31/10/2010 - 11:02

ماذا يعني المجتمع المدني عند العرب؟../ هشام الدجاني*

ماذا يعني المجتمع المدني عند العرب؟../ هشام الدجاني*
راج مصطلح المجتمع المدني في أدبياتنا العربية في وقت متأخر. ولعل هذا القدوم المتأخر أوجد الالتباس والاضطراب اللذين رافقا ظهوره. وربما كان مرد ذلك إلى طبيعة الفكر العربي في تعامله مع المفاهيم، ليس وفق سياقها الطبيعي، بل ضمن رغبته الخاصة، مما حوّل المفهوم الى صراع سياسي بين مختلف التيارات التي رغبت في تبنيه، وبين الدولة الشمولية.

يعتبر الفكر الليبرالي أن المجتمع المدني بمثابة وسيط بين المجتمع بفئاته وشرائحه المختلفة وبين الدولة ومراقبتها. وهذا يعني، خلافاً لما هو سائد، أن المجتمع المدني لا يقتصر، كما يقول المفكر الفلسطيني عزمي بشارة، على الأحزاب أو الهيئات السياسية، بل يتسع ليشمل المؤسسات الإنتاجية والدينية والتعليمية والاتحادات المهنية والنقابات والنوادي الثقافية والاجتماعية.

تستطيع الدولة ذات المؤسسات الديموقراطية أن ترعى التوازن بين دورها كدولة ودور المجتمع ممثلاً في جمعياته. أين ينشأ التناقض إذن؟ إنه ينشأ مع الدولة الشمولية ذات الخط العقائدي الوحيد، والتي لا ترى في المجتمع المدني إلا عاملاً يهدد أمنها واستقرارها، ولذلك فهي تخشاه وتضعه تحت المراقبة باستمرار، مما يعيق مؤسسات المجتمع المدني عن القيام بنشاطها المستقل، ويحجب بالتالي دورها الفاعل.

ويرى بعضهم أن الجذور الغربية والليبرالية للمجتمع المدني هي التي حالت دون تبنيه بسهولة في بيئة الفكر العربي المعاصر. كما أن دعاة المجتمع المدني غالباً ما أسقطوا عليه مفهوم الحزب السياسي. فيما يرى آخرون أن الدولة العربية بهيمنتها على المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية تحول دون قيام أية مؤسسات مستقلة ترغب في ممارسة نشاطات مختلفة، ولا سيما النشاط السياسي. فالدولة في الأنظمة التوتاليتارية تنزع إلى الأحادية ولا تسمح للمجتمع أن يمارس نشاطه المستقل في المجالين السياسي والاقتصادي، لذا نجد أن العلاقة بينهما يسودها التوتر والتنازع.

السؤال هنا: هل يمكن إجراء مصالحة أو توافق بين الدولة كسلطة وبين المجتمع المدني كمجتمع ناهض ومتنور؟

إن ذلك يتعلق بالدولة ونظامها السياسي بالدرجة الأولى. فهي إذا أرادت لهذا المجتمع المدني أن يمارس فعاليته ودوره فما عليها إلا أن تعترف بمؤسساته وهيئاته أو تترك له هامشاً حتى يؤدي وظيفته. وهي إن سمحت بذلك تكون قد ألقت بعبء كبير من مسؤولياتها على هذا المجتمع.

من هنا لا بد أن يتم التوافق بين السلطة والمجتمع المدني من أجل التحول إلى بناء نظام سياسي يعتمد على الشرعية الدستورية والقانونية، ويتيح للمجتمع إمكانية التعبير عن رغباته و خياراته. وهنا نجد أن النظام الديموقراطي هو الصيغة الأكثر قدرة على تحقيق مثل هذا النوع من التوازن.

يبقى التحول الديموقراطي هو الطريق الأسلم لتحقيق الطموحات المجتمعية، وإيجاد الصيغة التوافقية بين السلطة والمجتمع.

"الحياة"

التعليقات