31/10/2010 - 11:02

مكافحة الارهاب حجّة لخرق حقوق الانسان../ حسين أبو حسين

مكافحة الارهاب حجّة لخرق حقوق الانسان../ حسين أبو حسين
كثر الكلام في الربع الأخير من القرن الماضي وفي مطلع القرن الحالي عن حقوق الإنسان والحرية، وازدادت المناداة بحماية هذه الحقوق وصيانة الحريات العامة، نظراً لما انتاب هذه الحقوق والحريات من انتهاكات وتعديات طالت كرامة الإنسان وحق الإنسان في حياة حرة كريمة بسبب الحروب التي تجتاح العالم في كل ركن من أركانه ضاربةً عرض الحائط بالمواثيق الدولية وبشرع حقوق الإنسان وغير عابئة بالمؤسسات الدولية ولا بسلطة القانون.

ولكثرة الانتهاكات فإنَّ الشعور السائد أن مسالة حقوق الإنسان دخلت في نفق مظلم وضاعت في متاهات المصالح السياسية.

لا شك في أنّ عالم ما بعد أحداث 11 سبتمبر يختلف عن عالم ما قبل هذه الأحداث.
إنّ وقوع هذه الأحداث قد شكل مناخاً سياسياً لاتخاذ تدابير أمنيّة صارمة في الولايات المتحدة، مما دفع بحكومات أخرى في كافة أنحاء المعمورة إلى اعتماد الطريقة نفسها.

وعلى خلفية الأحداث اتخذ مجلس الأمن يوم 28 سبتمبر القرار 1373، والذي طالب الدول الأعضاء المساهمة في محاربة الإرهاب، مؤكداً على أهمية ظاهرة التمويل. وفي كانون الثاني 2002، أمر مجلس الأمن الدول الأعضاء بتنفيذ أوامر تجميد الأموال والممتلكات الصادرة من الولايات المتحدة.

إنّ مناخ محاربة الإرهاب قد رافقته ظاهرة سياسية عالمية جديدة أفضت إلى شن حرب ضروس على أفغانستان، وأخرى على العراق، راح ضحيتهما الملايين من البشر تحت مظلة الشرعية الدولية.

لقد بادر الرئيس الأمريكي جورج بوش يوم 23 سبتمبر 2001 إلى إصدار أمر رئاسي يجيز بموجبه اتخاذ تدابير وقوانين عرفية لتجميد الأموال والممتلكات للأفراد والمجموعات المشتبه بها بتمويل الإرهاب، لم تشهدها الولايات المتحدة خلال أكثر من مئتي عام على سن دستورها. إضافة لذلك، شرَّع الكونغرس قانون مكافحة الإرهاب (الباتريوت) الذي يضع الخلفية القانونية لمكافحة الإرهاب على كافة الأصعدة.

موازاة لهذه الخطوات، قامت معظم دول العالم، ومنذ أحداث 11 سبتمبر بتشريع قوانين مختلفة وغالبها يضرب عرض الحائط بحقوق الإنسان، ويشكل مساً خطيراً في حقوق الأقليّات والأجانب والأفراد ذوي النشاط السياسي غير المرغوب فيه.

وفي بريطانيا، مهد الديمقراطية، تم الإعلان عن حالة الطوارئ حيث أصبح من صلاحية النظام اتخاذ خطوات عرفية تنتهك حقوق الإنسان الأساسيّة، ومن ضمنها الحق في الحركة والتجوال وحق الملكية، ولاحقاً في نوفمبر 2001، تم قبول قانون مكافحة الإرهاب حيث تم تسهيل أمر اعتقال المشتبه بهم في الضلوع في الإرهاب وتخويل وزير المالية صلاحية الإعلان عن منظمات إرهابيّة وتجميد ممتلكاتها.

وقبل أسبوعين صوَّت البرلمان البريطاني على تمرير قانون لمكافحة الإرهاب، والذي يجيز رفع مدة الاعتقال دون توجيه اتهامات للمشتبه بهم في قضايا الإرهاب من 28 يوماً إلى 42 يوماً.

وكان رئيس الحكومة البريطانية السابق توني بلير قد حاول وفشل برفع هذه المدة إلى 90 يوماً بعد هجمات 7 تموز 2005 في لندن، والتي قُتل خلالها 56 شخصاً. ليس هناك شك في أن رفع بريطانيا لهذه المدة يشكل سابقة خطيرة تدفع بحكومات أخرى إلى اعتماد الطريقة نفسها، مما يجعل من قوانين مكافحة الإرهاب حجة لخرق حقوق الإنسان، لا سيّما وأنّ بريطانيا ومنذ العام 1215 - عندما تم تشريع الماغنا كارتا- تعتبر قِبلة حقوق الإنسان) في العالم أجمع.

لقد شكلت الماغنا كارتا، والتي تم الاتفاق عليها بين الملك والنبلاء، منعطفاً في تاريخ حقوق الإنسان، حيث ضمنت حق كل موقوف في المثول أمام قاض يقوم بمراقبة شرعية اعتقاله.

يخشى مسلمو بريطانيا، وهم أكثر من 5 ملايين أن يُساءَ استخدام هذا القانون ضدهم، حيث إنّهم الفئة المستهدفة من هذه التشريعات. ومن المفارقات أنّ نوّابا مسلمين صوتوا مع القانون مع أنّ رئيس المخابرات البريطانية (ام اي 5) جوناتان إيفانز أعلن في بيان نادر أنّ جهازه "لم يطلب تمديد مدة الاعتقال، مشيراً إلى أن الاستخبارات "لم ولن تكون يوماً المؤسسة التي تملك صلاحية نصح الحكومة في مجال تمديد مهل الاعتقالات".

كان لإسرائيل دورٌ رائدٌ في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، إذ أنها - وحسب ادعائها- تخوض ساعة بساعة حرباً ومنذ سنين طوال من أجل بقائها ضد "الإرهاب والإرهابيين". كلنا شاهدنا على شاشات التلفزيون كيف يتتلمذ الجنود الأمريكيّون على ربط خرقات الأقمشة على عيون المعتقلين العراقيين والأسلاك البلاستيكية على معاصمهم مستفيدين من تجربة جنود الاحتلال الإسرائيليّ أثناء الانتفاضتين، ناهيك للحذف بتجربتهم في حرب المدن والأزقة.

كتب الكثير وقيل الأكثر عن التبادل "الثقافي" فيما بين الجيشين الأمريكي والإسرائيلي في هذا المجال وغيره مما حدا ببعض الجنود الإسرائيليين- ونشر عنهم في مطلع الأسبوع الحالي- أن يتطوعوا للجيش الأمريكي في العراق وبحسب ادعائهم – ثأراً لرفاقهم الذين سقطوا إبان حرب تموز 2006. كيف؟ ولماذا؟ لله في خلقه شؤون!
كان ذلك في مجال العسكرة، أما في مجال القانون فأصبحت إسرائيل مصدراً رئيسياً لتشريعات وقرارات قضائية أقلّ ما يقال فيها أن لا صلة لها بالعدل والإنصاف.

نعم، حتى الدول الاستبدادية تعمل بموجب القانون، وهناك مرجعية قانونية لنشاط مؤسساتها ورموز سلطتها ونفوذها، إلاّ أنّ السؤال الأهمّ؛ إلى أي مدى تتلاءم هذه القوانين مع الأعراف الدولية التي تنص على العدل والإنصاف.

لقد راكمت إسرائيل خلال 60 عاماً تجربة قانونية فريدة من نوعها تشرعِن اغتصاب حقوق سكان البلاد وأصحابها الشرعيين، والإمعان في استمرار هذا الغبن والإزهاق للحقوق ولمبادئ العدالة الطبيعية.

تمشياً مع هذه الرؤية حرصت إسرائيل ومنذ بداية طريقها إلى تقديس هالة الأمن حتى أضحى هذا المصطلح يسري على كافة مرافق الحياة والإنسان. إن موضوع تأثير الأمن والملاءمة القانونية على الحياة اليومية للفلسطينيين أيّا كانوا جدير بدراسة موسوعية يتم التطرق إلى كافة المجالات الحياتية. وحيث إننا في عجالة من أمرنا نود الإشارة إلى قانون التوقيفات الأمنيّة، والذي تم تشريعه كأمرٍ مؤقت لفترة 18 شهراً في حزيران 2006، وفي كانون الأول 2007 مدد الكنيست مفعول القانون لفترة 3 سنين جديدة.

لقد أجاز القانون الجديد إرجاء مثول المشتبه به أمام قاضٍ من 24 إلى 96 ساعة وتخويل المحكمة صلاحية تمديد الاعتقال بدلاً من 15 إلى 20 يوماً بأمر قضائي واحد، وتمديد فترة اعتقاله دون تقديم لائحة اتهام بحقه لمدة 35 يوماً، والنظر في طلب توقيفه أو في الاستئناف المقدم من وكيله بغيابه وعدم إعلامه بصدور أمر اعتقال قضائي بحقه. بكلمات أخرى، لقد شطب القانون الجديد حقوقاً كفلتها الماغنا كارتا قبل زهاء 800 عام في المثول أمام قاضٍ، والحق في الإجراء العادل، ليخلق مناخاً مناسباً لأجهزة الأمن في ممارسة وسائل التنكيل وحجب لم أفهم المصطلح الأمني عن نور العالم والعدالة معاً.

من الجدير ذكره أنّ القانون الجديد تم تقديمه أصلاً للكنيست كمشروع قانون ليملأ فراغاً قانونياً جراء انسحاب إسرائيل من قطاع غزة بحجة أنه يستهدف المعتقلين الفلسطينيين من القطاع، إلا أنه وعند مناقشته في الكنيست اتضح أن المشَّرع أقل ليبرالية من الأجهزة الأمنيّة، حيث إنها فرضت سريانه على كل المعتقلين الأمنيين دون استثناء ليشمل المواطنين أيضاًً. ويأتي هذا القانون مكملاً لقوانين أخرى تم تشريعها في الثمانينيّات والتسعينيّات من القرن الماضي، والتي تجيز تمديد اعتقال مشتبه أمني لفترات تراكمية مدتها 21 يوما دون السماح له بملاقاة محاميه والتشاور معه، ويتم الإجراء القضائي على شاكلة المسرح الذي يحظر حضور المحامي والمشتبه به في قاعة المحكمة في آن واحد، حيث يتم خروج أحدهما عند وجود الآخر في قاعة المحكمة لمنع التواصل بينهما. أما بما يتعلق بفترة الاعتقال، فإن المحكمة مخولة بتمديد اعتقال مشتبه به لفترة 45 يوما دون تقديم لائحة اتهام ضده بإذنٍ من المستشار القضائي، ولقاضي المحكمة العليا صلاحية تمديد فترة الاعتقال حتى 90 يوماً، وأن يعود ويجدد أمر الاعتقال مرة تلو الأخرى دون أي تقليد.

ما من شك أن المرجعية القانونية التي تنظم أمر تمديد اعتقال المشتبه الأمني يشكل انتهاكاً فظاً لمبدأ استقلال القضاء إذ يحق لكل فرد وبإسم العدالة أن يمثل أمام المحكمة بصورة علنية لكي يحاكم بإنصاف من قبل محكمة مستقلة وحيادية وفقاً للمبادئ المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية لأن القضاء المستقل هو أمر لا يستغنى عنه لممارسة الحق.

كيف يمكن الحديث عن استقلالية القضاء عندما يقوم قاض ٍ بتمديد اعتقال مشتبه أمني بغيابه – أو بغياب وكيله- خلافاً لواجباته الأساسية بالسهر على احترام حقوق الأطراف المتنازعين وإجراء المرافعات بينهم بصورة عادلة ومنصفة.

يعتبر القضاء المستقل وحق المواطن في الالتجاء إليه أحد الأمور الجوهرية في إحقاق العدل واحترام حقوق الإنسان في ظل سيادة سلطة حكم القانون.
إن القضاء المستقل هو الذي يحمي مسار العدالة في المجتمع فيؤدي لكفالة الطمأنينة في نفوس المواطنين ويرفع العمل القضائي فوق نطاق الشبهة والتحكم فيعطي للعدالة معناها الحقيقي. أما عندما يقوم القاضي باتخاذ قرار قضائي يأمر باعتقال مشتبه أمني لم يحظ برؤيته ولا يتم إشعاره بمضمون القرار فإن ذلك لا يستقيم مع قواعد الحق والعدل وعدم الحياد والتحيز. ليس هذا فحسب، بل إن أي قرارٍ يتخذه قاض بغياب المشتبه يشكل انتهاكاً لمبدأ الرقابة على تصرفات جهاز الأمن العام وخضوعاً لهيمنة السلطة التنفيذية وغطاءً للتصرفات غير المشروعة.

وغني عن الذكر أن كلّ ما أشير إليه أعلاه يتعلق بالوضعية القانونية سارية المفعول في إسرائيل على المواطنين وهي "ليبرالية" وتطبق غالباً على المواطنين المتهمين بالقضايا الأمنية إذا ما قيست بالأوامر العسكرية التي تنظم الوضعية القانونية للمعتقلين والمشتبهين الأمنيين في الأراضي المحتلة.

إذاً هذا هو سفر التكوين الجديد في عالم ما بعد 11 سبتمبر- أمريكا التي تحمل سوطها الطويل لتعاقب الأنظمة والشعوب التي لا تحترم حقوق الإنسان بموجب قاموسها ومعاييرها فشلت فشلاً ذريعاً عند أول تقاطع طرق، طلب إليها فيها الموازاة ما بين محاربة الإرهاب على وجه حق وبين حقوق الإنسان. بريطانيا- والتي كانت وإلى وقت قريب مثال جهابذة القانون في الحفاظ على حقوق الإنسان على الرغم من عدم وجود دستور مكتوب لها- تلجأ إلى قوانين عرفية لترهيب المسلمين والتخويف منهم. أما إسرائيل فتخاف من ظهور الظنين الأمني أمام عيني العدالة لعزله وكسر معنوياته.

على كل حال ربما آن الأوان للرجوع إلى أفريقيا ليتعلم حماة الديمقراطية من زيمبابوي التي تحظر تحديد اعتقال مشتبه لأكثر من 21 يوماً، أو إلى قوانين الماغنا كارتا قبل 800 عام.

التعليقات