31/10/2010 - 11:02

مستقبل الديمقراطية والنظام السياسي الفلسطيني../ جميل مزهر

مستقبل الديمقراطية والنظام السياسي الفلسطيني../ جميل مزهر
الديمقراطية رغم شوق شعبنا لها ارتباطاً بالحرية، ورغم إدراكنا بأنها كانت دوماً مطلباً وطنياً فلسطينيناً لولا تدخل العامل الخارجي المتمثل في أمريكا لما جرت.

ما جرى في غزة من عملية حسمٍ عسكري وما تلاها من إجراءات في الضفة الغربية يؤكد على تفسخ النظام السياسي الفلسطيني ليس فقط في السلطة القضائية أو التشريعية أو التنفيذية، فما جرى أكد على تفكيك التجربة الديمقراطية الوليدة وأعتقد أنكم لا تخالفوني الرأي فيها.

الديمقراطية كهدف وأداة تظل بالنسبة لشعبنا الفلسطيني مسألة لا تقبل التردد، وهدفاً يسعى إلى تكريسه كافة القوى السياسية والشرائح الاجتماعية بمختلف أنواعها في فلسطين.... فهي تمثل فيما أعتقد خشبة الخلاص الأساسية الأولى للخروج من المأزق الراهن من ناحية ولضمان تواصل مسيرتنا الوطنية التحررية الديمقراطية في المستقبل، وهذه بالنسبة لي هي الدلالة الرئيسية التي ترتبط بعنوان الندوة مستقبل الديمقراطية على النظام السياسي الفلسطيني.

المسألة الثانية المرتبطة بمستقبل الديمقراطية على نظامنا السياسي أزعم أنه لا يمكن فهم هذه الرؤية المستقبلية دون التمعن في صيرورة الحلول والمشاريع السياسية المعاصرة، وأقصد بذلك منذ أوسلو حتى يومنا هذا، حيث تعرضنا إلى مجموعة من الإشكاليات يمكن بعد أن نستعرضها التوصل إلى الصورة المستقبلية المنشودة للنظام السياسي.

الإشكالية الأولى ، تتمثل في فشل الحلول الانتقالية وغياب فرص الحلول الدائمة.

الإشكالية الثانية ، كما تعلمون جميعاً تعّقد الوصول إلى الحل المرحلي وصعوبة العودة إلى الحل الاستراتيجي.

الإشكالية الثالثة، تتمثل في تقادم النظام السياسي الفلسطيني، وأحاديته المعروفة، والعجز عن إصلاحه مع ظهور مخاطر انهياره في اللحظة الراهنة.

الإشكالية الرابعة، تكرس الاستقطاب الثنائي بين فتح وحماس وصولاً إلى الحسم العسكري المدان والمرفوض، في ظل التراجع والضعف غير الاعتيادي لما يسمى بالقطب الثالث الذي بات يشكل في هذه اللحظة المخرج الرئيسي لأزمتنا الوطنية والديمقراطية، باعتباره الإطار الملتزم بضمان نجاح التجربة الديمقراطية، والملتزم أكثر بعدم تحويل التناقضات السياسية الداخلية إلى تناقضات تناحرية كما جرى بين قطبي الصراع.

الإشكالية الخامسة، تعّرقل آفاق النضال المسلح وصعوبة العودة إلى أشكال النضال الجماهيري.

ضمن هذا التحليل أؤكد بعدي الكامل عن التشاؤم، ولكنني مضطر إلى التأكيد على أن تشاؤم العقل في هذه اللحظة مسألة ضرورية لإعادة التفكير في كل ما جرى دونما أي تأثير في تفاؤل الإرادة.

وعلى هذا الأساس المحصلة التي نعيشها الآن أننا أمام مأزق مرحلي واستراتيجي وهو مأزق يؤكد على أن كل الآمال بأوسلو فشلت فشلاً ذريعاً وهو ما يؤكد على صوابية موقفنا في الجبهة الشعبية.

أمام هذا الفشل الذي وصل إليه أوسلو وما تلاها من اتفاقيات عبثية فقد سارعت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى فرض ما سمى بضرورات الإصلاح السياسي والديمقراطي على السلطة الفلسطينية، ولكن هذه المسألة ووجهت بعقبة كأداء تمثلت بالرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات، الذي قدّم ما قدّمه من تنازلات ولكنه رفض أن يقّدم التنازل الأخير بالنسبة للقدس وحق العودة، وبعد رحيله تمسكت الولايات المتحدة وإسرائيل بما يسمى بمشروع الإصلاح الديمقراطي وتطبيقاته في فلسطين مع استمرار العدو الإسرائيلي في تصفية القيادات الوطنية عموماً، وقيادات حركة حماس خصوصاً، وجاء النصف الثاني من عام 2005 حيث اشتد الصراع الدموي في تصفية قيادات حماس مما فرض عليها مأزقاً عميقاً لم يترك أمامها خياراً إلا أن تدخل الانتخابات الديمقراطية التي سبق وإن رفضتها عام 1996.

وبالفعل فازت حركة حماس في يناير 2006، وشكلت حكومتها التي اشتد عليها الصراع بصورة غير مسبوقة، بالإضافة إلى العوامل الداخلية المعرقلة لحكومتها، مما اضطرها إلى القبول بصيغة الحكومة الائتلافية التي لم تستطع إنهاء الحصار من ناحية، ولم تستطع وقف ظاهرة الفلتان الأمني والصراع الداخلي من ناحية أخرى، حيث اشتد القتال مجدداً بين فتح وحماس الذين لبوا دعوة المملكة العربية السعودية وعقدوا بما يعرف " باتفاق مكة" الذي لم يكن في رأيي إلا هدنة في انتظار لحظة الحسم التي وصلت ذروتها في العاشر من حزيران الماضي، وأدت إلى انفراد حركة حماس بالسلطة في غزة وانفراد حركة فتح بالسلطة في الضفة، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من فشل ذريع للتجربة الديمقراطية بسبب صراع القطبين اللذين يتحملان مسئولية مشتركة في كل المقدمات، مع تأكيدي على أن حماس تنفرد بمسئولية وحيدة في عملية الحسم العسكري وما أدى إليه هذا الحسم العسكري من تفكيك لبنية نظامنا السياسي وضرب تجربتنا الديمقراطية الوليدة، حيث تلاحظون أيها الأخوة أننا نعيش اليوم في قطاع غزة في حالة غابت فيها سلطة القضاء والقانون وتراجعت فيها الحريات والتعددية، رغم أن هناك عدداً من المظاهر تؤكد على استتباب الأمن في قطاع غزة، لكن كل من لديه قليل من البصيرة يدرك أن هذا الاستقرار الأمني قد تم بصورة إكراهية بعيداً عن أي منطلق دستوري أو قانوني أو ديمقراطي.

المهم أننا أمام نتيجة مؤداها وجود حكومتين في غزة والضفة، ولم يعد يمكننا بسبب الصراع التناحري بينهما الحديث عن إمكانية إحياء التجربة الديمقراطية والاحتكام إلى سلطة القانون أو السلطة التنفيذية وكذلك الأمر بالنسبة للمجلس التشريعي الذي بات معطلاً.

وفي ضوء هذا الوضع ليس مستغرباً أن تنعكس التجربة الديمقراطية للسلطة على م.ت.ف التي باتت بدورها تعاني أزمة خانقة مما يثير القلق والمخاوف على مستقبلها لأن المنظمة كما تعلمون أيها الأخوة هي شكل وجوهر النظام السياسي الديمقراطي الفلسطيني المعاصر.

وبالمحصلة أصبح الوضع الفلسطيني السياسي والاجتماعي والاقتصادي منقسماً بين مجتمعين أحدهما في غزة والآخر في الضفة، كما أصبح هذا الوضع الفلسطيني مرتهناً للعوامل الخارجية مما يتيح فرص ما يسمى بالحلول السياسية الأمريكية الوهمية كما سمعنا في خطاب بوش مؤخراً، ولن ينتج عن هذه الحلول سوى مزيد من تفكك الجغرافيا الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني وبروز السيناريوهات المتنوعة التي تتحدث عن التقاسم الوظيفي الأردني والإسرائيلي أو الوصاية على قطاع غزة أو أية حلول أخرى تتوافق مع الشروط الأمريكية الإسرائيلية.

فعن أي مستقبل للديمقراطية في نظامنا السياسي نتحدث في ظل هذه الأوضاع والصراعات على المصالح واقتسام السلطة بين القطبين الرئيسيين.. أترك لكم أيها الأخوة الإجابة عن هذا السؤال رغم وعينا جميعنا بضبابية هذه اللحظة وقتامتها.

لقد أصبحنا أمام وضع بات فيه من الوهم الحديث عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، وبما أن الأمر كذلك على الأقل في هذه اللحظة، فكيف يمكن الحديث عن الديمقراطية !؟

لذلك يجب أن نوجه السؤال التالي إلى كل من فتح وحماس، هل ما زلتم تملكون مشروعاً وطنياً حقيقياً؟
إذا كان جوابكم نعم وبمصداقية عالية فلا شيء يمنعكم من العودة إلى الحوار، لأن المشروع الوطني الذي تؤمنون به يتلخص في وحدة الضفة والقطاع والنضال مع كافة القوى من أجل بناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وفق برنامج الحد الأدنى المشترك بيننا جميعاً، كما ورد في وثيقتي القاهرة آذار 2005، والوفاق الوطني 2006، لذلك فإن الحوار هنا قد أصبح ضرورة وطنية تتخطاكم في فتح وحماس بما يضمن تحقيق أهداف شعبنا الوطنية ويوفر شروط الاستقرار والنمو الديمقراطي المستقبلي للنظام السياسي الفلسطيني التعددي.

فهذا الشعب الذي قدّم عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من المعتقلين والجرحى.. وتحّمل كل أشكال المعاناة والقهر لن يغفر لكم إصراركم على إغلاق باب الحوار، لأنه سيتخطاكم ومعه كل القوى الحية من مناضلي شعبنا لبناء مستقبله المنشود في التحرر الكامل والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

التعليقات