31/10/2010 - 11:02

مرحلة المصالحات.. ضربة أخرى للسياسات الأمريكية الإسرائيلية../ يونس العموري*

مرحلة المصالحات.. ضربة أخرى للسياسات الأمريكية الإسرائيلية../ يونس العموري*
مرة أخرى لابد من أن نضع النقاط على الحروف، وأن نعي حقيقة الموقف في ظل تقلبات الظرف السياسي ومتغيرات خارطة الهرم القيادي في المنطقة وعلى المستوى الدولي (إسرائيل وأمريكا)، جراء إخفاق وفشل أمريكا والسياسات الإسرائيلية في تأجيج صراعات المنطقة واستثمارها إلى أبعد الحدود. الآمر الذي يعني بالضرورة تغير في التوجهات السياسية عموما في المنطقة وهذا على الأقل ما توحي به مختلف الساحات على المستوى الإقليمي، حيث المصالحات ما بين خصوم الساسة والتيارات المتناقضة والمتصارعة في مختلف بلدان المنطقة قد انطلق قطارها، وهو الأمر الذي يعني أن ثمة توجهات جديدة في كواليس العمل السياسي على هذه الساحات واعتقد أن مسألة هذه المصالحات لها علاقة مباشرة بالملفات الساخنة ومدى سيطرة الراعي الدولي عليها وعلى تطورات مجرياتها بعد أن فشل في حسم الكثير من الملفات لصالحه، وبالتالي أعطى الضوء الأخضر لنوع من التهدئات على مختلف هذه الساحات وهو ما يفسر التحول المفاجئ للكثير من القوى المرتبطة بإرادة هذا الراعي وجنوحها نحو السلم والتهدئة. و كنموذج لما حدث و يحدث نتناول هنا أخر مجريات هذه التهدئة على الساحة اللبنانية.

فقد حدث اللقاء أخيرا ما بين السيد نصر الله والحريري وهو اللقاء الفريد من نوعه والمُنتظر منذ فترة ليست بالقصيرة وهو لقاء ذات دلالات ومعاني، وله قراءات لا تقتصر فقط على وقائع القراءة اللبنانية للحدث بل إن هذا اللقاء يتخطى هذه الحدود إلى ابعد من ذلك...

وبما أن اللقاء قد بات حقيقة واضحة فلا شك انه سيساهم في (تنفيس) الأجواء المحقونة بين الطرفين والشارعين السني والشيعي. ولا مجال للشك بأن حصول هذا اللقاء، تجسيد لواقع إقليمي مفاده أن الطريق بين السعودية وإيران باتت سالكة إنما لا تزال في مراحلها الأولى، الأمر الذي يعني أن الجليد تحول إلى ثلج، والثلج في طريقه إلى التحول إلى ماء، مما يؤكد أن السيطرة على الملف الإيراني ذاته من قبل أمريكا وتوابعها غير وارد بالظرف الراهن، بمعنى أن إيران كقوة إقليمية بطريقها لأن تصبح لاعبة أساسية في ملفات المنطقة، وهذه أضحت حقيقة ولا مجال لتجاوزها، وإلا فلا يمكن أن تكون طريق الرياض طهران سالكة بشكل مبدئي.

والكل يعلم في هذا السياق أن راعي الحريرية ( السعودية) لا يمكن أن يوافق على لقاء نصر الله الحريري إلا في سياق النظرة الشمولية للرياض نحو إيران، وهي رسالة غزلية أولا تجاه إيران برغبة السعودية بفتح حوار للاتفاق على تقاسم النفوذ في المنطقة، إذا ما جاز التعبير، حيث أن الرياض قد أدركت الحقيقة المتمثلة بأن إيران قد تجاوزت مرحلة تهديدها ووقف نمو دولتها العظمي في المنطقة، مما يعني أنها قد أصبحت أحد كبار المنطقة، وبالتالي لابد لباقي هؤلاء الكبار بالجلوس معها على قاعدة تحقيق التفاهمات المطلوبة لصياغة معادلة تقاطع وتضارب المصالح وعلى مختلف المستويات.

أما فيما يخص تأثيرات اللقاء مباشرة على الساحة اللبنانية فيمكن القول أن مسألة السلاح والاحتكام إليه لحسم القضايا الخلافية قد بات بعيداً أو شبه مستحيل كخطوة أولى (وهو كان بعيداً بعد أحداث 7 ايار)، لطبيعة الأثمان الذي يحملها هذا الحسم، حيث أن الطرفين يعلمان تماماً انه لا يمكن لأي منهما تحقيق انتصار سياسي (وليس ميدانياً). فالانقسام الشيعي- السني وتواصل تأجيجه وانتقاله إلى لغة السلاح والاقتتال والتقاتل، وبصرف النظر عن نتائجه، يقوّض المقاومة والدعم الجماهيري والشعبي اللبناني والعربي المعطى لها بدليل الحملات التي شنت عليها في أعقاب أحداث 7 ايار الماضي في بيروت وبعض المناطق.

كما انه يسيء إلى السنة لأنه يثير مخاوف تعزيز الأصولية السنية التي يكافحها العالم أجمع والتي باتت مثار حديث عن مدى اختراقها الداخل اللبناني وتواجدها فيه. وبالتالي السماح لهذه الأصوليات بالعبور إلى معترك التقاتل السني الشيعي بذريعة (حماية الهوية السنية في لبنان أمام سلاح الشيعة المهددة للوجود السني كهوية وانتماء). وهو ما أثار ويثير مخاوف القوى السنية ذاتها من استفحال الأصولية السنية في الوسط السني اللبناني وعدم السيطرة عليها وعلى توجهاتها وهو ما يعيد إلى الأذهان الحرب على نهر البارد، وما رافق ذلك من تنامي لهذه القوى، والتي كان أن تمت محاولة استثمارها في مواجهة المد الشيعي واستخدامها كعصا ضد المقاومة بمرحلة معينة أو تحضيرها لأن تلعب هكذا دور.

ولا شك أن هذا اللقاء يمثل اعتراف الأخر بالآخر وبما يمثل على المستوى السياسي التمثيلي وتأكيد ضمني أن هذه القوى لها حضوريتها على طوائفها بل إنها العنوان الأبرز لهما ويعني إقفال ملف محاولة إلغاء الأخر أو العمل على خلق بدائل له والتعاطي مع هذه البدائل على أساس تمثلي واضح المعالم وله الكلمة الفصل في القضايا المصيرية للبلد والوطن، حيث أن حزب الله قوة أساسية في الطائفة الشيعية، وله التأثير الأبرز على هذه الطائفة وانه لن تجدي نفعا كل المحاولات التي كانت قد عملت على استمالة القوة الشيعية الثانية والمتمثلة بحركة أمل والتي يرأسها نبيه بري رئيس مجلس النواب لم تؤت ثمارها للعديد من الأسباب، لعل أبرزها إدراك بري لحقيقة وواقع حزب الله ومدى تأثيره على الطائفة الشيعية، وبالتالي لن يراهن بري بمصيره ومصير حركته على هذا المستوى وبقي متحالفا مع حزب الله ولم يفكر بتقويض أركان تحالفه الثنائي والحزب، وحتى محاولة خلق فتنة داخلية ما بين الشخصيات الشيعية ذاتها وتأجيج التناقضات بينها لم تجد نفعا وبقي حزب الله هو العنوان الأبرز بالوسط الشيعي.

وبالمقابل حظي الحريري وتياره بتكريس واقعه كمرجعية سياسية للسنة بعد أن حاول سابقا الحزب تقويض هذه الزعامة والقفز عنها عبر تحالفاته وأركان المعارضة السنية وتثبيتها على الأرض أو من خلال انجاز الاتفاق التفاهمي مع التيار السلفي في لبنان، حيث أن هذا التفاهم قد جاء كرسالة لتيار المستقبل بأن حزب الله ربما يتجه نحو بدائل أخرى إذا ما بقي تيار الحريري بذات السلوك اتجاه حزب الله، وهي أيضا رسالة إيرانية للراعي السعودي بشكل أو بآخر.

التعليقات