31/10/2010 - 11:02

لا يوجد تنسيق أمني.. سنراجع التنسيق الأمني../ ناصر السهلي*

لا يوجد تنسيق أمني.. سنراجع التنسيق الأمني../ ناصر السهلي*
الكشف والاعتراف بوجود تنسيق أمني على لسان أبو مازن يتبع إستراتيجية النفي المتكرر بعد كل كشف عن الوجه القبيح للعلاقة الأمنية التي يصفها بكلماته: "نحن نتعامل مع بعضنا البعض"!

من يتأمل الحالة الأمنية في مدن وقرى الضفة الغربية المحتلة وتواصل/ زيادة عربدة المستوطنين بحماية قوات الاحتلال، وقيام نخبة هذه القوات بعملية الإعدام بدم بارد في عمق مدينة نابلس، قد تصيبه دهشة مما يجري في تفاصيل هذا التنسيق، سواء أقرت به السلطة الفلسطينية أم نفته. وهذه الدهشة مردها إلى ما سبق عملية الإعدام الميداني من تفاخر إعلامي وأمني بأن الأجهزة قامت بعملية تحقق وتقصي بين الفلسطينيين بعيد قتل مستوطن بالقرب من قلقيلية. عمليات توقيف وبحث وتمشيط ترافقت مع الخطاب المتستر على حقيقة ما يلمسه مواطنو الضفة من وجود هذا النوع من التنسيق. فقد صرح أكثر من قيادي فلسطيني، تحديدا من حركة فتح، والبعض من داخل مدينة نابلس، تصريحات متناقضة تطالب في جانب منها بوقف التنسيق الأمني، و أخرى تنفي وجود أي شكل من العلاقات الأمنية.

في ذات الحادثة أجرت فضائية فلسطين مقابلات حية مع بعض أهالي المستهدفين في نابلس، فذهب الشقيق الأكبر للشهيد غسان ليعبر عما في عقل وصدر المدينة: رسالتي لأبي مازن بيكفي يا أبو مازن!.. لم تكن كلمات هذا الشقيق، الذي وصف الجريمة المقترفة بإعدام أخيه أمام والدته، بدون مقدمات كثيرة لأحداث دفع فيها الشعب الفلسطيني ثمنا غاليا لحالة مثالية تنفخ فيها حالة النكران والبحث عن عقول فلسطينية جديدة تتماشى وتقليم الأظافر وترويض العقول.

في المناطق "أ" لا شيء يختلف عن "ب" و "ج"، هي معادلات مبهمة للتذكير الدائم بأن اليد الطولى هي للاحتلال، على الأقل فيما يخص المسائل الأمنية والسيادية.. وقد لا يحتاج الاحتلال بشكل دائم لتخطي فواصل الجغرافيا التي لا تعنيه كثيرا، فيدعم عربدة المستوطن المسلح وانتهاكه الصارخ للحياة اليومية للفلاحين الفلسطينيين (ليس فقط في موسم الزيتون) ورمي الحجارة على الحافلات الفلسطينية وإطلاق النار على البيوت المحاذية للمستعمرات التي تسيطر على الجغرافيا من الجهات الأربع.. ترى هل تمر ليلة واحدة بدون أن يقوم الاحتلال في الضفة باعتقالات لمجموعة من المواطنين من داخل منازلهم؟

من يبحث عن الإجابة عليه أن يراقب كل شريط إخباري لمحطة فلسطين.. ثم علينا أن ندقق جيدا فيما يريده الرئيس عباس، فقد تكررت أكثر من مرة عبارات " أنا ضد المقاومة" و"أنا قلت لهم بأنني ضد العنف" و "لن أقبل بانتفاضة طالما أنا موجود"
و"لا حتى حمل الطوب/ الحجارة، فليخرجوا و يصيحوا" ( مقابلة عمرو أديب مع أبو مازن/ القاهرة اليوم بعد الجلسة الختامية للمركزي الفلسطيني)..

أولا، يبدو أن قضية مقاومة ممارسات الاحتلال ليست من الاستراتيجيات الأمنية المتخبطة والسياسية المُحبَطة ذات أولوية بالمعنى العملي وليس اللفظي عند من يمسكون بالقرار السياسي والتفاوضي والأمني.

ثانيا، يبدو أن قراءة التاريخ بشكل عميق قد خانت من يتحدث عن "قبول ورفض" الانتفاضة الشعبية، فمتى أخذ شعب من الشعوب المحتلة إذنا أو إشعارا في الانتفاض على الاحتلال وممارساته، فما بالنا بالشعب الفلسطيني صاحب التجربة الغنية في مقاومة الاحتلال، ومن المثير أن أبا مازن حين يُسأل عن الأمر تجده يجيب وكأنه يملك كلمة السر والزر في آن معا، وهو أمر ينافي الكثير من الحقائق.

ثالثا،لا أحد يستطيع أن يقفز عن الخطاب الموتور والمتشنج في لباسه الفصائلي الضيق سياسيا وإعلاميا لدى التعاطي الفلسطيني الداخلي والمخملي والحريري مع ممارسات الاحتلال الاستيطانية التوسعية والقتل والإذلال المنهجي في الضفة وغزة، ليس لإظهار أن السلطة الفلسطينية ضعيفة، كما يحلو للبعض أن يبرر، بقدر ما هو مسار احتلالي يقع في مطبات لمعانه الكثيرون ممن يتخذون التبرير سياسة بديلة لمجابهة الوقائع والمتغيرات على الأرض، والقبول بالأمر الواقع باعتبار أن البدائل هي جر الشعب الفلسطيني إلى "ردود فعل" يستغلها الاحتلال "ضد " قضيتنا".. وهو من الأمور التي تكشف عقم البدائل التي تتحدث عن أن "المفاوضات بديلة عن المفاوضات" دون قدرة على حماية روح فلسطيني واحد ولا تحريك حجر من حواجز الاحتلال الخانقة.

إن قيادة شعب بأكمله نحو الترويض والتدجين لا يمكن أن تنجح مهما سُخر لها من أدوات وإمكانيات، وبالتالي فإن الاستخفاف بمسألة المقاومة لمشروع الاحتلال، بعد أن تم تحويل مفردة المقاومة إلى مفردة تندر على لسان منظري الواقعية واستخدامها لوصف حالة التفاوض العبثي (تحت مسمى: الاشتباك السياسي) بكل ما حمله من تخليص للاحتلال من مسؤولياته أمام القانون والمجتمع الدوليين وإثارة علنية للسخرية من الخصوم السياسيين والفكريين بتحويل بوصلة الإشارة للأعداء المحتلين نحو الأخ ونحو الشقيق العربي لتبرير شعار مرحلة الدوران في فراغ العبثية بـبكائية "يا وحدنا".. والاستنجاد بقاموس الردح السياسي- الإعلامي لتسجيل النقاط بدل اللعب على وتر التحالفات التي تصب في مصلحة تيار بعينه، ورمي التواصل مع الشعب الفلسطيني وقواه الحية في كل مكان لمصلحة من يصفق ويهلل لسياسات السلطة واتباع التجييش والتحريض على مفكرين وساسة وإعلاميين، كأفراد ومؤسسات، والتخوين بمستويات مخجلة بحق أطراف فلسطينية صمدت داخل أرضها لأكثر من 6 عقود، هي أساليب لا يمكن إلا أن تصب بنهاية المطاف في مصلحة إضعاف روافد وقوة تحالفات الشعب الفلسطيني داخليا ومع المحيطين العربي والعالمي لمصلحة "يا وحدنا"!

بعض الوقائع اليومية التي تثار على ألسنة الناس ومشاهد هذا الوهن الظاهر في الساحة الفلسطينية تذهب إلى أبعد من مسألة التنسيق أو العلاقة الأمنية، والثانية أخطر من الأولى، فحين يُدرب شرطي فلسطيني على الولاء الكامل للعقل الأمني ليفاخر بأنه على استعداد لاعتقال والده وتنفيذ الأوامر كاملة ، قبل الاستقلال على الأقل وبروز أي نوع من تقرير المصير والسيادة الوطنية في دولة القانون، فهو ليس بالأمر العادي والبسيط على الإطلاق.. بل مشهد يُذكرنا بتفرد الحالة الفلسطينية من بين كل من عانى من الاحتلال والاستعمار في تجارب الشعوب، فالارتجال الأمني والسياسي والإعلامي لا يمكن أن يحقق أية مصداقية ولا انتزاع أي حق من الحقوق طالما أن الاحتلال يضع سقف مهام التحول من الثورة إلى سلطة ذاك السقف الأمني الذي تارة يجري نفيه وتارة يتم الإقرار بوجوده.

لا أحد يجادل العقل التبريري بالمطالبة بأن تحمي القوى الأمنية الفلسطينية شعبها، وهي التي لديها أوامر واضحة لكيفية حمل البندقية حين يتم اجتياح واعتقال بل واستهداف المواطن لتصفيته، وإن كان من الطبيعي الكف عن التهريج الإعلامي والخطابي بتحميل هذا الشعب مسؤولية ما وصلت إليه الأمور بفعل الانتفاضة الثانية، وبأنها كانت كارثة على القضية.. لكن على الأقل تحتاج التجربة لوقفة جادة تبحث في عمق ما وصلت إليه السياسة الملتبسة والنافية لما يحدث على الأرض وما يلمسه المواطن الفلسطيني يوميا.. وليس بالضرورة أن يكون مركز مدينة رام الله مقياسا لصحة الواقع الأمني ففقط عند الأطراف يمكن ملاحظة ما يجري على أيدي قوات الاحتلال ليلا ونهارا.. فهل كان من الضروري وطنيا أن تستنفر القوى الأمنية بعيد قتل المستوطن بحثا وتمشيطا عن منفذي العملية بهذا الشكل والمحتوى الذي أرسل للاحتلال وللشعب الفلسطيني رسالة واضحة عن عمق التخبط الفلسطيني الأمني والسياسي؟.. أشك بأن الاحتلال يقوم بذات الشيء مع قتلة الشعب الفلسطيني ومدمري ممتلكاته من المستعمرين المسلحين والمحميين أصلا بجنود الاحتلال على امتداد الضفة المحتلة.

شخصيا لا أدري ما المقصود بقول لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إن الفلسطينيين قد يراجعون علاقاتهم الأمنية مع إسرائيل إذا استمرت العمليات الأحادية الجانب مثل عملية الاغتيال بنابلس، فهو يكرر إطلاق الخطابات والشروط وما أن تهدأ الأمور حتى نجد وكأن شيئا لم يكن.. فهل سيجري توقيف المستوطنين المسلحين في مدن الضفة بدل تسليمهم الفوري للارتباط الإسرائيلي؟ أشك في أن سقف أوسلو يسمح للسلطة القيام بذلك.. وأشك أن يتم التسامح مع من لا ينفذ الأوامر بحذافيرها فيما يتعلق بالتنسيق الأمني.

في الشق السياسي المرتبط بالأمن تسارعت في الآونة الأخيرة مثلا الأنباء التي تتحدث عن "ليونة" في موقف نتنياهو وعن "انفراج" قريب بوساطة مصرية، بل ذهبت التقارير للادعاء بأن السلطة تقبل إعلانا سريا لوقفا الاستيطان في القدس!.. ويبدو أن السلم بات في طريقه للنزول من أعلى الشجرة التي تسلق عليها العقل السياسي الفلسطيني ارتجالا وتخبطا في ظل التجييش الداخلي في العلاقة بين طرفي الخلاف الفلسطيني- الفلسطيني.

التعليقات