31/10/2010 - 11:02

ماذا نتوخّى من الشباب وماذا يتوقعون منا؟!../ عوض عبد الفتاح

ماذا نتوخّى من الشباب وماذا يتوقعون منا؟!../ عوض عبد الفتاح
قد يقول الكثيرون إن عقد مؤتمر وطني شبابي لحزب سياسي مدني – يتبنى الفكرة القومية كطريق لتنظيم وتحديث المجتمع ليس حدثاً خاصاً. وهو قول صحيح من زاوية منظار الذين ينتظرون القرارات المصيرية من كل مؤتمر أو الذين لا يولون الأهمية لمحورية الشباب في المجتمع، أو من زاوية الذين يتعاملون مع السياسة كفن لتدبير الممكن أو تحقيق أهداف عينية محدودة، وليس كمشروع مجتمعي ثقافي سياسي ينتشل الجماعة القومية من حالتها الراهنة.

إن خاصية الظروف التاريخية والسياسية والثقافية التي يعيشها الشباب العربي في وطنهم فلسطين، وبالتحديد داخل حدود 48 لإسرائيل، تقتضي أن يكون عقد مؤتمر شبابي رسمي خطوة هامة. خاصة إذا كان الحديث عن منظمة شبابية لتيار قومي عربي نقش على رايته وحدة العرب والحداثة والنهضة، والحفاظ على هويته الوطنية والقومية في مواجهة مشروع التهويد والأسرلة.

فالشباب العربي الفلسطيني في الداخل، لا يتعرض فقط للنزعة الإستهلاكية الأمريكية ويتأثر بها مثل كل الشباب في جميع الوطن العربي وفي العالم الثالث، بل يتعرض إضافة إلى ذلك إلى محاولات ومخططات مستمرة ومنهجية يتم تجديدها باستمرار بهدف إقتلاع بذور الوعي الوطني لدى الأجيال الشابة ومنع تحول هذا الوعي الى قوة سياسية منظمة وفاعلة تتصدى للمشروع الصهيوني العنصري.

وبإيجاز، فإن التحديات الماثلة أمام الشباب الفلسطيني داخل الخط الأخضر كثيرة وكبيرة: الأسرلة أي التشوه القومي، النزعة الإستهلاكية القادمة من النموذج الأمريكي والغربي، العقلية العشائرية، التعصب الطائفي. واتساع مدّ التديّن الأيدلوجي بدل التديّن الشعبي المتسامح. هذا الوضع قائم في ظل غياب دولة وطنية أو دولة ديمقراطية تحترم الحقوق الجماعية للشعوب أو الأقليات، وفي ظل احتلال كولونيالي إجرامي. معنى ذلك أن شبابنا ليس لديهم مرجعية وطنية أو أخلاقية سوى أحزابهم الوطنية وما تبقى من قيم وطنية واجتماعية نبيلة في البنية الإجتماعية التقليدية.

وبطبيعة الحال فإن الأسرة أو العائلة رغم مركزيتها في الحياة الإجتماعية لا تحلّ محل المرجعية القومية الجامعة المتمثلة إما في قوة عربية تمثيلية منتخبة أو في حزب قومي جامع لا يفرق بين المواطنين حسب أديانهم، بل يخاطبهم باعتبارهم عرباً تجمعهم العروبة والثقافة والتاريخ والمصير المشترك.

إذاً تخيّلوا ضخامة العبء الملقى على مجتمعنا وعلى الحركة الوطنية في التعامل مع الأجيال الفلسطينية الشابة في الداخل والجليل والمثلث والنقب. هذه الأجيال التي تتقاذفها المؤثرات الكثيرة التي سبق ذكرها.

طبعاً لا بد أن يُضاف إلى هذه المؤثرات انتهازية ودوغماتية بعض الأحزاب التي تتعامل مع الشباب كمخزون انتخابي أو كوسيلة لاستمرارية الحزب لعدم الإنقراض وليس كقوة نهوض واستمرار المجتمع. أو بعض قيادات الإسلام السياسي التي تعتمد الدوغمائية (النظرة الأحادية) الأيدلوجية وتعادي الفكرة القومية والقوميين بصورة مرضية. لا شك أن المنظمة الشبابية الوطنية والديمقراطية تقوي الحزب السياسي وبالتالي تقوي المجتمع، وهذا ضروري، ولكن ليس كهدف بحد ذاته بل لتحقيق الأهداف الوطنية والإجتماعية الكبرى. وبهدف خدمة الشباب أنفسهم الآن وفي المستقبل. فهم نصف الحاضر وكل المستقبل.

إن الشباب عصب المجتمع، وهم رمز للنشاط، ومرحلة الشباب هي أكثر مراحل الحياة حيوية؛ فيها الجرأة والإقدام والفكر المتجدد وروح المبادرة والإبتكار. ولذلك يحتاج الشباب إلى الرعاية والتوجيه حتى تستثمر هذه الصفات في الإتجاه الصحيح؛ بناء الشخصية الإيجابية، والمفكرة، والناقدة وعدم التأثر السريع بأي فكرة أو موضة أو صرعة تهدد الشخصية وتفرغها من محتواها الإنساني والأخلاقي. كما يحتاج الشباب إلى من يربطهم أو يعيد ربطهم بتراثهم وبتاريخهم وحضارتهم العربية الإسلامية باعتبارها مكوناً أساسياً من مكونات شخصيتهم القومية والإنسانية.

ما السبيل إلى تحقيق ذلك

إذن التحديات كبيرة ومعقدة. وبالتالي تحتاج إلى فهم عميق ورؤية شاملة لمركبات واقعنا واستنباط الوسائل والأفكار وإيجاد الإمكانيات لجعل الجيل الشاب قوة محركة للمشروع الوطني. الدولة العبرية تسابق الزمن وتخصص الإمكانيات الكبيرة مؤخراً لخطف شبابنا، أبنائنا، وبناتنا إلى مهاوي الضياع (الخدمة الوطنية الإسرائيلية) بكافة أشكالها. وهي تسعى إلى ذلك بعد أن رأت أن مشروع التدجين والأسرلة لم يحقق إلا القليل، ولم يطل غالبية شعبنا وخاصة الأجيال الشابة. وبعد أن رأت أجهزتها الأمنية رسوخ وصعود الحركة الوطنية بمفهومها الشامل الذي يشكل التجمع الوطني الديمقراطي عمودها الفقري – تنظيماً وفكراً ورؤية. وهذا الإخفاق الجزئي لا يعني أن الخطر زال. بل أنه ما زال ماثلاً ونرى آثاره السلبية في الحقل وفي السلوكيات غير الوطنية وغير الأخلاقية.

أشكال مقاومة المؤثرات والمخططات

هناك أشكال مختلفة لمقاومة هذه المؤثرات والمخططات، سواء القادمة من الخارج (سلبيات العولمة) أو الصادرة عن الدولة العبرية وأجهزتها السياسية والتعليمية الأمنية. وتتخذ هذه المقاومة إما شكل التدين، في شكله المتعصب أو بشكله المنفتح، أو بدافع الروح الوطنية والأخلاقية، وتأخذ هذه المقاومة أحياناً شكل التعصب والإنغلاق أيدلوجياً أو اجتماعياً أو قومياً. إن التعصب الأعمى هو الوجه الآخر للإنهراق – فكلاهما يتسم باللاعقلانية.

قد يحقق التعصب الأيدلوجي، سواء كان دينياً أو علمانياً، هدفه الآني في صدّ الخطر الخارجي ولكنه سينعكس سلباً إما حالياً أو لاحقاً على العلاقة بين أفراد المجموعة القومية المستهدفة فتتشوه الشخصية الفردية والجماعية وبالتالي تؤدي إلى إعاقة النهضة – التي من ضروراتها أو مستلزماتها: العقلانية، الإنفتاح، حرية الفكر والعقيدة، التسامح مع الرأي الآخر. وهذا كله لا يُستكمل إلا في وعاء المجموعة القومية الواعية لذاتها والمنظمة على هذا الأساس. ولا ننسى أن هذه المستلزمات هي نفسها المطلوبة لتهيئة الذات لمواجهة الخارج.

التجمع والشباب

لقد أدرك التجمع الوطني الديمقراطي منذ نشوئه أن أنماط التنشئة الإجتماعية والسياسية والحزبية التي كانت معتمدة في الأحزاب والمؤسسات في السابق لم تعد ملائمة لمخاطبة الأجيال الشابة بنجاح في ظل التغيرات العاصفة التي طالت المجتمعات الإنسانية. لقد إتسمت تلك الأنماط بالدوغمائية والتلقين (غالباً لدى الأحزاب الشيوعية والماركسية والقومية التقليدية والدينية).

ولذلك باشرت قياداته في السنوات الأولى من مشروع إعادة بناء الحركة الوطنية وتيارها القومي إلى التفكير معمقاً في هذه المتغيرات وانعكاسها على الشباب. ولم يكن لديها وهم بأن مجرّد الإلمام وفهم هذه المتغيرات ووضع الخطط المشتقة من هذا الفهم أن الشباب سينخرطون في الحركة الوطنية زرافات أو بجموعهم الغفيرة. إن غالبية الأجيال الشابة لم تحظ لسنوات طويلة باهتمام خاص ووطني وعصري من الأحزاب والهيئات العربية. وهي فترة أزمة الأحزاب السياسية التي وصلت أوجها في أواسط التسعينيات. ولكن يتبيّن الآن أن الجهد الكبير الذي بذل في السنوات الماضية من عمر التجمع، رغم تواضع الإمكانيات المادية واللوجستية، بدأ يعطي ثماره. فقد أصبح لدينا حركة شبابية أكثر تنظيماً، أكثر وعياً وبرزت قيادات شبابية واعدة، وتدل بعض الإستطلاعات التي أجرتها مؤسسات بحثية، أن التأييد بين الشباب لحزب التجمع هو الأعلى من بين الأحزاب العربية التي تخوض انتخابات الكنيست.

رعاية الشباب تهدف إلى إنهاض المجتمع

إن تنظيم وبناء اتحاد الشباب الوطني الديمقراطي هدفه المرحلي تقوية الحركة الوطنية كحزب وتجذيرها في الشارع. أما هدفه الإستراتيجي فهو إحداث تغيير حقيقي في مبنى ومفاهيم المجتمع الفلسطيني، من خلال بناء إنسان عصري وحديث في تفكيره وسلوكه، ويعي ذاته كفرد ينتمي الى جماعة أي يحافظ على هويته القومية ويمارسها. ويتمتع بروح المبادرة والعطاء وروح المسؤولية الحقيقية تجاه حزبه وتجاه مجتمعه وشعبه. ويصبح مؤهلاً لخوض معركة بقائه في وطنه، والتصدي الناجح لمخططات المؤسسة الإسرائيلية العنصرية.

كيف ننجح في ذلك كحزب يعمل في ظروف المواطنة الإسرائيلية وفي ظروف التغيرات والتشوهات الإجتماعية وشيوع النزعة الإستهلاكية والرأسمالية المتوحشة التي تجتاح العالم وليس مجتمعنا فقط؟ كيف نبني هذا الجيل وبأية وسائل وبأية آليات. وفي ظل غياب دولة أو غياب مرجعية قومية جامعة ومنظمة؟

لا يمكن وضع الوسائل والآليات بمعزل عن فهمنا للواقع الجديد ومتطلبات مواجهته والتعاطي معه. حتى نحن، المسؤولون الحزبيون نلمس ذلك في بيوتنا وليس فقط في الشارع. إذاً المسألة معقدة وتحتاج الى إعمال الفكر بقدر ما نحتاج الى جهد عملي وجدية في الممارسة والى قناعة قوية بالرسالة.

هذا التغيّر يتطلب اتباع أساليب حديثة وجديدة في التربية السياسية والحزبية وبالتالي يتطلب اصحاب مهارات مكتسبة يقومون بهذه المهمة. علينا أن نوفق بين الأساليب الحديثة التي تقتضي الإنفتاح والنقاش الحرّ والتجاوب مع رغبات وميول الشباب الشرعية (الترفيه/ الفن/ الرياضة) من جهة، ومع متطلبات تنمية العصبية الحزبية والتعصب للهوية الوطنية وللقيم الأخلاقية ولقيم التنور والديمقراطية من جهة آخرى.

وبطبيعة الحال مهما قيل عن أهمية الإنفتاح على الشباب وميولهم، فإنه لا بديل عن العصبية حتى لو ظهر ذلك وكأنه مناقض للتربية الحديثة. نحن نريد أن نبني حزباً وأن نبني حركة وطنية، ولا يمكن بناء حزب وحركة وطنية ولا الوصول الى الأهداف المرحلية والإستراتيجية بدون عصبية. وكما قال المفكر العربي العلامة ابن خلدون قبل 600 عام، "لا يمكن حمل الكافة على امر الا بالعصبية" قد لا نستطيع تنمية العصبية (بمفهومها الإيجابي، أي الحماسة) في أعداد كبيرة جداً من الشباب ولكن نحتاج الى نواة صلبة ليست ضيقة بل واسعة نسبياً متعصبة للحركة الوطنية ولأهدافه ومستعدة أن تضحي من وقتها وجهدها. ولكن السؤال الذي لا زال يطرح في الحزب، هل لدى أعضائنا العصبية الكافية للحزب. الحقيقة أنها لم تصبح بعد ظاهرة راسخة وعامة في الحزب. وهنا يجب الإنتباه الى أهمية العلاقة الجدلية بين تطور الحياة الحزبية في الفروع (على الأقل قيادات الفروع - لجان الفروع) وبين النجاح في بناء فروع شبيبة قوية. فإذا غاب النموذج الحزبي المطلوب كيف يمكن ان نُعمّم ذلك على الشبيبة ونكون قدوة لهم.

التذكير بعناصر مشروعنا الثقافي الوطني

لم تنهض الحركة الوطنية الفلسطينية ببعدها الوطني والقومي والديمقراطي مجدداً لإيصال بعض قياداتها إلى الكنيست. بل من أجل أن يكون هذا المنبر إحدى القنوات لمخاطبة الناس وحشدها ضد العنصرية والإضطهاد القومي وتعرية جوهر الدولة اليهودية.

إن الحركة الوطنية، أو التيار القومي وضع له مشروعا يقوم على عدة أركان أساسية تشمل ما يفتقره الكثير من القوى والحركات السياسية الأخرى الدينية والعلمانية.

يتمثل الركن الأول في بلورة شخصيتنا الثقافية الحضارية كعرب مقابل مخططات التجزئة الطائفية والعشائرية والقطرية. وأن العضوية فيه ليست مقتصرة على طائفة أو دين أو مجموعة إثنية واحدة بل على عموم أبناء العروبة.

الركن الثاني، يتمثل بتبني الديمقراطية والتعددية والعدالة الإجتماعية والمساواة بين أفراد المجتمع، وتبني قيم النهضة والتنور وحرية العقل.

الركن الثالث، تبني النضال من أجل حق تقرير المصير للأقلية القومية الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب وربط هذا النضال استراتيجياً بإقامة العدالة لعموم شعب فلسطين، أي بأفق حل الدولة الواحدة.

ماذا تعني هذه الأركان الثلاثة؟ تعني أن برنامج التيار القومي بحلته الحديثة، يشمل عنصر العروبة (اللغة والثقافة والتاريخ) أي الوحدة القومية كبديل عن العائلية والطائفية ويشمل قيم التنور والعقل المفتوح، والنضال ضد الإحتلال والعنصرية.

إن قيادة التيار القومي مطالبة بالتعامل بجدية مع موضوع بناء وتحصين الشباب العربي على هذه المبادئ والقيم. إضافة إلى قيم العطاء والتضحية والصدق والأمانة، كنقيض للإنتهازية والفهلوية ونزعة التشبث بالمقاعد. يجب أن تكون القيادات نموذجا حقيقيا للشباب، في السلوك والعمل والمثابرة والترفع عن الذاتية المدمّرة. ويجب أن نمكن الشباب من أن يميزوا بين من يتشبث بمقعده ووراءه حاشية ويفتش عشية كل دورة انتخابية عن حليف ويدمن على المشهدية الإعلامية، وبين من يخوض الكنيست مكرهاً لخدمة شعبه ويحمل القناعة بتركها إذا ما اقتضت الظروف الحزبية أو السياسية العامة.

فوبيا السياسة

إن الشباب ليسوا مجرد خزان انتخابي، أو جيش احتياطي يتم استقدامه إلى القاعات أو الساحات لمجرد الإستعراض كما يحصل في العديد من الأماكن، وليسوا مجرد كلمة يتم تدبيجها في الخطابات التي تتبجح باهتمامها بالشباب وقضاياه.

إن الظروف القاسية والتحديات التي يمر فيها شعبنا، والشباب العربي الفلسطيني بشكل خاص تتطلب من الحركة الوطنية الإهتمام بالوعي وبناء الإنسان وأن يكون اهتمام هذه الحركة وقياداتها منهجياً ويومياً بهذه الفئة العمرية؛ عبر تنظيمها، وتشجيعها على المشاركة في النشاط السياسي والإجتماعي والثقافي، وعلى القراءة، وعلى المشاركة في النضال اليومي.

علينا محاربة فوبيا السياسة أي الخوف من السياسة، الناتج عن ضغط العائلة على أبنائهم وبناتهم للإبتعاد عنها أو نتيجة الخوف من السلطات.

يجب التوضيح أن السياسة هي الإهتمام بالشأن العام، هي المشاركة في عملية التأثير على حياة الشخص نفسه، وأنه بدون المشاركة أو إبداء الرأي، في كل ما يتعلق بمصير الجماعة التي يعتبر الفرد عضواً فيها، يلحق ضرراً بنفسه وبمجتمعه ويُسهّل على الأعداء مواصلة اعتداءاتهم.

التعليقات