31/10/2010 - 11:02

لبنان وثلاثية الشعب والجيش والمقاومة/ صبحي غندور*

-

لبنان وثلاثية الشعب والجيش والمقاومة/ صبحي غندور*
لم تكن مصادفة زمنية أن تحصل جلسة انتخاب الرئيس اللبناني ميشال سليمان في يوم 25 أيار/مايو من العام الماضي. فهذا التاريخ كان الذكرى الثامنة لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي. وفي الجمع بين المناسبتين كان هناك تأكيد جديد على التلازم المطلوب بين تحرير لبنان الذي قادته المقاومة، وبين وحدة شعبه، وبين استقراره الداخلي الذي يرعاه الجيش اللبناني. أيضاً، كان ذلك تعبيراً عن التنسيق الحاصل بين الجيش والمقاومة، وعن الدور الهام الذي قام به العماد ميشال سليمان حينما كان قائداً للجيش اللبناني في دعم مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

هذا العام تتزامن الذكرى التاسعة لتحرير لبنان مع اشتداد الحملات الإعلامية والسياسية في لبنان وفي المنطقة ضدّ "حزب الله" الذي قاد حركة المقاومة اللبنانية وحقّق نصر التحرير في العام 2000 ثم نصر الصمود والمواجهة ضدّ العدوان الإسرائيلي عام 2006.

ونتائج هذه الحملات واحدة وإن اختلفت الأطراف التي تقوم بها أو غاياتهم الخاصة منها. فإذا كانت إسرائيل تسعى كمبدأ للقضاء على ظاهرة المقاومة ضدّ احتلالها للأراضي العربية أينما وُجِدت، وإلى إشعال الفتن والصراعات داخل المجتمعات العربية، خاصة تلك التي تحتضن ظاهرة المقاومة، فإن أطرافاً أخرى (عربية ودولية) تعتقد للأسف أنّ حملاتها ستؤدّي إلى إضعاف حلفاء المقاومة (المحليين والإقليميين) ممّا قد يعزّز نفوذ هذه الأطراف أو ما تعتمده من نهجٍ سياسي. ومكمن الخطورة هنا أن هذه الأطراف تخدم عن قصد أو غير قصد الغايات الإسرائيلية التي لا تريد إلغاء "ظواهر المقاومة" فقط، بل تهدف أيضاً إلى هدم وحدة سائر الأوطان العربية، وإلى إضعاف كل الدول العربية وجيوشها الرسمية بما فيها تلك التي وقّعت مع إسرائيل على معاهدات صلح وسلام. ولعلّ الرؤية الإسرائيلية لمصر ولجيشها، وما في المعاهدة معها من قيود على حجم ونوعية وحركة القوات المصرية، ما يؤكّد هذ الأمر. أيضاً القيود والشروط الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية هي دليل على مخاطر التخلّي عن ظاهرة المقاومة لصالح القوة الإسرائيلية المهيمنة والتي مارست الحصار والعدوان على قيادة السلطة في الضفة الغربية بالعام 2002 رغم اتفاقيات أوسلو، ثمّ على غزة رغم الانسحاب الإسرائيلي منها.

إنّ إسرائيل تدرك أهمية ثلاثية: "الشعب والجيش والمقاومة" في أيِّ دولة عربية مجاورة لها، وهي تعتبر أنّ صمّام الأمان لإسرائيل يكمن في تغذية الصراعات العربية الداخلية وتحويلها إلى حروب أهلية ممّا يمنع من قيام جيش وطني واحد وقوي، ويُربك ويستنزف أي حركة مقاومة في الحاضر أو في المستقبل.

لقد كان 25 أيار/مايو عام 2000، يوم ذلٍّ ومهانة لإسرائيل ولجيشها ولعملائها في الشريط الحدودي مع لبنان. لكن كان هذا اليوم بلا أيِّ شك يوم كرامة واعتزاز لدى عموم اللبنانيين والعرب، في أوطانهم كما في أي بقعة من الأرض تواجدوا فيها.

ففي هذا التاريخ انهزم الاحتلال الإسرائيلي في لبنان بعد مقاومة متواصلة بدأت مع احتلال إسرائيل لبيروت عام 1982، ثم تصاعدت هذه المقاومة وقويت حتى حرّرت الأراضي اللبنانية واستعادت ما احتلته إسرائيل منذ آذار/مارس 1978.

ولعلَّ قيمة هذا الإنجاز بالنسبة إلى العرب ككل، أنّ إسرائيل اضّطرت، وللمرّة الأولى في تاريخ الصراع العربي/الإسرائيلي، إلى الانسحاب الكامل من أرض عربية، دون تفاوض أو اتفاقيات… انسحبت فقط بسبب المقاومة لهذا الاحتلال، وما سبّبته هذه المقاومة على مدار سنوات من خسائر بشرية كبيرة في الجيش الإسرائيلي وضباطه وجنوده وعملائه، حيث فاقت هذه الخسائر حجم مجموع ما خسرته إسرائيل في حروبها المتعددة مع الجيوش العربية.

فالحقّ اللبناني بتنفيذ القرار رقم 425 كان عمره أكثر من 22 عاما، لكن إسرائيل لم تستجب إلى هذا "الحقّ اللبناني" المدعوم بالشرعية الدولية إلا حينما رافقت هذا الحق قوّة المقاومة للاحتلال، هذه المقاومة التي استندت أيضا إلى قوّة نهج العطاء والتضحية والبناء التنظيمي السليم، والى قوّة التضامن الوطني اللبناني الشامل معها وحولها على المستويين الشعبي والرسمي. كما استفادت هذه المقاومة من دعم أنصار هذا الحقّ عربياً وإقليمياً.

لكن الهزيمة العسكرية الإسرائيلية في لبنان لم تكن هزيمة كاملة للمشروع الصهيوني فيه، فإسرائيل لم تتراجع عن مشروعها الهادف إلى تقسيم لبنان وتشجيع الصراعات المحلية المسلحة فيه.
إنّ سلاح المقاومة لم يحرّر لبنان فقط من الاحتلال الإسرائيلي، بل كان له الفضل فيما يشير البعض إليه الآن من أهمّية السيادة اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية. فإنهاء الاحتلال الإسرائيلي كان هو المدخل لسحب القوات السورية على مراحل ثم انسحابها الكامل من لبنان تنفيذاً لاتفاق الطائف. ثمّ هل كان ممكناً مطالبة المسلحين الفلسطينيين بعدم الانتشار المسلح خارج المخيمات لو أنّ هناك قوات إسرائيلية محتلة في مناطق هذه المخيمات؟

ولا أعلم كيف يمكن تفسير التصعيد بالتوتر السياسي الآن حول موضوع سلاح المقاومة، فمن هو الطرف الذي سيقوم بنزع هذا السلاح، لو سلّمنا جدلاً بضرورة ذلك؟! إنّ هذا المطلب الأميركي/الإسرائيلي كان مفهوماً خلال فترة وجود القوات السورية في لبنان، لكن من الجهة الممكن تكليفها بهذا العمل حالياً؟ هل هي إسرائيل التي كانت أصلاً تحتل لبنان وانهزمت فيه واضطرّت للانسحاب منه، ثم فشلت وهُزمت مرّةً أخرى في العام 2006؟ أم هي قوات أميركية ودولية تتعثّر وتفشل في العراق وأفغانستان وتبحث عن مخرج لائق لها؟ إنّ المراهنة ليست حتماً على قوى خارجية لتنفيذ هذه المهمة، بل على قوى لبنانية تقبل من جديد مسؤولية تفجير الوضع الداخلي اللبناني من أجل مصالح ومشاريع خارجية، وبطابع طائفي ومذهبي يحرق الأخضر واليابس في لبنان والمنطقة.
لقد انهزمت الغايات السياسية للعدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، لكنّها هزيمة في موقع محدّد وزمان معيَّن، تماماً كما حصل في العام 2000 حينما أجبرت المقاومة اللبنانية إسرائيل على الانسحاب من لبنان.

هي إذن حربٌ مستمرّة في ميادين مختلفة، ولن تُحسَم النتائج النهائية لهذه الحرب إلا بانتهاء الصراع العربي/الإسرائيلي وتحقيق تسوية عادلة وشاملة لكلّ الجبهات بما فيها القضية الفلسطينية.
الأوْلى عربياً وأد الفتنة في زمن حرب إسرائيل على العرب بعدما فشل السلام معها..
الأوْلى لبنانياً وفلسطينياً وعربيّاً الآن هو التضامن الوطني الشامل بدلاً من الانجرار إلى الفتن الداخلية. فالفتنة كانت مطلوبةً إسرائيلياً وأجنبياً قبل نشوء حركات المقاومة، والفتنة مطلوبة الآن أكثر بعد انتصار ظاهرة المقاومة وفشل المراهنة على التسويات الجزئية... الفتنة بين الفلسطينيين أنفسهم وبين اللبنانيين أنفسهم وبين العرب كلّهم.. فتنة تنهي أيّ مقاومة لأيّ احتلال وتجعل العدوّ هو المواطن العربي الآخر.


*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن.
alhewar@alhewar.com

التعليقات