31/10/2010 - 11:02

ماذا يعني التضامن مع سوريا؟! / عوض عبد الفتاح

ماذا يعني التضامن مع سوريا؟! / عوض عبد الفتاح
لا يستطيع المرء عدم ملاحظة أن الموضوع السوري يحظى بقسط كبير من اهتمام المواطنين العرب في الداخل وحركتهم الوطنية. ولم يمنع هذا الاهتمام ضغوط الحياة اليومية ولا الانشغال بالانتخابات البرلمانية، ولا الملاحظات النقدية، الشديدة في بعضها، على النظام في سوريا.


لقد تراجعت هذه الملاحظات، بل غابت في نقاش معظم المواطنين العرب والقوى السياسية ونخبهم لحساب القلق على مصير سوريا، مع تكشف المزيد من خيوط المؤامرة التي تنسجها زمرة البيت الابيض وعملاؤها في المنطقة على رأسهم اسرائيل وبعض العرب ضد سوريا والمنطقة العربية.

ففي الضمير القومي، بما فيه ضمير هذا الجزء من شعبنا داخل الخط الأخضر سوريا هي مهد القومية العربية والمقاومة للمشاريع الاستعمارية الغربية، اما حاضراً فهي احدى القوى الممانعة القليلة جداً المتبقية في وجه مشروع تفكيك المنطقة العربية وتحطيم هويتها الحضارية ورسم مصيرها بما يتفق مع اهداف هذا المشروع العدواني.

وبحسه القومي الفطري، حوّل مجدداً المواطن العربي نقده للنظام في سوريا (بخصوص غياب الديمقراطية ومواقف سياسية معينة) الى موقف مشحون بالغضب والرفض للمشروع الامريكي ضد الأمة العربية بل اصبح اكثر شوقاً لأن تنجح سوريا في مشروعها الاصلاحي ولأن يأخذ وتيرة اسرع مما هو قائم الان. إذ أن اجندة المواطن العربي سواء في فلسطين او في العالم العربي مختلفة عن أجندة زمرة البيت الابيض في اهدافها ومنطلقاتها. بل حتى العديد من رموز المعارضة الوطنية في سوريا، عدّلت لهجتها وان لم تتخل عن طموحاتها في الاصلاح والديمقراطية والتنمية واتخذت موقفاً متوازناً لأنها ادركت ان الخيار ليس بين "الاستبداد والحرية" بل بين "الاستبداد والاحتلال" وتفكيك المجتمع وانتهاك سيادته كما يحصل اليوم في العراق، عبر الغزو العسكري المباشر، أو كما هو حاصل مع معظم الاقطار العربية، عبر الهيمنة السياسية والاقتصادية وعبر ربط النخب الحاكمة المتربعة على الحكم منذ عقود، بعجلة المشروع الامريكي الرأسمالي التوسعي.

لقد أصبح واضحاً بالنسبة للمواطن العربي، حتى لو انتابته شكوك حول دور لاجهزة امنية لبنانية او لمسؤولين سوريين صغار، في جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري، أن المسألة تجاوزت في ضخامتها موضوع الاغتيال. فقد رأينا كيف سهلت امريكا دخول صدام للكويت لتقوم بتدمير العراق والسيطرة على نفطه. ومما لا شك فيه انه لولا المقاومة التي لاقت وتلاقيها القوات الامريكية في العراق لما تأخرت مسألة البت في تنفيذ المشروع الامبريالي الامريكي ضد سوريا حتى الان. وكان خطاب الرئيس السوري المفاجئ في مضمونه وتوجهه ونبرته بمثابة تأكيد لخطورة المخطط الذي تتعرض له سوريا، وعكس هذا الخطاب الاستعداد غير المتردد لمقاومته. ولم يردع متخذي القرار في دمشق العزلة التي تمكنت امريكا من فرضها على سوريا عبر التعاون مع انظمة عربية وصلت بها المهانة الى مستوى لم تشهدها امتنا العربية في التاريخ. وهذا يؤكد قدرة الانسان العربي لأن يصمد ويتحدى في وجه اقوى قوة عسكرية على الارض، فيما لو توفر الحدّ الأدنى من احترام الذات والارادة والحكمة السياسية. وهذه المعادلة نراها، في المقاومة الحقيقية في العراق (وليس ارهاب الزرقاوي) وفي المقاومة اللبنانية (حزب الله) وايضا في دول عالم ثالث اخرى، مثل فنزويلا، ممثلة في رئيسها هوجو شافيز في مقدمة المناوئين في امريكا الجنوبية للمشروع الامبريالي الامريكي المتجدد.

ماذا يعني التضامن مع سوريا بالنسبة للمواطنين العرب البعيدين عن التأثير على مسار المشروع الامريكي - الصهيوني ضد هذا البلد العربي وضد المنطقة العربية ككل؟
اعتقد اولاً ان ذلك، رسالة إلى القوى الوطنية والقومية في العالم العربي الساعية الى التحرر من الهيمنة الاجنبية والاستبداد الداخلي، بأن هناك حاجة الى تصعيد حملات التضامن والمساندة لموقف سوريا وللمقاومة الوطنية ولبنان وكل مقاومة عربية والتصدي بحزم لمهمة فضح حقيقة المشروع الاميركي - الصهيوني وتحريض الشارع ضد المسؤولين العرب المتواطئين معه.

فنحن المواطنون العرب داخل الخط الأخضر، المحاصرون والمعزولون عن الامة العربية، والمعرضّون لمخططات النهب لمواردنا والطمس لهويتنا نستطيع ان نقوم بالحد الادنى من الواجب.

الامر الثاني - إن التضامن مع اي بلد عربي يتعرض لعدوان هو جزء من ممارسة هويتنا الثقافية وانتمائنا العربي القومي، ناهيك عن الواجب الاخلاقي الانساني. ان ذلك يصبّ في عملية النضال التي تخوضها الحركة الوطنية في الداخل ضد المشروع الصهيوني في عزلنا عن هويتنا القومية وانتمائنا الحضاري العربي وعن واجبنا السياسي. كما ان هذه المنطقة لن تشهد الاستقرار والسلام ما دامت اراض فلسطينية وعربية محتلة، وما زالت مشاريع الهيمنة والتوسع على حساب العربي قائمة ومستمرة.

نحن جزء من ضحية هذه المشاريع وندفع كل يوم ثمناً لبقائنا في هذا الوطن ولموقعنا الوطني والقومي والديمقراطي. إن تفاعلنا مع نضال الشعوب العربية من أجل التحرر والحرية والتنمية والديمقراطية هو بمثابة تعزيز لهويتنا القومية ولوجهنا الحضاري.

التعليقات