31/10/2010 - 11:02

مدينة عربية.. توصية مقابل سياسة عنصرية/وليد ياسين

-

مدينة عربية.. توصية مقابل سياسة عنصرية/وليد ياسين
اوصى مستشار لجنة الداخلية البرلمانية، المخطط اديب داهود، في تقرير قدمه الى اللجنة، (الاربعاء 15.02.06)، باقامة مدينة عربية جديدة داخل الخط الأخضر، قائلا ان بناء مدينة جديدة سيساهم بشكل ملموس في تطوير الحياة الثقافية والاقتصادية والعمل ومستوى المعيشة على مستوى بلدي عال.

وتم طرح هذه التوصية اثناء قيام داوود باستعراض تقرير اعده حول اوضاع البناء في الوسط العربي، امام لجنة الداخلية البرلمانية التي ناقشت مشاكل البناء في الوسط العربي. وقد تبنت لجنة الداخلية هذه التوصية، لكنه لم يتقرر المكان الذي ستقام فيه، علما ان تنفيذ هذا القرار سيحتاج الى الكثير من الاجراءات قبل المصادقة عليه في الكنيست.

ومن المشكوك فيه ان يخرج هذا القرار الى حيز التنفيذ في ضوء التجربة التي مرت بها الجماهير العربية في الداخل في كل القرارات المتعلقة بها. وقد سبق للحكومة الاسرائيلية ان اتخذت الكثير من القرارات التي تحدثت عن مساواة المواطنين العرب في مجالات عدة، لكنها بقيت حبرا على ورق في ادراج المؤسسات السلطوية التي تضع القرارات المتعلقة بالمواطنين العرب في آخر سلم اولوياتها.

اشار التقرير الذي اعده المخطط داوود الى ظاهرة البناء غير المرخص في الوسط العربي، والتي تعود بغالبيتها الى غياب التخطيط ومساحات البناء في البلدات العربية، والى ظاهرة القرى غير المعترف بها من قبل السلطات الاسرائيلية.
ومن خلال مراجعة لما نشر عن فحوى النقاش الذي اجرته لجنة الداخلية البرلمانية بهذا الشأن، يتضح انه غاب او غيب، عن النقاش الموسع الذي اجرته اللجنة حقيقة ان اتساع ظاهرة البناء غير المرخص ترجع الى السياسة العنصرية التي تنتهجها السلطات الاسرائيلية، سواء في رفضها الاعتراف بهذه القرى وحل الضوائق التي تعانيها البلدات العربية بسبب عدم اقرار خرائطها الهيكلية او توسيع مناطق نفوذها والمصادقة على تحويل اراض زراعية لاغراض البناء، خلافا لما يحدث في الوسط العبري، حيث يجري اتخاذ القرارات بشأن اقامة بلدات ومستوطنات جديدة وتحويل الاراضي الزراعية الى مناطق للبناء بكل سهولة. وقد اكد رئيس اللجنة عضو الكنيست غالب مجادلة، في كلمته ان المواطنين العرب لا يبنون بدون تراخيص لانهم يهوون ذلك، كما تصور السلطات الامر، وقال ان السلطات تضطرهم الى ذلك بسبب تأجيل المصادقة على التراخيص والتأشيرات المطلوبة للبناء. لكن مجادلة، كمايبدو، ليس مطلعا بما فيه الكفاية على حجم الضائقة والمعاناة التي يعيشها سكان القرى غير المعترف بها والعرب في المدن المختلطة، بل وحتى في البلدات العربية، ويعتقد انه يمكن بجرة قلم "تجميد البناء غير المرخص لمدة سنة ، يتم خلالها اتخاذ كافة الاجراءات المطلوبة للبناء القانوني" على حد تعبيره. اشك بانه لا يعرف بان اصحاب هذه البيوت يصارعون السلطات منذ سنوات في اروقة المحاكم دفاعا حتى عن خيمة او بيت من الصفيح بنوه لايواء عائلاتهم على ارض توارثوها ابا عن جد، لكن السلطات تسعى الى سلبها منهم لمواصلة مخططاتها الاستيطانية.

لقد رفضت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي التعامل مع ظاهرة البناء غير المرخص والقرى غير المعترف بها الا بلغة الهدم والتشريد والمصادرة والتقارير التي دعت الى هدم عشرات القرى والاحياء الاسكانية في الوسط العربي ورفض الاعتراف بأي منها. ولم يطرأ التغيير على توجهها هذا الا بعد مبادرة لجنة الاربعين التي تأسست في العام 1988 الى اعداد مخطط هيكلي بديل لاسرائيل، دعا الى الاعتراف بهذه القرى وربطها بشبكات الخدمات وانهاء المعاناة التي يتكبدها سكان هذه القرى. وقد اجبرت مهنية ذلك المخطط السلطات على تغيير تعاملها وفرضت عليها الاعتراف بعدد من القرى، وصل مؤخرا الى 20 قرية في الجليل والنقب.

لقد تطرقت لجنة الداخلية في نقاشها الى الوضع المأساوي لظاهرة البناء غير المرخص في النقب، حيث يعيش عشرات آلاف المواطنين العرب في قرى ترفض السلطات الاسرائيلية الاعتراف بغالبيتها، وحين قررت الاعتراف، كما فعلت في السنوات الاخيرة، فرضت على هذه القرى مجلسا اقليميا تديره هيئة معينة من شخصيات حكومية، تواصل، بشهادة عرب النقب انفسهم، سياسة تركيز المواطنين العرب في سبيل مصادرة اراضيهم لصالح مخططات الاستيطان.

وقد صادقت الحكومة الاسرائيلية مؤخرا على اكبر مشروع للاستيطان في النقب، تجاهل وجود المواطنين العرب هناك بشكل مطلق، ولم يطرح اي حل لمشكلتهم، ناهيك عن ان الحلول التي تسعى السلطات الى طرحها كانت وما زالت تفرض على المواطنين العرب دون اشراكهم لا في الحلول ولا في التخطيط ولا في التنفيذ. وقد اشار المخطط داوود في كلمته امام اللجنة الى غياب الحوار بين السلطات والمواطنين العرب في النقب، بشكل واضح، وهذا ليس لان المواطنين يرفضون الحوار، وانما لان السلطات ترفضه بل وتتجاهل وجود العرب في كل مخطط استراتيجي حتى حين يكونوا العرب طرفا فيه.

ان الادعاء بأن انتشار ظاهرة البناء، خاصة في لواء حيفا (الذي يضم منطقة وادي عارة) ينجم عن الاستهتار بسلطات التنظيم والبناء وبسلطات القانون لا يمت الى الحقيقة بصلة. فسلطات التنظيم والبناء وسلطات القانون الاسرائيلي لا تتعامل مع هذه الظاهرة الا من خلال جرافات الهدم والدوريات الخضراء/السوداء، واليد الحديدية للشرطة. لم تطرح السلطات الاسرائيلية اي مخطط لحل هذه الظاهرة من خلال اشراك السكان او الأخذ برأيهم، بل على العكس، حتى في غالبية القرى التي صدرت اوامر الاعتراف بها ما زال الوضع كما هو عليه، بسبب اصرار السلطات على اعداد مخططات تكاد لا تكفي لسد الاحتياجات الحالية لهذه القرى، ما يعني انها لا تريد لهذه القرى التطور والتوسع، وتضع سدا منيعا امام هذه الامكانية منذ الآن. وهذا يعني بالتالي، ان الاجيال القادمة لن تتمكن من البناء ومواصلة العيش في قراها وانما ستضطر الى الانتقال الى مدن وبلدات اخرى، وهو ما تسعى اليه السلطات في اطار مخطط تركيز المواطنين العرب في اقل عدد ممكن من البلدات واحكام حصارها بالمستوطنات والمناطر الاسرائيلية.

ومن يتابع الخارطة الهيكلية التي يجري اعدادها لقرية عرب النعيم في الشمال،على سبيل المثال، يدرك ما اقصده، وكذلك الامر بالنسبة لخارطة عين حوض، وخرائط غيرها من القرى التي مضى عقد من الزمان على الاعتراف بها ولم يتم حتى الآن المصادقة على خرائطها بفعل سياسة التضييق والخناق التي تسعى السلطات لفرضها على هذه القرى.

امر آخر اشار اليه تقرير داوود يتعلق بالنقص الكبير في الخدمات في هذه القرى وحتى في البلدات العربية المعترف بها، خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات والمنشآت الرسمية، حيث يضطر الكثير من المواطينن العرب الى الاعتماد على مؤسسات قائمة في بلدات يهودية مجاورة او بعيدة لتحصيل هذه الخدمات. والامر ذاته ينسحب على البنى التحيتة التي تكاد تكون معدومة في الوسط العربي، وان وجدت فهي لا تلبي ادنى الشروط الحياتية.

لقد دعا مستشار لجنة الداخلية البرلمانية في توصياته الى اجراء اصلاح شامل في قانون التنظيم والبناء خاصة ما يتعلق بالارض، الملكية وسياسة المصادرة وتخصيص ميزانيات لاعداد خرائط هيكلية مفصلة وازالة العوائق وتسريع عملية المصادقة على الخرائط. لكنني اظن ان المستشار يعرف ان توصياته هذه قد تبقى حبرا على ورق، ايضا، مثل الكثير من التوصيات التي تعاملت معها الحكومة الاسرائيلية باستهتار رغم تبنيها لها، ولن نبعد كثيرا حتى نأتي بأدلة تثبت ما نقول، انما نذكر بتوصيات تقرير أور، الذي لم يخرج منه الى حيز التنفيذ اي حرف، حتى التوصيات المتعلقة بقتلة المواطنين العرب بدم بارد في احداث اكتوبر 2000.

ان المطلوب ليس توصيات وليس قرارات تتخذها هذه اللجنة البرلمانية او تلك، وانما اجراء تغيير مطلق في نظرة وتعامل الحكومات الاسرائيلية مع المواطنين العرب وحقوقهم، وطالما كانت حكومات اسرائيل تتعامل مع المواطينن العرب كطابور خامس وكجمهور معاد، وتسمح لامثال العنصري ليبرمان بالتحريض عليهم صباحا ومساء، دون ان يقوم من يخرسه، وتسمح بتمرير جريمة مقتل الشبان العرب في اكتوبر 2000، وما تبعه من عمليات قتل بدم بارد، دون معاقبة المسؤولين، طالما تواصل هذا النهج لن تنفذ توصيات لجنة الداخلية، لا في مجال بناء مدينة عربية جديدة، ولا في مجال التخطيط للعرب. وعلى المواطنين العرب، وهم مقدمون على صناديق الاقتراع في الثامن والعشرين من شهر آذار المقبل ان يدركوا هذه الحقيقة، وان يعي كل واحد منهم ان كل صوت يصب في صناديق الاقتراع للاحزاب الصهيونية سيعمق من ظاهرة البناء غير المرخص، وسيعمق من معاناة الجماهير العربية، وسيزيد من امثال العنصري ليبرمان، وسيبقي المساواة مجرد شعار خيالي. يمكن فقط لقوة عربية برلمانية قوية ان تفرض على السلطات اجراء التغيير، وعلينا ان نعي ذلك وان نحاسب ضمائرنا قبل ان ندلي ببطاقة التصويت لاي حزب صهيوني.

التعليقات