31/10/2010 - 11:02

مأزق حلفاء أميركا في أربع عواصم/ باتريك سيل

مأزق حلفاء أميركا في أربع عواصم/ باتريك سيل
في إسلام أباد وكابول وبغداد يواجه ثلاثة قادة دول مصاعب جمة وعسيرة ربما أثرت بشكل سلبي على فرص بقائهم في مناصبهم السياسية القيادية، والقاسم المشترك بين هذه الحالات الثلاث، تحالف كل من القادة المذكورين مع الولايات المتحدة الأميركية. ومن جهة أخرى، توجد في إسرائيل أيضاً حالة مشابهة.

ففي العراق يمتطي رئيس الوزراء نوري المالكي صهوة نمر جامح من النزاع الطائفي وطغيان النزعة الانفصالية، ما اضطر مؤخراً وزارة الدفاع الأميركية للاعتراف بأن ما يجري هناك قريب من أن يكون حرباً أهلية، وقد جاء ذلك في آخر تقاريرها الصادرة عن الوضع الأمني في العراق. والشاهد أن هذا البلد قد تداعى وانفرط زمام الأمر فيه، وغاص بعيداً في لجة من المذابح وحمامات الدماء.

وبالنتيجة فقد فاقت المذابح والاغتيالات المتبادلة بين المسلمين الشيعة والسُّنة عدد صرعى وقتلى قوات التحالف الأجنبية هناك. وفي الوقت ذاته قطع إقليم كردستان شوطاً بعيداً على طريق الانفصال، بلغ به حد محاولة فرض "الاستقلال" كحقيقة وكأمر واقع. وليس أدل على ذلك من إنزال العلم العراقي الذي كان يرفرف جنباً إلى جنب مع العلم الكردستاني في كافة المبانى والمرافق الحكومية العامة، بأمر محلي من حكومة الإقليم.

وكانت واشنطن قد أملت في ميلاد عراق ديمقراطي فيدرالي موالٍ لها ولحلفائها، غير أنها لم تفعل شيئاً في واقع الأمر سوى تدمير دولة عربية كبرى، وغرس جرثومة العنف والزعزعة التي باتت تهدد الآن بنشر وبائها على امتداد المنطقة العربية بأسرها. والشاهد أن الولايات المتحدة نفسها تواجه اليوم أزمة استراتيجية متفاقمة، ليست أقل حدة وخطورة من تلك التي ترتبت عن هزيمتها في حرب فيتنام، قبل بضعة عقود خلت.

أما في إسرائيل، فتهدد موجة الغضب والانتقادات الناقمة الموجهة لرئيس وزرائها إيهود أولمرت، بإقالته من منصبه والإطاحة بحكومة التحالف التي جرى تشكيلها إثر فوزه بالمنصب. ومما لا مراء فيه أن تلك الحرب الإجرامية المدمرة التي دبرها بالتنسيق والتواطؤ مع الولايات المتحدة الأميركية، قد أغرقت دولته الصهيونية في موجة عارمة من الاضطرابات والقلاقل السياسية، إضافة إلى غرسها لطاعون الشك الذي بات ينخر في جوهر المبادئ الأساسية التي قامت عليها السياسات الدفاعية والخارجية للدولة العبرية. وبسبب تلك الحرب الرعناء فقد اهتزت أركان هذه الدولة وركائزها، وذهبت معها إلى مهب الريح أسطورة الجيش الإسرائيلي "الذي لا يقهر".

وعلى الرغم من أن لبنان سيستغرق وقتاً طويلاً قبل أن يسترد عافيته من هذا الدمار الماحق الذي لحق به، إلا أن الكاسب الرئيسي من هذه الحرب هو إيران وسوريا و"حزب الله" الذي لم تكسر شوكته، ولم يهزم أمام إسرائيل. وفي كل من واشنطن وتل أبيب بدأت تثور الأسئلة الآن حول من دفع الآخر إلى شن الحرب وإشعال فتيلها. بل لقد تجاسر بعض الأميركيين ومضوا إلى طرح الأسئلة حول مدى تأثير اللوبي الصهيوني على مجمل السياسات الأميركية.

أما في كابول فقد أضحى الرئيس حامد قرضاي -الذي عززت نفوذه في السلطة واشنطن- في مواجهة انحسار جارف ومتسارع لشعبيته بين مواطنيه الأفغان. بل إن هناك من التكهنات السياسية سلفاً، ما يشير إلى دنو انتهاء فترة حكومته التي مضت عليها أكثر من أربع سنوات ونصف حتى الآن. ولم تنخر عظم هذه الحكومة جرثومة الفساد فحسب، بل عجزت كذلك عن توفير الأمن المطلوب، ولا تزال في عسر ومنأى عن تحقيق الازدهار الاقتصادي وتغيير الظروف المعيشية الطاحنة التي يعانيها المواطنون إلى جانب مصاعبها وتعثرها الإداريين. وقد طال هذا التعثر العاصمة كابول نفسها التي لم تعد في مأمن ولا استقرار.

وبين هذا وذاك مضت حركة "طالبان" المناوئة إلى تعزيز مواقعها عسكرياً وسياسياً، لاسيما في محافظات قندهار وأروزجان وهلمند في جنوبي أفغانستان. ولدهشة قوة حلف "الناتو" والقوات الأميركية المرابطة هناك، فقد تمكنت الحركة من نشر قوة عسكرية مضادة قوامها 400 مقاتل مسلحين بالمعدات الحربية الثقيلة، رغم كثافة وضراوة الطيران العسكري الأميركي هناك.

وتشير الإحصاءات إلى مصرع أكثر من 1000 قتيل جراء المواجهات المسلحة مع قوات التمرد خلال العام الجاري وحده، مع ملاحظة تصاعد وتائر القتال والهجمات المضادة خلال موسم الصيف الحالي. كما شهد العام نفسه وقوع نحو 60 هجوماً انتحارياً، قياساً إلى عدم وقوع هجوم واحد من هذا النوع في العام الماضي. هذا وقد آلت قيادة القوات الدولية في المحافظات والمناطق الجنوبية والشرقية من أفغانستان -وهي المناطق الأشد خطراً واضطراباً على الإطلاق- إلى حلف "الناتو" بقيادة الجنرال البريطاني ديفيد رتشاردز، خلال شهري أغسطس وسبتمبر الحالي. بيد أن المعارك اليومية لا تنقطع في هذه المناطق التي يسودها ويسيطر عليها لوردات الحرب وتجار المخدرات. وإلى ذلك كثيراً ما يتحالف زعماء العشائر والقبائل مع قوات التمرد، ضد حكومة قرضاي والمتحالفين معها. وتتجه سياسات الجنرال "رتشاردز" إلى محاولة بسط الأمن والاستقرار هناك عن طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أكثر من اعتمادها على البنادق والقتال. ويعمل تحت إمرته وقيادته الآن 23 فريق إعادة إعمار عسكري في المحافظات المذكورة التي يتولى مسؤوليتها، ولكن المشكلة أن قوات التمرد الطالباني لم تعطه الفرصة الكافية لتحقيق النجاح الذي يريده لاستراتيجيته هذه.

وفي كل من واشنطن ولندن هناك من المسؤولين من بات على قناعة بخسارة التحالف الدولي لحربه على الإرهاب، وفي أثناء ذلك تواصل تجارة المخدرات الأفغانية البالغة عائداتها السنوية 3 مليارات دولار ازدهارها، علماً بأنها تزود القارة الأوروبية بنسبة 90 في المئة من استهلاكها من الهيرويين.

ولك أن تتجه ببصرك أيضاً إلى باكستان، التي تنهال على رئيسها موجات النقد من كل حدب وصوب. فهذه حملة من معارضيه الإسلاميين داخلياً، وتلك أخرى من خصومه ومنتقديه في الخارج من أمثال رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو، وتلك ثالثة من مسؤولي الأمن البريطانيين الذين يتتبعون خيوط الصلة ما بين الشباب البريطانيين المنحدرين من أصول باكستانية، ممن أقدموا على تنفيذ الهجمات الإرهابية في العاصمة لندن. وهؤلاء أيضاً هم من وجهت إليهم الاتهامات في آخر المحاولات الإرهابية التي استهدفت تفجير الطائرات الأميركية المتجهة من مطار هيثرو صوب الولايات المتحدة.

يذكر أن الرئيس جورج بوش ما زال يواصل تعامله مع باكستان على أنها دولة حليفة له في الخطوط الأمامية لحربه ضد الإرهاب. ولذا فقد تعمّد غض الطرف عن تلكؤ إسلام أباد في إحداث التحول الديمقراطي، بل تغاضى عن ذلك، لا لشيء سوى حاجته لحراسة الجنود الباكستانيين للحدود الفاصلة بين بلادهم وأفغانستان. ومع أنه تم نشر ما يزيد على 70 ألف جندي باكستاني في منطقة القبائل بوزيرستان، إلا أنها لا تزال بعيدة كل البعد عن إخماد تحركات وأنشطة فلول الإرهابيين فيها.

وهناك من ينظر إلى باكستان على أنها شكلت في وقت ما مصدراً للانتشار النووي (من خلال شبكة عالمها النووي عبدالقدير خان سابقاً).

وفي غضون ذلك تواصل محافظة بلوشستان تصعيد أزمتها، إثر مصرع زعيمها القبلي "نواف أكبر خان بوكتي" في وقت متأخر من شهر أغسطس الماضي على يد قوات الجيش الباكستاني. وتعد محافظة بلوشستان منطقة استراتيجية بحكم موقعها الحدودي في الخط الفاصل ما بين إيران وباكستان ومنطقة الخليج العربي. وفوق ذلك فهي توفر لباكستان 45 في المئة من حاجياتها للغاز، وعلى الأرجح أن يثير مصرع الزعيم "بوكتي" البلوش ومطامحهم التاريخية لاستقلال منطقتهم ذاتياً عن باكستان. ولكل هذا فإن وضع الحكم في إسلام أباد، لم يعد بمأمن ولا هو أفضل استقراراً مما يواجهه حلفاء واشنطن في كل من كابول وبغداد، وأيضاً تل أبيب.

التعليقات