31/10/2010 - 11:02

ماذا بعد إنسداد أفق التسوية وبعد التهدئة../ عوض عبد الفتاح

ماذا بعد إنسداد أفق التسوية وبعد التهدئة../ عوض عبد الفتاح
بدأت ساعة السؤال الكبير المطروح أمام فريق رئيس السلطة الفلسطينية، السيد محمود عباس، تقترب، وبالتالي أمام الحركة الوطنية الفلسطينية أي ماذا بعد؟ إذ أن هناك تطورين هامين يتفاعلان على الساحة، أحدهما يتعلق بقرب إخفاق مسار انابولس، والثاني التوصل إلى تفاهم مشترك بين الفصائل الفلسطينية بوساطة مصرية يقبل بالتهدئة في قطاع غزة مقابل رفع الحصار وفتح المعابر ووقف العدوان الإسرائيلي.

التطور الأول، يتمثل في فشل اللقاء الأخير بين الرئيس الأمريكي جورج بوش والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والذي عبر فيه عن خيبة أمله بصورة علنية. فقد تبين في هذا اللقاء ومن المسار التفاوضي الذي يقوده الثنائي أحمد قريع وتسيبي ليفني، تراجع بوش عن الوعود التي أعطاها لأبو مازن – أي من وعد بالحل النهائي إلى تفاهمات غير واضحة وليس التحول الإسرائيلي إلى الحديث عن المسار السوري إلا تحايلا على تعثر المسار التفاوضي مع فريق رام الله. وسوريا تدرك هذه المناورة الإسرائيلية.

وتدلّ الخارطة التي عرضت على قريع على عدم استعداد إسرائيل للتخلي عن أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية، واستمرار السيطرة على القدس الشرقية وعلى غور الأردن وعلى المعابر والإبقاء على الكتل الإستيطانية – هذا هو مضمون وشكل الدولة المؤقتة الذي تطرحه إسرائيل وحاميتها أمريكا على الشعب الفلسطيني.

هكذا مرت ستة شهور على مسارين؛ مسار تفاوضي يقوده فريق فلسطيني من رام الله، أخذ الدفع والتشجيع من كارثة الإنشقاق داخل الحركة الوطنية، ومسار يقوده فريق آخر من غزة وجد نفسه بعد عملية الحسم العسكري أمام نتائج لم يتوقعها وحسابات لم يحسبها.

ساحتان فلسطينيتان خاضت كل منهما تجربة خاصة ومنفردة، بتدخل وبدعم خارجي مباشر. أقطاب ساحة رام الله راهنوا على تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية عبر الوساطة الأمريكية المنحازة إلى إسرائيل وعلى إنهيار حركة حماس تحت الحصار والضربات العسكرية، وأقطاب ساحة غزة راهنوا على فشل مسار أنابولس وعودة أصحابه إلى البيت الفلسطيني.

في رام الله أخذت حكومة فياض الأمور بجدية كاملة وهي الحكومة المعينة أمريكياً، فراحت تعيد هيكلة الحكم والدوائر الرسمية والأجهزة الأمنية، هذه "الإصلاحات" التي رأى فيها الكثيرون من قادة فتح أنها مؤامرة أمريكية على حركة فتح تنفذ ببطء وبصورة منهجية بأيدي فلسطينية. والغريب أن أصوات شرفاء فتح وهم كثر لا ترتفع عالياً.

وعلى ما يبدو يعود غياب الصوت الرافض العلني من داخل حركة فتح ضد هذه الإجراءات وهذا المسار التخريبي إلى الأوضاع الصعبة التي تمرّ بها الحركة وتداخل المواقع في الحكم. هناك من ينتظر أن يقوم مؤتمر الحركة المزمع عقده في شهر آب بالتوقف أمام وضع "فتح" ودورها وبحث السؤال الكبير، أي ما العمل؟

أما في قطاع غزة فحكومة حماس لم تنهر رغم الظروف الإنسانية القاسية الناجمة عن الحصار، ولكنها أيضاً تعيش في مأزق كبير ولا يقل عن مأزق السلطة في رام الله، وإن كانت تفاصيله ومضامينه مختلفة. ولكن يمكن القول إن حماس عبر قبولها التهدئة والتوصل إلى تفاهم مع جميع الفصائل الوطنية وبقبول مصري يسحب ورقة أخرى من فريق رام الله بالإضافة إلى السقوط الوشيك لورقة أنابولس. وهذه التهدئة سواء قبلتها إسرائيل أم لم تقبلها، يمكن القول أن حماس أحدثت ثغرة في جدار الحصار (العربي الرسمي) وزال عنها جزء من أعبائها.

ولكن العبء الأكبر، والتحدي الأعظم أمام طرفي الإنقسام وبالتالي أمام عموم الحركة الوطنية الفلسطينية، هو أي طريق تختار، وأي برنامج سياسي تتبنى، بعد هذه المتغيرات. لقد دفع الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة ثمناً باهظاً، بالأرواح والمعدات جراء المراهنة على مؤتمر أنابولس، ولحقت تشوهات كبيرة في صورته جراء الإنقسام وبالتالي لحق ضرراً يحتاج إلى زمن طويل لإصلاحه. كما أن حماس لا تستطيع أن تتنصل من مسؤوليتها ولا يعفيها كونها ضحية حصار وقوة مقاومة من مراجعة حقيقية. إن الإحتلال لن يرحل بدون مقاومة، ولكن المقاومة تحتاج إلى ترشيد وإلى إستراتيجية موحدة تساند البرنامج السياسي القادر على توحيد الشعب الفلسطيني وتحشيد الحلفاء والأصدقاء في العالم.

لقد اقتربت ساعة المواجهة مع السؤال الكبير بعد كل هذا العبث التفاوضي والإنقسامات الداخلية، والمراهنة على القطب الأمريكي المعادي. شعار الدولتين أصبح يبدو غير واقعي، والإبقاء على الواقع الفلسطيني هو أمر غير معقول. إذن ألم يحن الوقت لإعادة النظر بمجمل هذه الحالة، وفتح آفاق أرحب – نحو حل الدولة الواحدة يشارك فيه كل صانعي القرار الفلسطيني – على المستوى الرسمي والشعبي. وما يترتب على ذلك من مهام إعادة هيكلة آليات الكفاح والعمل.

ويمكن القول أن حركة فتح رغم وهنها الكبير لا تزال تملك من الأوراق ما يؤهلها للنهوض مجدداً خاصة إذا ما أسقطت شروطها للحوار مع حماس ووقفت بجرأة أمام تجربتها الماضية ووضعها الراهن، وبدأت هي وجميع فصائل العمل الوطني في الساحة الفلسطينية بإعادة الإعتبار للبعد العربي كمخزون إستراتيجي لقضية فلسطين – قضية العرب المركزية.


التعليقات