31/10/2010 - 11:02

مطب "دولتان لشعبين"../د. جمال زحالقة*

مطب
منذ فشل مؤتمر كامب ديفيد واندلاع الانتفاضة الثانية عادت إسرائيل تطرح أمام نفسها أسئلة وجودية. وتحول الهاجس القديم على مصير الدولة اليهودية إلى هوس سياسي والدافع بال التعريف، الذي يحرك ويحكم ويحسم القرار الإسرائيلي المتعلق بالحلول والتسويات السياسية. وما تصريحات أولمرط الأخيرة بأنه إذا لم تقم دولة فلسطينية، فسوف ينشأ مطلب بدولة ثنائية القومية وستتعرض إسرائيل إلى ضغوط لمنح الفلسطينيين في المناطق المحتلة حقوق مواطنة وتصويت مما يجعل المشروع الصهيوني في حالة خطر داهم على مصيره.

في كل حال وفي كل حل، تريد إسرائيل أن تضمن، تحت سيطرتها، أكبر رقعة من الأرض بأقل عدد ممكن من الفلسطينيين. ليست هذه معادلة جديدة، إذ يبلغ عمرها أكثر من مئة عام، وهي لم تتبدل ولم تتغير إلا بتفاصيلها تبعاً للظروف والتطورات. يشتق من هذه المعادلة، بمنطلقها وهدفها، السعي إلى الانفصال عن أكبر عدد من الفلسطينيين، ومحاصرة وجود من يتبقى منهم في نطاق الدولة العبرية، وذلك لتثبيت كيانها كدولة يهودية الطابع والبنية، والاستحواذ على اكبر مساحة في المكان لاستيعاب اليهود وإسكانهم. بالمجمل، إسرائيل تريد المحافظة على يهودية الكيان وضمان تهويد المكان.

إذا كان مفهوم الدولة اليهودية هو المحور المركزي لمواقف إسرائيل في المفاوضات واقتراحات التسوية، فإن المطلب بالاعتراف بها كدولة يهودية هو محاولة متمادية لتحويله إلى محور التسوية وأساس التفاوض بموافقة كل الأطراف، خاصة الطرف الفلسطيني. ذلك يعني أن على الفلسطينيين أن يقبلوا هذا المفهوم الإسرائيلي كمرتكز الحل السياسي، ما يؤدي بالضرورة إلى شرعنة شطب حق العودة والإقرار بأن حقوق الفلسطينيين في الداخل هي رهينة يهودية الدولة الإسرائيلية.

يأتي مطلب إسرائيل، هذه الأيام، بالاعتراف بها كدولة يهودية في سياق مبدأ "دولتان لشعبين" كحل شامل لكل قضايا الصراع. وتشرح تسيفي ليفني الموقف الإسرائيلي على أن كل دولة هي حل شامل لما تسميه القضية القومية لكل من الشعبين، وبحسب تعبيرها فإن حل قضية اللاجئين والأبعاد القومية لقضية العرب في الداخل تحل في إطار الدولة الفلسطينية. في المقابل على الفلسطينيين والمجتمع الدولي أن يعترفوا بأن إسرائيل هي دولة يهودية والوطن القومي لليهود أينما كانوا.

لا يصح منطقيا وسياسياً، رفض الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وقبول مبدأ دولتان لشعبين. فقد اصبح هذا المبدأ، الذي تردده قيادات فلسطينية وعربية ودولية، في غاية الخطورة لأنه تحول إلى مدخل للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وعملياً الاعتراف برديفتها، ألا وهي الصهيونية. إسرائيل تطلب، في الواقع،ً اعترافاً فلسطينياً وعربياً ودولياً بالصهيونية، بكل ما يعنيه ذلك معنوياً وأخلاقياً ووطنياً وسياسياً بالنسبة لشعب كان وما زال ضحية هذه الحركة التي احتلت بلاده واقتلعته منها ومارست ضده كل أنواع الاضطهاد والجرائم. ويبدو أن الدولة العبرية تريد أن تثبت في سجل انتصاراتها، انتصاراً أخلاقياً على الشعب الفلسطيني بانتزاع اعتراف بها كدولة يهودية، ويأتي هذا الطلب الوقح بعد أن تبين بالوقائع المأساوية المعنى الفعلي لمفهوم الدولة اليهودية، الذي كان سبب النكبة وسبب الجرائم المستمرة بحق شعب فلسطين.

كل من يؤيد ويردد "دولتان لشعبين"، يدعم منطقياً وسياسياً مطلب ومطب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وعلى كل الغيورين على مصلحة وحقوق الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والسياسية والقومية والأيديولوجية أن يسقطوا من قاموسهم وبرامجهم هذا الشعار الخطير، الذي أضحى مدخلاً لسلب حقوق شعب فلسطين خاصة اللاجئين وعرب الداخل. بعض القوى السياسية حريصة على السجع والقافية ويهتف أنصارها في المظاهرات "دولتان لشعبان". قد يغفر الخطأ في اللغة، لكن الخطيئة السياسية لا تغتفر!

نحن في الداخل لم نفطن إلى قضية الدولة اليهودية بعد المطلب الإسرائيلي الأخير وبعد أن نجحت إسرائيل في تحويله إلى قضية مركزية من قضايا الصراع، كقضية اللاجئين والاحتلال والاستيطان والقدس. لقد تحدينا مفهوم يهودية الدولة من خلال طرح "دولة لجميع المواطنين"، كمبدأ وشعار مناهض للصهيونية. ومما لا شك فيه أن الفلسطينيين في الداخل قادرون من خلال موقعهم ومواقفهم وخبرتهم على المساهمة بشكل جدي وفعلي في فضح وتعرية ما يعنيه مفهوم الدولة اليهودية والنتائج المأساوية الناجمة عن الاعتراف بهذا التعريف.








التعليقات