31/10/2010 - 11:02

من الذي بذر بذور العنف؟../ زكريا محمد

من الذي بذر بذور العنف؟../ زكريا محمد
لسنا بحاجة إلى دورة جديدة من العنف.
هذا أمر واضع للغالبية، في ما يبدو لنا.
فنحن لم نشف بعد من دورة العنف في الانتفاضة الثانية، كما لم نشف من نتائج الهجوم الإسرائيلي الدموي على غزة.
ليس لدينا طاقة بعد على العبور في ممر دموي جديد.

لكن السؤال هو: من الذي يبذر بذور العنف في بيوتنا وحدائقنا في الحقيقة؟
إذا استثنينا الاحتلال، الذي هو مولد العنف الأول، فإن المرء يستطيع أن يقول ان السياسة الرسمية الفلسطينية هي التي بذرت بذور العنف، روتها، وغذتها.

نعم، السياسة الرسمية، سياسة الرئيس عباس، التي تدعي أنها أشد أعداء العنف ضراوة، هي التي تمهد الأرض للعنف كي يتفتح. فمع وصول هذه السياسة إلى نهايتها المحتومة، تكون قد جلبت اليأس معها. واليأس قابلة العنف ومولدته؛ تسحبه من رأسه، وتضعه مدمى في صحن الدار.

سياسة متطرفة تؤدي إلى تطرف معاكس.
هكذا تسير الأمور دوما.
وقد كانت سياسة الرئيس سياسة متطرفة جدا؛ فهي معادية لأي شكل من أشكال المقاومة- وليس للمقاومة المسلحة فقط، في بلد تحت الاحتلال. وهي سياسة تعتقد ان كل شيء يحل على طاولة في الغرف المغلقة.

كما أنها سياسة ترمي الشعب وطاقته وراء ظهرها، معتقدة أن تحرك الشعب ضد الاحتلال هو الخطر الفعلي، مجندة كل طاقتها كلها لمنع هذا التحرك. سياسة الرئيس معتدلة من وجهة نظر أمريكا وأوربا. من وجهة نظر شعب تحت الاحتلال هي سياسة متطرفة إلى أقصى حدود التطرف.

وحين تكتشف هذه السياسة أنها لم تصل إلى شيء، وتحاول أن توحي بأنها تراجع نفسها، فإن أقصى ما تفعله هو تهديد الرئيس بالتنحي! وهذا يشبه ما فعله حيوان السمور في الأسطورة؛ فحين طاردته الضواري، قطع، من خوفه، خصيتيه ورماهما لها حتى ينجو!

التطرف يولد التطرف. سياسة المفاوضات العبثية، كما سميت في لحظة، أفرزت نقيضها: "الصواريخ العبثية" في غزة،. سياسة المفاوضات فقط وفقط، أفرزت نقيضها: شعار لتتوقف المفاوضات. سياسة مسالمة حتى الموت سوف تفجر العنف غير المنضبط، كما نرى بوادره في طولكرم ونابلس. النقيض يولد نقيضه.

كان يمكن للمرء أن يتفهم سياسة الرئيس عباس في أول سنتين من رئاسته. فقد كنا في وضع صعب بعد اجتياح الضفة من قبل شارون وبتأييد جورج بوش. كما ان أمريكا كانت في ذروة هجومها على المنطقة، وكنا بحاجة إلى فترة من الهدوء نستعيد فيها أنفاسنا. لكن ما هو مؤقت تحول إلى أمر دائم. وما هو سياسة للحظة تحول إلى أيديولوجيا؛ أيديولوجيا عدم المقاومة، أيديولوجيا عداء المقاومة، أي شكل اتخذت. الثبات على هذه السياسة، وعدم إيجاد بديل منطقي وعقلاني لها، كان يجمّع الغضب، ويجمّع العنف تحت السطح. وها نحن نشهد بوادر انفجاره في طولكرم ونابلس.

الاحتلال يولد العنف. لذا لا يمكنك أن تمنع تفجر العنف ضد الاحتلال. يمكنك أن توجهه، أن تسوقه، أن تنظمه، أن تفتح له مخارج، وأن تجعله أكثر عقلانية وأقل إيذاء، وان تجعله أداتك الأولى في الضغط. سياسة الرئيس كانت منع العنف فقط. لكن حتى تمنع العنف كان عليك أن تفتح المجال لأشكال أخرى من المواجهة، وأن تشجعها. فهي وحدها التي تشكل بديلا للعنف، وتخلصا منه. لكن لا الرئيس ولا حكومته فعلا ذلك.

يقول الرئيس أنه لن يسمح بانفجار انتفاضة جديدة ما دام رئيسا، لكنه لا يضمن أن لا تنفجر بعد ذهابه. غير أننا نظن أنه لا يستطيع ان يعد أحدا بذلك. فما صنعته يداه بالذات يقود إلى الانفجار والعنف بالضرورة. وهو سيغادر إلى بيته، إن غادر أصلا، وقد نصب خشبة المسرح كي يتفجر عليها العنف الذي لا ضابط له. وهكذا يكون أشد أعداء العنف هو من دفعه إلى خشبة المسرح كي نذوق طعم ناره ودخانه.

التطرف يقود إلى التطرف. في مقابل السادات ومبارك حصلنا على بن لادن. في مقابل كامب ديفيد حصلنا على الإرهاب. وفي مقابل (لا مقاومة) يتفجر العنف بدءا من طولكرم نابلس.

الرئيس كان يريد لنا ان نهدأ: (إهدوا، إهدوا)، يقول لنا. لكن هذا الطراز من الهدوء الذي دعانا إليه هو هدوء القبور في الواقع. وهدوء الموتى، هدوء المقابر، لا يصلح لشعب تحت الاحتلال.

ملاحظة صغيرة: رغم كل جهود السلطة، رغم كل ما فعلته للحفاظ على الأمن الإسرائيلي، ها هي إسرائيل تكافئها بما تستحق: اغتيالات نابلس. يعني: أنها تضربها على أمّ رأسها!

التعليقات