31/10/2010 - 11:02

لجنة المتابعة العربية أمام التحدي../ علي جرادات

لجنة المتابعة العربية أمام التحدي../ علي جرادات
في ظل إنذارات أمريكية تدعو الفلسطينيين إلى الانصياع للإملاءات الإسرائيلية، والتوجه إلى مفاوضات مباشرة بلا شروط أو مرجعية أو ضمانات، ستعقد لجنة المتابعة العربية اجتماعها غدا للإجابة على سؤال ما العمل؟؟

عندما "لحس" الرئيس الأمريكي أوباما وقف الاستيطان كشرط للبدء بمفاوضات غير مباشرة، إستجابت لجنة المتابعة العربية، ودفعت بالفلسطينيين إلى جحيم تفاوض دون أية ضمانات، اللهم إلا "ضمانة أن البيت الأبيض سيقف ضد أية "خطوات استفزازية".

دارت عجلة المفاوضات غير المباشرة، ومعها تواصلت، بل زادت كل أشكال التصعيد الميداني الإسرائيلي، وخاصة سعار الاستيطان وحمى التهويد، وكانت المفاجأة بعد لقاء أوباما-نتنياهو، حيث توالت الضغوط، بل الإنذارات الأمريكية التي تدعو الفلسطينيين، ومن ورائهم العرب، إلى بدء التفاوض المباشر في بداية آب القادم. والسؤال: ترى كيف ستجيب لجنة المتابعة العربية على هذا التحدي؟؟!!

هل تعود "حليمة إلى عادتها القديمة"؟؟؟ بمعنى هل سيستجيب القرار الرسمي العربي، بصرف النظر عن التبريرات، للإملاءات الإسرائيلية المسنودة بالضغوط الأمريكية، عبر مطالبة الفلسطينيين بإعطاء فرصة أخرى للجهود الأمريكية؟؟!! أم أنه سيكون من الصعب على مركز القرار الرسمي العربي "بلع" الأمر، بعد أن بلغ سيل العنجهية الإسرائيلية زباه، وبعد أن تجاوز سفور الانحياز الأمريكي كل حد؟؟!! علماً أن ما حمله المبعوث الأمريكي ميتشل على لسان أوباما للفلسطينيين لم يكن مجرد ضغوط، بل كان إنذارات تقول:

البيت الأبيض سيدفع الموقف العربي وباقي أطراف الرباعية لتغطية انتقالكم إلى المفاوضات المباشرة، وإن الرئيس أوباما يتوقع عدم ترددكم في التوجه إلى طاولة المفاوضات الثنائية المباشرة، وإن أي تلكؤ سيكون له انعكاسات سلبية على العلاقات الأمريكية الفلسطينية، بمعنى إن دعم الإدارة الأمريكية لحل الدولتين والحد من الاستيطان سيكون شبه معدوم، (وكأنه كان موجوداً أصلاً)، وإن من الهام البدء بالمفاوضات سريعاً، وقبل شهر أيلول، ذلك ارتباطا بموعد المحكمة الدولية وانتهاء مدة التجميد الإسرائيلي الصوري "الجزئي المؤقت" للاستيطان.

إن التحدي المطروح على طاولة لجنة المتابعة العربية، ومن خلفها جامعة الدول العربية، ومن قبلها الفلسطينيون، هو ليس تحدياً جديداً، ولم يخرج للوجود مع مجيء أوباما لسدة الحكم، بل هو تحدٍ قديم قِدَم الموافقة الرسمية العربية في مؤتمر مدريد، عام 1991، على انتهاج سبيل التفاوض المباشر المنفرد تحت الرعاية العملية الأمريكية. إذ يعلم الجميع، انه بمجرد انفضاض جلسة الافتتاح لمؤتمر مدريد، واجه الوفد الفلسطيني برئاسة المرحوم الدكتور عبد الشافي التعنت الإسرائيلي فيما يخص جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قضايا الأرض واللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات والمياه، بل إن الوفد الإسرائيلي في حينه لم يرفض فقط مطلب إزالة المستوطنات، بل كان قد رفض أيضا مطلب التوقف عن زرع أراضي الضفة وغزة، ناهيك عن القدس، بالمزيد من المستوطنات والمستوطنين. وعلى ذلك فقد وصلت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية حول جوهر القضية الفلسطينية باكراً إلى طريق مسدود، ولم تُجْدِ حيلة تقسيم الحل إلى "انتقالي" و"نهائي" نفعاً. فحتى بعد قيام سلطة فلسطينية انتقالية، لم يكتفِ الإسرائيليون برفض التعامل مع قضية عودة اللاجئين كجوهر للقضية الفلسطينية، بل واصلوا وكثفوا سياسة ابتلاع الأرض وتفريغها.

عليه، فإن التحدي المطروح على لجنة المتابعة العربية، أعني تحدي اشتراط التفاوض، (على الأقل)، بالتوقف عن بناء المستوطنات، فما بالك بإزالة القائم منها، هو ليس تحدياً جديداً. فعمره اليوم قرابة العشرين عاماً. وفي نهر العشرين عاماً جرت مياه استيطانية تهويدية كثيرة. ومع شديد الأسف، فإن مركز القرار الرسمي العربي، لم يقف يوما أمام هذا التحدي وقفة جدية تلحظ أن كل حديث عن تسوية سياسية للصراع، ناهيك عن إنهائه، هو مجرد لغو لا طائل منه ما لم تتوقف الجرافات الإسرائيلية عن ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية، ذلك حتى لا نقول: ما لم تجر إزالة كافة المستوطنات القائمة في الضفة والقدس.

بما يؤشر على عمق أزمة القرار الرسمي العربي وعدم قدرته على مواجهة الضغوط الأمريكية وإنذاراتها، قيل إن أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، همس في أذن المبعوث الأمريكي ميتشل بطلب أن تتخذ الولايات المتحدة موقف الحياد في حال لجأ العرب إلى رفع القضية إلى مجلس الأمن. فهل سيكون الذهاب إلى مجلس الأمن هو خيار لجنة المتابعة العربية؟؟؟

على الجانب الفلسطيني، فإن الكل يتمنى ذلك، لكن أعتقد أن التمني هو شيء مغاير تماماً للواقع. فما تشير إليه التصريحات الرسمية العربية العلنية، فضلا عن ما يتسرب من جلسات الغرف المغلقة، لا تشير إلى أن فكرة أمين عام جامعة الدول العربية ستكون محط إجماع عربي، إذ على أحد أن لا ينسى أن التداول الأمريكي- الرسمي العربي في الملف الفلسطيني، لن يأتي مفصولاً عن التداول في الملف الإيراني الذي تستخدمه الولايات المتحدة كفزاعة ترعب بها النظام الرسمي العربي، كيما يستجيب لإملاءات الخطة الأمريكية-الإسرائيلية في المنطقة، علماً أن هذه الخطة تقوم على مواجهة التحدي الإيراني وتشابكاته اللبنانية والسورية والفلسطينية، وانعكاساته العراقية.

وغدا سيكون اجتماع لجنة المتابعة العربية أمام خيارين لا ثالث لهما، إما طلب التدويل في مواجهة الضغوط الأمريكية، أو مجاراة الضغوط الأمريكية وإنذاراتها، ولكل خيار حساباته المحلية والإقليمية والدولية. والخشية هنا أن يتمخض الاجتماع عن عملية تهجين للخيارات، بما يؤول إلى الحلقة المفرغة، حلقة الرهان على الثقة الموهومة بالإدارة الأمريكية التي أثبتت السنين عمق انحيازها السافر للرؤية الإسرائيلية.

إن على لجنة المتابعة العربية، وهي في معرض تحديد الرد على التحدي أن تدرك أن انتقال الموقف الأمريكي الحاد، وبلا مقدمات إلى مجاراة الموقف الإسرائيلي حد التطابق، يشي بأن المنطقة مقبلة على طوفان، يستهدف حسم التحديات الإستراتيجية الأمريكية-الإسرائيلية في المنطقة بلغة السياسة العنيفة (الحرب)، ويبدو أن تحدي المقاومة اللبنانية هو الأرجح في الاستهداف، ما يستوجب على لجنة المتابعة العربية أخذ ذلك بعين الاعتبار، وهي تصوغ قرارها.

التعليقات