31/10/2010 - 11:02

مؤتمر بوش للسلام: التطبيع قبل التوقيع../ يونس العموري

مؤتمر بوش للسلام: التطبيع قبل التوقيع../ يونس العموري
تأتي دعوة بوش لعقد ما يسمى بـ"المؤتمر الدولي للسلام"، في اطار الدعوات والإعلانات الموسمية التي عودتنا عليها ادارة بلاد العم سام فيما يخص القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، وكافة قضايا المنطقة المتصلة ببعضها البعض بشكل عام... وغالبا ما تجيء هكذا دعوات لأغراض امريكية مصلحية بالأساس، خدمة لتوجهاتها ولسياساتها الإقليمية والدولية ....

واذ تأتي هذه الدعوة اليوم، فبلا شك ان وراءها الكثير من المرامي والأبعاد، التي تصب في النهاية في مسارات السياسة الأمريكية ودبلوماسيتها المتخبطة، جراء تخبط قواتها العسكرية على الأرض في العراق... الأمر الذي أنتج سياسة أمريكية متخبطة من الطراز الأول ..

فهي من جهة تحاول جاهدة ان تطلق فعلها السياسي الدبلوماسي خدمة لأهدافها في المنطقة عموما، ومن جهة اخرى تعاني سياستها من عقبات كإنعكاس لتخبط آليتها العسكرية في العراق وعدم مقدرتها على تحقيق اهداف الغزوة الأطلسية التي قادتها جيوشها على العراق وافغانستان في السنوات الأخيرة، الأمر الذي استدعى ويستدعي نشاطا محموما للفعل الدبلوماسي في محاولة لإختراق ما عجزت عن تحقيقة حتى الآن قواتها المسلحة واساطيلها المرابطة في المنطقة، وعجز ربيبتها وحليفتها (اسرائيل) في تحقيق نوع من الإختراق العسكري لصالح المعسكر الأطلسي الأمريكي واجنداته السياسية الإقليمية المترابطة والأهداف الدولية ككل، على اعتبار ان المنطقة (الشرق اوسطية) هي البوابة الفعلية لنفاذ ما يمكننا ان نسمية بالسيطرة السياسية على مفاعل وتفاعلات التأثيرات الدولية للفعل السياسي الأممي..... ولا يمكن فهم دعوة بوش (للمؤتمر الدولي للسلام) الا في هذا السياق.. ولعل هذا مفهوم وواضح المرامي والمعاني..

ولعل عقد هكذا مؤتمر ستحاول من خلاله إدارة بوش الإثبات انها مازلت ممسكة بقواعد اللعبة السياسية في المنطقة وكونها اللاعب الأساسي فيها، وان واشنطن ما زالت تملك مفاتيح الحلول وقرارات السلم والحرب اقليميا ودوليا (وهذه حقيقة لابد من الاعتراف بها) بعد ان تم تقويض سياساتها وإستعداء الشعوب لها ولفعلها في المنطقة وعدم مقدرتها ومقدرة حلفائها من تسويق ما يسمى برؤيتها السلامية او حتى نهجها المتمثل بمحاربة الإرهاب وتعزيز ونشر المفاهيم الديمقراطية، حيث إنكشاف زيف الديمقراطية الأمريكية حينما تأتيها بالنتائج المغايرة والمتناقضة ومصالحها...

ومما لاشك فيه ان رؤى الرئيس الأمريكي التي يطلقها بالمواسم لا تغدو كونها فقاعات صابون او بالونات اختبار وفي احسن الأحوال تكون جسورا لعبور مخطط سياسي أمريكي إسرائيلي نحو المنطقة... حيث غالبا ما تكون بوابات العبور عبر القضية الفلسطينية ومفرداتها للنفاذ الى الساحة الإقليمية...

وفي هذا السياق لابد من التذكير برؤية بوش لأطروحته المبادرتية حينما اعلن ان رؤيته للسلام في المنطقة تتمثل بضرورة قيام دولة فلسطينية.. حيث ظلت محل استهلاك اعلاني اعلامي امريكي لفترة طويلة من الوقت وكان اللعب السياسي (اذا ما جاز التعبير) يتمحور حول تواريخ قيام هكذا دولة، وفي كل مرة وعند الإستحقاق التاريخي المعلن من قبل ادارة بوش نجد الكثير من التبريرات التي تسوقها لخلق تواريخ وحتى اشتراطات جديدة لنشوء وقيام الدولة الفلسطينية، ومع كل تجديد للتاريخ الموعود او فرض شروط جديدة نجد الإستغلال الأمريكى يتجلى بالمنطقة، حيث تجتهد سياسة الإبتزاز بحق دول المنطقة على قاعدة ان ثمة دولة فلسطينية موعودة وفقا للرؤية الأمريكية...

وهكذا تتوالي الأساليب الأمريكية في المضي قدما بسياساتها القائمة على اساس حدمة المصالح العليا للدولة العبرية وتحقيق ما يمكن ان تعجز عنه تل ابيب ذاتها .... وما الدعوة لمؤتمر السلام الا جزء من فبركة الدعاية الأمريكية لسياسة البيت الأبيض اتجاه المنطقة، وهو مؤتمر حافل ومزروع بحقول الألغام وسيدور في نفق مسدود. فالرئيس الأمريكي دعا لضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة إلى إسرائيل، واستبعد البحث بقضايا القدس واللاجئين، واستبعد أطرافاً بارزة لها أراضٍ محتلة.

كما ان هذا المؤتمر يفتقر إلى أية آليات عملية لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وهو لن لن يقدم أفقاً سياسياً لحل شامل، حيث انه لا ينعقد على اساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. التي جاءت وتأتي لتخفض السقف السياسي العربي الرسمي ذاته... وبرغم ذلك فهذه المباردة لا تلقى الأذان الصاغية من الجانب الإسرائيلي والأمريكي... وبذلك فتلك المبادرة المسماه عربية ووفقا للسياسة الأمريكية لا تصلح لأن تشكل قاعدة انطلاقية للحل...

وعلى ضوء هذا التحليل اعتقد ان مؤتمر بوش انما يهدف الى امكانية فتح النقاش والحوار للقضية الفلسطينية ما بين الجانب الفلسطيني الرسمي الضعيف بالظرف الراهن والإسرائيلي الأكثر ضعفا جراء تداعيات حرب تموز بالعام الماضي على لبنان... من دون استنادات قاعدية تصلح لأن تشكل قاعدة علمية وعملية لإطلاق المفاوضات الفعلية، وبذات الوقت دون تحديد اهداف هذه الحوارات واللقاءات في اطار المؤتمر ودون اي شكل من اشكال الإلتزام وحتى آليات إلزام للأطراف المتنازعة، ومن هنا فالمؤتمر فاقد لفحواه ولمحتواه منذ الآن... كما انه يجيء للإلتفاف على المبادرة الفرنسية ـ الإيطالية ـ الإسبانية لعقد مؤتمر دولي للسلام، تشارك فيه جميع أطراف الصراع والكتل الدولية الكبرى والأمم المتحدة.

ان عقد (مؤتمر بوش للسلام) انما يهدف الى محاولة تعزيز الرؤية الأمريكية للمنطقة من خلال تعزيز سياسات المحاور وتقسيم الدول العربية ما بين معتدلة واخرى متطرفة، وتدعيم مواقف الرباعية الرباعية المعتدلة والتي قد تصبح خماسية أو سداسية ايضا في وجه ما يسمى بقوى الممانعة والرفض العربية، مع العلم ان الكل العربي الرسمي قد وافق على أطروحة السلام مقابل التطبيع، وقد وافق على مد جسور الحوار والنقاش مع الجانب الإسرائيلي تحت شعار تفعيل المبادرة العربية وتم تشكل لجنة عربية رسمية لهذا الغرض، وبالتالي يكون التطبيع العربي الرسمي الاسرائيلي قد بدأ بالشكل الفعلي وفي ظل الرفض الاسرائيلي لكل الاطروحات العربية الا فيما يخص تطبيع العلاقات... وتل ابيب لا تريد بالظرف الراهن اكثر من تواصل للمفاوضات واللقاءات وتحقيق ما يمكن تحقيقه على هوامش اللقاءات تلك، والمتمثلة بخلق اجواء تطبيعية رسمية مع الأنظمة العربية على اعتبار ان اللجنة العربية المشكلة من قبل الأردن ومصر تمثل جامعة الدول العربية اولا وكافة الدول المنضوية في إطار القمة العربية الرسمية... وبالتالي فإن دعوة بوش لمؤتمره الدولي انما تأتي اولا لتعزز هذا المفهوم التطبيعي على قاعدة الحوار والنقاش والمفاوضات.... حيث ان الرباعية العربية المعتدلة ستكون حاضرة في هذا المؤتمر وهو ما تتوق اليه ادارة البيت الأبيض وبالتالي تل ابيب لخلق تواصل فعلي وعلني ومكشوف مع ما يسمى بالمحور العربي المعتدل.. بهدف خلق النواة الشرق اوسطية الجديدة مفصلة على المقاس الامريكي...

التعليقات