31/10/2010 - 11:02

مسلسلات وحوادث رمضانية../ ماجد كيالي

مسلسلات وحوادث رمضانية../ ماجد كيالي
مناسبة هذا العنوان لاتتعلق بالمسلسلات التلفزيونية التي بات شهر رمضان يشتهر، أو يغصّ، بها، فقط، وإنما هي تشمل مسلسل الحوادث الطبيعية والسياسية والاجتماعية، أيضا.

فمن جهة الحوادث الطبيعية، مثلا، فقد شهدنا كوارث مختلفة، فبينما تعرضت خُمس أراضي الباكستان للغرق، الذي هدد حياة حوالي عشرين مليون مواطنا باكستانيا، شهدت بلاد الروس، المشهورة بجليدها، موجة حرائق غطت سماواتها بسحب دخانية كثيفة وداكنة! وبين هذا وذاك فقد تعرضت منطقتنا لموجة حرّ غير مسبوقة، في شهر الصيام.

طبيعي أن الحوادث الطبيعية الكبيرة (كالزلازل والبراكين والمد والجزر والفيضانات وموجات الحر والقرّ) مازالت خارج قدرة الإنسان، على الرغم من كل مابلغه من تطور علمي وتكنولوجي، وقدرة على السيطرة والتنظيم. لكن المشكلة عندنا مازالت أكبر وأعمق من كل ذلك بكثير. فوسط هذه الكوارث البيئية، التي ترسم مستقبلا غامضا للبشرية، شهدنا مناقشات جد ساذجة أو بدائية، هكذا تجادلنا وانقسمنا بشأن رؤية "هلال رمضان"، فثمة بلدان صامت يوم الأربعاء، وبلدان أخرى في يوم الخميس، وامتدت هذه المناقشات لتحديد مواعيد الصيام والإفطار في بلدان يطول أو يقصر فيها النهار، وفي بلدان ليس فيها غروب أو شروق بمعنى الكلمة! أيضا، ثمة وجهات نظر بشأن طريقة صوم المرأة "الحائض" والمرأة "النفسا"!

وبمناسبة موجة الحر التي ضربت هذه المنطقة فقد ظهرت فتاوي عديدة بشأن جواز الصيام والإفطار لمرضى السكري والكبد والكلي وغيرها، وذلك بحسب درجة المرض، كما للعاملين في الأعمال الشاقة، وبحسب درجات الحرارة. علما أن القاعدة بأن الإسلام دين يسر لاعسر، و"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، وأن ليس على المريض ولا على المسافر حرج. هكذا انشغلنا بهذه المناقشات، والتفصيلات، عن كل ما يهددنا، من حوادث سياسية واقتصادية واجتماعية، ومعها أيضا الحوادث البيئة، التي تبدو آخر ما نفكر فيه (بحسب حسام عيتاني ـ "الحياة"، 17/8).

في الحوادث السياسية فقد شهدنا في رمضان استمرار مسلسل الانقسام الفلسطيني، ففي هذا الشهر انقطعت الكهرباء عن القطاع، بسبب عدم تسديد قيمة تغذية محركات توليد الطاقة في القطاع (للشركة الإسرائيلية المغذية). وبينما اتهمت سلطة حماس (في غزة) سلطة فياض وفتح (في رام الله) بأنها تقف وراء ذلك، اتهمت سلطة رام الله سلطة غزة بأنها تجبي ثمن فواتير الكهرباء من أهالي القطاع وتنفقها على أجهزتها، بدل تسديدها. وبين هذا وذاك فإن مليون ونصف مليون من أهالي غزة، باتوا محرومين تقريبا من متعتهم الوحيدة وهي التمسمر أمام شاشات التلفزة، بعد تضييقات سلطة حماس على الناس، لجهة مراقبة سلوكيات التنزه "العائلي" عند شط البحر، وإزاء ارتياد النساء والفتيات للمقاهي والكافتريات!

في غزة أيضا لم تسلم "الجبهة الشعبية" من مضايقات حماس، رغم أن هذه الجبهة ضد المفاوضات وضد اتفاق أوسلو، ومع الكفاح المسلح، حيث قام أفراد من الأجهزة الأمنية الحمساوية بمصادرة محتويات مقر للجنة الشعبية للاجئين في رفح (15/8)، وعملوا على كسر إضراب كانت الجبهة نظمته احتجاجا على استمرار أزمة الكهرباء، التي "طالت كل مناحي الحياة وفاقمت معاناة وآلام المواطنين في غزة"، بوسائل القوة. وكانت أفراد من الشرطة الحمساوية اعتدوا بالضرب على صحفي يعمل في "الجزيرة نت".

وليس الوضع أفضل في رام الله فهناك تقوم السلطة بكل ما من شأنه تجفيف مصادر تمويل حركة حماس، ووضع حد لأنشطة جمعياتها، وتقييد حركة ناشطيها، ووصل الأمر حد أن السلطة قررت وقف تلاوة القرآن قبل الآذان. لكن الطريف في هذا الأمر أن محمود الهباش (وزير الأوقاف والشؤون الدينية في السلطة) برر ذلك بأن "قراءة القرآن قبل الأذان أمر غير شرعي، لم يرد في الدين، أو السنة، ولم يقل به أحد من العلماء، ولذا قررنا وقف استخدام مكبرات الصوت إلا لرفع الأذان، وخطبة الجمعة، وصلاة التراويح"!

وعلى كل ففي هذا الشهر قامت سلطة حماس بالإفراج عن 100 سجين لديها (من مناصري فتح)، كـ"مكرمة" من رئيس الحكومة المقالة في غزة! فيما أفرجت السلطة الفلسطينية عن 8 محاضرين من جامعة النجاح الوطنية بنابلس (من مناصري حماس) بعد مضي عدة أيام على اعتقالهم.

في المسلسلات التلفزيونية يمكن أن نذكر مسلسل "المسيح"، الذي عرضت أولى حلقاته في بداية شهر رمضان (على قناتي "المنار" وNBN) ثم أوقفت، فهذا المسلسل أثار حساسيات وعصبيات كان لبنان بغنى عنهما. المشكلة أن السيد المسيح في هذا المسلسل بدا أشقر، وذا عينين خضراوين، في إيحاءات تغريبية. لكن المشكلة أكثر أن هذا المسلسل من إنتاج إيراني ("إسلامي")، وأنه، بحسب الزميلة نهلة الشهال ("السفير"، 17/8)، "قوِّل السيد المسيح ما لم يقله"، وأن شقرة السيد المسيح في المسلسل كانت "غربة وليست تجميلاً". والأنكى من كل ذلك أن المسلسل المذكور بدا وكأنه يأتي ضمن مسلسلات وقائع الإنكار والإلغاء والهيمنة، حيث ينوب طرف ما عن الآخر في عرض صورته وفي روايته عنها، وحيث "الخوف الآن، وعلى هامش ذاك المسلسل ودلالاته، أن نكون باشرنا الانتقال من فرض السياسات إلى فرض العبادات." (بحسب حازم صاغية، "الحياة"، 17/8)

مع ذلك ثمة نكهة جديدة في المسلسلات التلفزيونية الرمضانية، فعلى رغم استعصاء العمل العربي المشترك، شهدنا أعمالا تلفزيونية مشتركة، فثمة مسلسلات مصرية أبطالها سوريون، وأخرى سورية أبطالها مصريون، وثمة نجوم من لبنان والجزائر وتونس والعراق والكويت في هذه الأعمال. وهكذا لم يبق لنا حجة بشأن اقتصار العمل العربي المشترك على وزارات الداخلية فقط.

وثمة مسلسلات حاولت تبريد الأجواء الحامية، ومثلا، فقد بثت فضائية فلسطين (رام الله) حلقة من المسلسل الفكاهي الساخر "وطن على وتر"، خصصت لزيارة هيفاء وهبي لغزة، ولقائها بإسماعيل هنية (أبو العبد)، رئيس الحكومة المقالة. ففي هذه الزيارة المتخيلة (لم تحدث) أكدت هيفاء تعاطفها مع معاناة أهل القطاع واستعدادها للتخفيف منها، ولم يخل الأمر من مداعبة "أبو العبد".

المشكلة أن هذه الحلقة (وكذا المسلسل الذي يعده ويشارك فيه عماد فراجين، مع خالد المصو ومنال عوض) لاقت هجوما من بعض وسائل إعلام حماس، برغم انه برنامج سياسي مخصص للسخرة من الحياة السياسية الفلسطينية الراهنة، وهو سبب حيازته على شعبية فلسطينية واسعة. ويبدو من ذلك أن الفلسطينيين، الذين لايستطيعون شيئا لجهة مساءلة قياداتهم أو محاسبتها، لايحق لهم، أيضا، أن يضحكوا، أو أن يداعبوا أحدا من القيادات المهيمنة عليهم، وعلى مصيرهم، منذ نصف قرن!

التعليقات