31/10/2010 - 11:02

ما الذي يجري بين السويد وإسرائيل؟../ ناصر السهلي*

ما الذي يجري بين السويد وإسرائيل؟../ ناصر السهلي*
صحيفة أفتون بلاديت ( جريدة المساء) نشرت تقريرا صحفيا استقصائيا قام به الصحفي السويدي دونالد بوستروم، ينقل شهادات بعض أهالي الفلسطينيين الذين قتلوا بنار الاحتلال.. في التقرير المذكور صورة لجثة الشاب أحمد وهي تظهر بشكل واضح بأنه تم تشريحها.. وخياطتها من تحت الذقن حتى أسفل البطن.. دونالد بوستروم كان يقوم بعمل صحفي خالص يتعلق بتحقيق حول تجارة وسرقة الأعضاء البشرية حول العالم.. لم يكتب تقريره " أبناؤنا سُرقت أعضائهم" لأنه "معاد للسامية".. فقد كتب عن تجارة الأعضاء البشرية من الهند حتى نيويورك..

الشبكة التي كشفت عنها الإف بي آي الأميركية للاتجار بالأعضاء البشرية يتزعمها يهودي أميركي يدعي ليفي يتسحاك روزنباوم من بروكلين، وروزينباوم جرى توقيفه في إطار حملة ضد هذه التجارة في السوق السوداء التي لا تختلف كثيرا عن حملة ضد من يتاجر بالأطفال وصورهم لأغراض إباحية.. فتلك من الأمور المقززة التي لا دخل فيها لدين أو ثقافة.. وبدل أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بالتحقيق بما أورده التقرير ذهبت نحو هجوم عنيف يتهم الصحفي بمعاداة "السامية" وأصبحت السويد " أنتي جويش" متناسين أن السويد هي التي آوت اليهود الذين كان يتم تهريبهم عبر البحر من أيدي النازية وبمساعدة دانمركية مؤرخة ولا تلاعب في هذه الشواهد التاريخية.. ولم يتوقف الأمر عند حدود طلب الاعتذار من حكومة السويد، التي رفضت التدخل بحرية الصحافة والتعبير، تماما مثلما فعلت هي والدانمرك مع الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد (ص)، بل امتد الأمر لفرض عقوبات مباشرة على حرية عمل الصحفيين السويديين في كل من الأراضي الفلسطينية والمناطق الإسرائيلية داخل الخط الأخضر..

لقد ذهبت الحكومة الإسرائيلية وإعلام إسرائيل في اتجاه تجييش المجتمع باتهام الآخرين بمعاداة اليهود.. وقد تساءلت صحف سويدية ودانمركية ونرويجية عن معنى الكراهية التي تحدث عنها نتنياهو وبيريس وباراك وليبرمان ( من اليمين المتطرف إلى اليمين) قائلين في التعقيبات المنشورة: من يحتل الآخرين ويقتلهم ويمارس العنصرية ويسجنهم وراء الجدران لا يحق له أن يتحدث عن "معاداة السامية" ولا عن الكراهية..

المدونات السويدية ذهبت بعيدا جدا في تحليل ما تريده إسرائيل من حملتها.. وقد لخصتها إحدى المدونات بعنوان: نتيناهو يبحث عن كبش فداء! وأخرى: لا تقتربوا من حقنا في التعبير عن الرأي باسم "معاداة السامية"..

قبل فترة كتبت شخصيا في موقع عرب 48 بأن الشباب الأوروبي بات يضيق ذرعا بمزاجية التعامل العنيف والإبعاد حين وصوله إلى المطار وحدود البلاد.. وأن هؤلاء يقدمون شكاوى لدولهم.. وها نحن نشاهد ونقرأ التعليقات العنيفة لهؤلاء على مطالب الاعتذار..

لقد قامت صحيفة " يومية السويد" بإجراء استطلاع رأي عن قصة الاعتذار فكانت النتيجة يوم 27 آب أن 64% يرفضون تقديم أي اعتذار.. ومثل هذه الصورة (المنشورة في أعلى المقال) التي يحملها متظاهرون في تل أبيب تنديدا بالسويد لن تجعل الأمر أسهل بالنسبة للحكومة الإسرائيلية في مجتمعات تقدس حرية الرأي والتعبير..فوضع العلم السويدي بالصليب عموديا ليس سهلا أبدا..

- إذن ما الذي يجري؟

في 24 آب اتضحت الصورة.. فالغضب الإسرائيلي على السويد والنرويج والدانمرك.. وربما عدد آخر من الدول الأوروبية لا مجال الآن لذكرها كلها.. هو غضب كامن، فكل انتقاد للسياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة من استيطان وإغلاقات واعتداءات وتضييق ورفض إنهاء الاحتلال كانت إسرائيل تسكت مصدره بتهمة " معاداة السامية" ومعاداة اليهود.. لكن، هذه التكتيكات تغيرت ولم تعد تجد نفعا مع تنوع مصادر الإطلاع والمعرفة.. بل حتى أن أعرق العوائل اليهودية في الدانمرك تنتقد الاتهامات الإسرائيلية للمجتمعات الإسكندنافية كلما صدر انتقاد ومطالبة بإنهاء الاحتلال..

تنشط في الأراضي الفلسطينية المحتلة وزارة التعاون والتنمية الدولية ووكالة دانيدا بتقديم منح لمشاريع في المجتمعات المحلية.. حفر آبار.. بناء مؤسسات .. نشاطات لها علاقة بحقوق الإنسان.. وأخرى بالتعاون مع السلطة الفلسطينية..

في ذات الوقت تنشط ما يوزايها من السويد "سيدا" في تقديم دعم لمشاريع إعلامية في عدد من الجامعات الفلسطينية وعلى رأسها جامعة بيرزيت ودمقرطة المجتمع وتقديم العون لتنمية القرى الفلسطينية.. وسيدا هذه تم اتهامها مؤخرا بمعاداة السامية!

في السويد هناك منظمة تُطلق على نفسها " مؤسسة الرقابة على عمل المنظمات غير الحكومية"، هذه المؤسسة أصدرت تقريرا في 29 حزيران الماضي تتهم فيها منظمات العون السويدية، بما فيها سيدا، بأنها تقدم العون "لجماعات تعمل على تدمير إسرائيل".. وهو ما قاله غيرالد ستاينبيرغ الذي يحاضر أيضا في جامعة بار إيلان لصحيفة " يومية السويد" متهما المنظمات غير الحكومية بأنها " خلال 20 سنة بدا أنها راديكالية.. متطرفة"..

ويقول هذا "البروفيسور": الدول الديمقراطية لا تتدخل بشؤون الدول الديمقراطية الأخرى!.. في إشارة إلى تقرير صحفي قامت به صحيفة تبحث في الاتجار غير الشرعي للأعضاء البشرية.. وتلميح بطلب السكوت عن ممارسات الحكومة الإسرائيلية "كدولة ديمقراطية" ( يطالب فيها وزير الخارجية بطرد العرب وإلقاء قنبلة نووية على غزة)..
حين طرحت الصحيفة المذكورة سؤالا على "هذا البروفيسور" حول الفرق بين السويد والدول الأوروبية الأخرى في مساعدة الشعب الفلسطيني؟

أجاب بكل بساطة: نعم، هناك فرق فالمنظمات السويدية أكثر راديكالية وهي تحاول تشويه السياسة الإسرائيلية.. بذات الوقت الذي تحصل فيه على أموال من الحكومة السويدية.. وحجم المساعدات المادية السويدية للفلسطينيين كبير..

أما أن هذا البروفيسور ليس بروفيسور أو أنه كما علق القراء عليه " صهيوني حتى النخاع ومتلاعب بالتاريخ"، فمن يمكن أن يقارن ما يحصل عليه الفلسطينيون من فتات المساعدات وما حصلت عليه إسرائيل من ألمانيا وأوروبا طيلة 60 عاما.. وما تحصل عليه سنويا من الولايات المتحدة.. فبناء مدرسة أو ناد رياضي أو حفر بئر ماء، ليس كما بناء مفاعل إنتاج السلاح النووي وتصدير الصناعات العسكرية بالأموال المقدمة من الغرب..

البروفيسور يرد على سؤال عن العلاقة بين ما نشر في أفتون بلاديت و الغضب الإسرائيلي قائلا: بالطبع المسألة متعلقة باعتراض يومي إسرائيل بدون عرض المواقف الأخلاقية لإسرائيل!

وقد رد مدير مؤسسة سيدا، رولف كارلمان، التي تدعم مشاريع في غزة والضفة على تقرير "مؤسسة الرقابة على عمل المنظمات غير الحكومية السويدية" معتبرا أن تلك المؤسسة الرقابية لا تملك شيئا من الحياد " إنها مؤسسة أحادية الموقف والتوجه، وليس لديها أي شيء لتقوله ولا نأخذ تقاريرها بشكل جدي". ورد رولف كل هذه الضجة الإسرائيلية بسبب مشاريعها في المناطق الفلسطينية التي باتت تثمر في مجتمع ديمقراطي مبني على مبادئ حقيقية للديمقراطية.. وقال رولف نحن ننتقد إسرائيل لخرقها للمواثيق الدولية ومعاهدة جنيف.. وهراء أن يُقال بأن موقف السويد معاد للسامية.. ومثل هذه المواقف تغلق الباب على أي حوار..

باختصار..
السياسة الإسرائيلية التي تعمل وفق عقلية نتنياهو وليبرمان وأذيالهما من الأحزاب والسياسيين لا تدرك بأن مقولة "العالم كله حديقتنا الخلفية" ما عادت بضاعة يمكن تسويقها لأحد..

العالم كله يرى في الاحتلال والاستيطان مشكلة وخرقا لحقوق الشعب الفلسطيني.. العالم كله يرى في الجدار الفاصل نظرة الجدار العنصري ويملك العالم تفاصيل دقيقة عن ممارسات إسرائيل.. وكلما أمعنت الحكومة الإسرائيلية على المضي قدما في سياسات استعداء الجميع كلما كان الثمن باهظا.. والمسألة لن تتوقف عند زوبعة جعل السويد التي حمت اليهود في أربعينات القرن الماضي "معادية للسامية".. فالدول الأخرى التي تعرف ما فعلته السويد لليهود، حتى اليهود أنفسهم في أوروبا، سيشعرون بخطر هذا التطرف الذي تمارسه حكومة إسرائيل التي تطلق النار على قدمها.. وتتهم العالم بمعاداة السامية!

التعليقات