بين الغرب وروسيا خصوصا بعد أن تأكد أن شريحة كبيرة في الرأي العام الأميركي استعادت فوراً شعورها المعادي لروسيا. وكانت مستعدة لهذا بفضل أعـوام من تعبئة سياسية وإعلامية نجحت في أن تجدد العداء لروسيا كدولة وأمة وتنزع عنه العنصر الأيديولوجي الذي اعتمدت عليه دعاية الحرب الباردة.

ولذلك لن يكون في مصلحة أوباما الاستمرار في موقف «الاعتدال» في هذا الجانب من سياسته الخارجية، واغلب الظن أن عدداً أكبر من الناخبين الأميركيين سيطمئنون إلى حنكة ماكين وخبرته في الشؤون الخارجية وسيذكرون مواقفه المعادية لروسيا، «وبطولاته» خلال حرب فيتنام, ولن يطمئنوا إلى نـوايا أوباما واستعداده للتفاهم مع الدول التي تختلف مع أميركا وإقامة علاقات ودية مع أغلبية دول العالم.

وسيبقى المرشحان مختلفين حول مسألة الانسحاب من العراق رغم ما تغير في بعض طروحات أوباما ورغم بوادر التفاهم المتبادل التي توصل إليها مع كبار القادة العسكريين وهي البوادر التي تجعله اقرب إلى منطق العسكريين ورؤيتهم من ماكين الذي يصر على نية البقاء في العراق إلى أجل قد يكون بطول أجل الوجود الأميركي في كوريا الجنوبية.

وبالرغم من أن أغلبية كبيرة في الشعب الأميركي تريد انسحابا مبكرا إلا أن تطور الأوضاع على الأرض العراقية يخدم ماكين أكثر مما يخدم أوباما لأنه كان يؤكد أن ماكين كان أقرب إلى الحقيقة عندما وقف مؤيداً زيادة عدد القوات الأميركية، وهي الزيادة التي كانت سبباً في تعديل طبيعة الحرب في العراق لصالح الجيش الأميركي. وقد تلعب إيران بأهم أوراقها في لحظة حاسمة في الانتخابات إن أرادت تغليب كفة أحد المرشحين على الآخر. ولن تكون المرة الأولى التي تتدخل فيها إيران في انتخابات أميركية. فقد تدخلت وبنجاح باهر في الانتخابات التي جاءت بالرئيس رونالد ريجان إلى الحكم مستخدمة ورقة الرهائن وفشل المحاولة العسكرية لإنقاذهم. تستطيع إيران، من خلال نفوذها في العراق ولبنان ووجودها في دول الخليج، أن تسبب ارتباكاً في بعض تفاصيل الحرب الأميركية ضد الإرهاب، وتفاصيل بعض تحالفاتها في المنطقة العربية وباكستان وأفغانستان.

في أميركا كساد اقتصادي لا تبشر تطوراته باحتمالات تحسن ولا تنذر باحتمالات تدهور، وفيها علامات نمـو اقتصـادي لا تدل على اتجاه بعينه، فلا هو مستقر ولا هو مفاجئ. وفي العالم الخارجي تتعرض المكانة الأميركية لأسوأ ما تعرضت له منذ سنوات عديدة. لم يقف حلفاؤها الأوروبيون معها موقفاً كريماً خلال المواجهات الأميركية الروسية ابتداء من المواجهة بسبب التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا وانتهاء بالمواجهة بسبب تسليح جورجيا تمهيداً لاستخدام العنف لحل مشكلة أوسيتيا، أو بسبب التدخل العسكري الروسي لإيقاف غزو جورجيا للإقليم.

ولن تطرأ تطورات غير متوقعة في العلاقات الأميركية الصينية. كان الأولمبياد آخر التطورات المهمة في مسيرة طويلة تمشي فيها الصين لتؤكد من خلالها أو في نهايتها استحقاقها الاعتراف بها دولة متفوقة تكنولوجيا وحضارياً. أكدت أيضاً أنها لن تكون لاعباً تابعاً أو حليفاً ثانوياً في لعبة قطبين كبار، بل ولن تبارك أو تساهم في دعم قطبية ثنائية جديدة. لم يختلف كثيراً موقفها في أزمة جورجيا عن موقف حلفاء أميركا الأوروبيين، بمعنى آخر كشفت أزمة جورجيا عن حقيقة الأوضاع وعن حدود جديدة للالتزامات داخل جماعة شنغهاي وداخل جماعة الناتو، وخرجت أميركا من الأزمة، كما خرجت من قبل من أزمة درع الصواريخ، مدركة أن الناتو لن يكون مطيعاً أو مطية سهلة كما كان خلال الحرب الباردة. في هذا الأمر، كما في غيره من الشؤون الدولية يبدو أنه لن يحدث طارئ يفرض نفسه على ساحة الانتخابات الأميركية فيعدل في التوازن القائم بين شعبيتي المرشحين أوباما وماكين.

سنشهد فورة في نشاط أجهزة الإعلام تركز على الجوانب الشخصية في حياة أوباما وماكين ونائبيهما بايدين وبالين. وفي الواقع لا يوجد أمام منظمي الحملة الانتخابية على الجانبين الجمهوري والديموقراطي ما يفعلونه خارج هذا الإطار «الشخصي». يعرفون أن تغييراً في السياسة الخارجية لن يبدل الكثير لصالح ماكين. بل ويعرفون أن بوش ورايس وتشيني يقدمون خدمة عظيمة للمرشح الجمهوري لو أنهم غابوا عن الصورة خلال الأسابيع القليلة المقبلة. فقد نجح هؤلاء الثلاثة نجاحاً باهراً في نشر الخوف في أميركا وخارجها من أخطار مبالغ فيها أو من صنع سياساتهم الخارجية. ويرحلون الآن قبل تصحيح عواقب ما فعلوا مخلفين لمن يأتي بعدهم مهمة استعادة الطمأنينة في الداخل وتحسين صورة أميركا في الخارج.

وقـد قـرأت لمن يتوقـع أن تظهر خلال الأيام المقبلة جماعات تدعو الناخبين الأميركيين لعدم التصويت احتجاجاً على أمر أو آخر أو مدفوعة من جهة سياسية لها مصلحة في التدخل في التوازن الانتخابي. يتوقع آخرون أن يحدث انقسام داخل الحزب الديموقراطي أو أن تثار من جديد الشكوك حول الموقف الحقيقي للسيدة هيلاري وزوجها من فوز أوباما بترشيح الديموقراطيين, وغير مستبعد أن تشتعل قضية اللون وتتفاعل قضية عقيدة أوباما الدينية، خصوصا وقد اعتمد الرجل أكثر من اللازم على «شخصيته» وعائلته وأصوله الاجتماعية، بما يسمح لخصومه بأن ينفذوا إليه من خلال هذا التاريخ والسمات الشخصية.

ستكون هذه الانتخابات في حد ذاتها، أي من دون انتظار لنتائجها، أول امتحان عملي لمبدأ «التعددية الثقافية» التي حلت محل مبدأ «بوتقة الصهر». وفي ظني أنه وإن كانت أشياء كثيرة تغيرت في الشخصية والقيم الأميركية ومنها «الحلم الأميركي»، إلا أن الواقع المعاش يؤكد أن تطوراً جذرياً لم يطرأ بعد على حقيقة أن أميركا مازالت دولة بيضاء، ومازالت تحمل على كتفيها وفي ضميرها خطيئة سنوات استعباد السود وبعدها سنوات التمييز ضدهم.
"الحياة"

التعليقات