31/10/2010 - 11:02

"لن تكون هناك قدس شرقية بعد عشرة أشهر"../ هاني المصري

كشف مسؤول إسرائيلي رفيع لم يعرف اسمه أن بنيامين نتنياهو قال في جلستين مغلقتين؛ الأولى مع وزراء حكومته، والثانية مع كبار قادة المستوطنين في 25/12/2009، بأن القرار الذي اتخذه من أجل الوقف الجزئي والمؤقت للاستيطان في مستوطنات الضفة لمدة عشرة أشهر سيؤدي في نهاية الأمر الى ضم القدس الشرقية لإسرائيل لتصبح قلباً وقالباً العاصمة الأبدية الموحدة للشعب اليهودي.

وأضاف نتنياهو: هدفي أن تصبح أحياء القدس الشرقية أحياء مختلطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما هو الوضع في حيفا ويافا، حيث سيصعب على السلطة الفلسطينية الحالية أو من سيأتي بعدها المطالبة بشرقي القدس لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية.

ووفقاً للمسؤول سابق الذكر فإن نتنياهو أبلغ قادة المستوطنين بأنه يمكنهم من العيش أينما أرادوا في شرقي القدس؛ في الشيخ جراح أو في حي سلوان أو في القدس القديمة وشعفاط ووادي الجوز وجبل أبو غنيم، حيث سيتم تفتيت شرقي القدس، وأنه وبعد عشرة اشهر لن يبقى شيء اسمه القدس الشرقية.

إن هذه العبارات توضح تماماً أهداف الحكومة الإسرائيلية في القدس، ورغم أنها تعكس نوعاً من الأوهام لأن القدس كانت وستبقى عربية، إلا أن ما يجري في القدس خصوصا في العام الأخير منذ تولي الحكومة الإسرائيلية الحالية سدة الحكم يجب أن يشعل كل الأضواء الحمراء، ويضرب كل أنواع الإنذار، لعل الفلسطينيين والعرب يتحركون قبل فوات الأوان، قبل ضياع القدس.

من المتوقع أن يكون المستوطنون قد شرعوا في بناء "كنيس الخراب" قرابة المسجد الأقصى في خطوة إضافية نوعية نحو هدم الأقصى وإقامة هيكل سليمان الثالث المزعوم على أنقاضه.

إن إسرائيل باتت تدرك أكثر وأكثر أن بقاء الوضع الراهن للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي للأبد أمر غير ممكن، فضلا عن انه لم يعد مناسبا لإسرائيل. ففي ظل استحالة تحقيق شعار إسرائيل الكبرى، وضم الضفة الغربية وقطاع غزة، والترحيل الجماعي للفلسطينيين، أصبح هناك، إذا لم يتم التوصل الى تسوية تحقق أساساً المصالح والأهداف الإسرائيلية، ما يهدد بقيام دولة واحدة سيكون الفلسطينيون أغلبية فيها ما سيقضى عاجلا أو آجلا على إسرائيل بوصفها دولة يهودية، وستتحول الى دولة ديمقراطية أو ثنائية القومية.

كما أن العالم والولايات المتحدة الأميركية تحديداً، بات يدرك أهمية حل الصراع من خلال إقامة الدولة الفلسطينية التي أصبحت كما أعلن باراك أوباما مصلحة أميركية عليا، وإذا لم تتحقق فان استمرار الصراع يهدد المصالح الأميركية والنفوذ الأميركي في المنطقة.

لذا نلاحظ أن الحكومة الإسرائيلية في سباق مع الزمن لفرض أكبر قدر ممكن من الوقائع الاحتلالية في جميع الضفة الغربية بصورة عامة، وفي القدس بصورة خاصة، حتى تحتفظ بها كعاصمة أبدية موحدة لإسرائيل.

ورغم أن ما يجري في القدس محل اهتمام سياسي وإعلامي عالمي، إلا أن ما ينشر يشكل بدون مبالغة نقطة في بحر من حقيقة ما يجري.

فالقدس تشهد يومياً إجراءات احتلالية لا تنحصر فقط بالاعتداءات على المقدسات وهدم المنازل والحفريات تحت المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وإنما تشهد أيضا اعتقالات ومداهمات يومية لأسباب سياسية وأمنية وضريبية، كما تشهد سحب الهوية والمواطنة من أعداد متزايدة من الفلسطينيين، وارتفاعا كبيرا في أعمال التنكيل والاعتداء على المواطنين الأبرياء من قبل أفراد أمن ومستوطنين يهود، فيما تُسجل انتهاكات للحريات الدينية والمدنية وإغلاق مستمر للمؤسسات المقدسية، وإغراق أهالي القدس في سلسلة من السياسات العنصرية تلاحقهم في كل مجال من مجالات حياتهم وعملهم، ونشر الجريمة والدعارة والمخدرات بشكل مخطط ومدروس، الأمر الذي أدى الى وجود آلاف المدمنين على المخدرات وأضعافهم من المتعاطين حتى يدفع هذا الجحيم المقدسيين الى الهجرة.

فالمخططات الإسرائيلية واضحة وهي تهدف الى جعل نسبة الفلسطينيين القاطنين في القدس لا تتجاوز 12%.

لا يعني ما سبق أن الإرادة الإسرائيلية قدر لا فكاك منه، وأن أهل القدس سلموا بالهزيمة، لا، طبعاً، فهناك صمود عظيم ومقاومة مستمرة دفاعاً عن القدس ومقدساتها، ولكن علينا الاعتراف أن هذا الصمود وتلك المقاومة المرشحة للتحول الى انتفاضة أقل من حجم الخطر، وهي بحاجة الى دعم شعبي وسياسي ومادي فلسطيني أولاً وعربي ثانياً وإسلامي ومسيحي ثالثاً ودولي رابعاً.

إن ما تقوم به السلطة والمنظمة من الدعم ومتابعة للقضايا المتعلقة بالقدس أقل من الحد الأدنى. فإذا نظرنا الى ما يجري نرى عدم طرح قضية القدس بشكل دائم على مجلس الأمن وبقية المؤسسات الدولية منذ فترة طويلة، وهذا يعني أن هناك تقصيراً ناجماً عن التقليل من أهمية اللجوء الى القانون الدولي والقرارات والمؤسسات الدولية، وعن مبالغة الى حد الوقوع بالوهم بقدرة الدبلوماسية والمفاوضات لوحدها أو الاعتماد على دور الولايات المتحدة الأميركية فقط، فهناك من يعتقد أنها تملك 99% من أوراق الحل، وأنها لوحدها قادرة على ذلك. وعندما يواجه أصحاب هذا الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية منحازة لإسرائيل ولا تملك الإرادة ولا الرغبة للضغط على إسرائيل، يصر الكثير منهم على اعتماد نفس الطريق.

لن يحك جلد الفلسطينيين سوى أظفارهم أولاً، وعلى أنفسهم يجب أن يراهنوا أولا وقبل أي شيء آخر.

وإذا نظرنا الى موازنة السلطة نجد أن القدس لا تحتل فيها نسبة تذكر. وهنا المحك كما يقال فإذا كانت القدس عنوان الصراع، وتشكل عقل وروح وقلب وعاصمة الفلسطينيين فلماذا لا تفرد لها الموازنة الكافية لسد احتياجاتها، وتوفير مقومات الصمود والمقاومة. فكل ما تحصل عليه القدس من دعم مالي فلسطيني (رسمي وغير رسمي) وعربي وإسلامي لا يتجاوز كحد أقصى 50 مليون دولار سنوياً في حين إن تلبية احتياجات الحد الأدنى لدعم صمود القدس يتطلب 500 مليون دولار سنوياً.

وإذا نظرنا الى التحركات الشعبية في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي جميع أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، نرى أنها دون المطلوب كثيراً. فالشعب الفلسطيني في حالة إرباك لدرجة يتحول فيها الى التضامن مع القدس ولا يعيش معركتها بشكل يومي، وهذا أمر نابع من اليأس والإحباط الناجمين عن حالة الانقسام المدمرة، التي لا تشمل فصل الضفة عن غزة فحسب، وإنما تفتيت وانهيار كل ما يوحد الفلسطينيين جميعاً من الأهداف والأحلام والهوية الوطنية الواحدة والثقافة المشتركة والكيان الواحد والنظام السياسي الموحد.

أما العرب والمسلمون فعندهم حجة تستخدم ذريعة للتنصل من مسؤولياتهم، وهي أن الفلسطينيين أهل القدس وهم أدرى بشعابها، وان العرب يرضون للفلسطينيين ما ارتضوه لأنفسهم.

أي إن الرهان العربي ليس على الإرادة العربية والقوة العربية وإنما على المفاوضات وعملية السلام رغم أنها سقطت سقوطاً مدوياً منذ زمن بعيد، ولم يبق منها سوى عملية بدون سلام.

لا يستطيع الإنسان أن ينكر المبادرات العظيمة التي تساعد على الصمود والتي يقوم بها أهل القدس، وفلسطينيو 1948 خصوصاً الشيخ رائد صلاح الذي يستحق كل تحية وتقدير، وتلك التي يقوم بها الفلسطينيون داخل وخارج فلسطين، وهنا نخص مبادرات مؤسسة التعاون لحشد الدعم العربي والإسلامي والعالمي، ولكن هذا الدعم على أهميته لا يتناسب مع حجم المخاطر التي تهدد القدس، ولا يساوي الدعم الذي يقدمه مليادير صهيوني واحد.

يكفي أن يقرر العرب أن القدس أولوية ويتصرفوا على هذا الأساس، ولكنهم لا يفعلون ذلك ويترددون حتى في عمل طابع بريدي يوزع في البلدان العربية كافة، ويخصص ريعه لدعم صمود القدس. هل هذا كثير؟ انه أمر ممكن بحاجة الى إرادة عربية وقرار عربي، والسؤال هو لماذا لا يتخذ الملوك والرؤساء العرب هذا القرار؟.

ولماذا ترضى الشعوب العربية باستمرار هذا الوضع المخجل؟.

التعليقات