31/10/2010 - 11:02

من العريشة حتى انابولس: المطلوب "إعلان مشترك"!../ عبد اللطيف مهنا

من العريشة حتى انابولس: المطلوب
ما الذي تمخض أو سوف يتمخض عنه ما أصبح يعرف بلقاء المظلة، الذي عقد نهاية الأسبوع المنصرم في القدس المحتلة، هذا الذي كان بمثابة اللقاء السادس الذي تم حتى الآن بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ورئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود محمود عباس؟!

كبير مفاوضي السلطة صائب عريقات أخبرنا أن الطواقم بدأت تعمل فور تلقيها توجيهاً من قبل "الرئيسين" الملتقيين، بمعنى أن المفاوضات قد دارت عجلتها بين لجان الوفدين المرافقين، والمأمول أن لا تتوقف قبل إنجاز "إعلان مشترك" يقدم كمقترح للقاء الخريف، أو لقاء بوش الموصوف بالدولي.

أولمرت حرص على أن يتسم اللقاء ببعض الرمزية، فشاء أن يعقده في عريشة أقامها بمناسبة عيد المظلة، أو عيد العُرش اليهودي، وحدد سلفاً، عبر تسريبات مصادر حكومته، كنه هذا الإعلان، الذي تعددت مسمياته لترسو أخيراً على ما دعته صحيفة هآرتس "بيان مصالح"، وقالت أنه لن يعدو "إعلاناً عاماً لا يزيد عن صفحة أو اثنتين يلخص ما تم الاتفاق عليه" بين أولمرت وأبو مازن في هذا اللقاء الأخير من بين تلك اللقاءات الست العجاف التي تمت بين الرجلين حتى الآن، ليشكل وفق ما يأملان إطاراً "لاتفاق نهائي" قد يتوصلان إليه مستقبلاً يكون بين إسرائيل و"الدولة الفلسطينية" الموعودة، تلك التي قد تنشأ وفق رؤية بوش لهذه الدولة، والتي سوف يعقد مؤتمر الخريف العتيد لمناقشة أمرها دون سواها من القضايا المتعلقة بالصراع... أو اللقاء الذي تأمل أطرافه أن يشكل أرضية لبدء مفاوضات ما يدعى بالحل الدائم.

"هآرتس" أخبرتنا أيضاً، بأن ما كان مأمولاً من قبل الطرف الفلسطيني، بأن يكون "اتفاق إطار" لمفاوضات ما يدعى الحل النهائي، والذي خفض ليتحول إلى "اتفاق مبادئ"، ومن ثم "إعلان مبادئ" قزمة أولمرت إلى "إعلان نوايا"، وأخيراً إلى "بيان مصالح"، أو إجمالاً "إعلان مشترك"، يصر الإسرائيليون على تضمينه نقطتين:

الأولى، أن يتطرق إلى تعهدات بوش، أو ما ورد في رسالته الشهيرة إلى شارون، التي تعد الإسرائيلين بأن لا عودة لحدود الرابع من حزيران/ يونيو في أي تسوية يمكن التوصل إليها، وأن لا إزالة للمستعمرات، وأن الحدود النهائية تقرر باتفاق الطرفين، أي ما يفتح مجالاً لتبادل مناطق، بمعنى إتاحة الفرص للإسرائيليين للتخلص من كتل سكانية عربية في المحتل من فلسطين عام 1948، أي بلغة أخرى، تضمن لهم محاولة تحقيق الهدف المعروف بالترانسفير.

والثانية، "خارطة الطريق"، التي ذهبت تحفظات شارون الأربعة عشر المعروفة عليها بمضمونها، لتبقي منها الشكل المرغوب إسرائيلياً، وتحتفظ للفلسطينيين بأول وأخطر بنودها، وهو التزام السلطة "بمحاربة الإرهاب"، أي إلزامها بقمع مقاومة شعبها!

يضاف إلى هذا، ما نما بعد اللقاء، من أن طرفيه اتفقا تحت تلك العريشة على أن "لا جداول زمنية ولا اتفاق مبادئ ملزم"، وفق الرواية الإسرائيلية... إذن، طواقم لقاء المظلة منهمكة في إنجاز هذا المشترك غير الواضح الذي قد ينجم عن هذا اللقاء تمهيداً لملاقاة لقاء الخريف الغامض، أو لقاء آنابولس الأمريكية المخصص لمناقشة رؤية بوش الضبابية، المقرر عقده في قاعدة عسكرية بحرية هناك، والمرجح أن يكون هذا الانعقاد بين منتصف الشهرين الأخيرين من هذا العام، والذي يقول أبو مازن أنه يتوقع أن تحضره 36 دولة، آخر التوقعات رفعت الرقم إلى 38، والتي تقول الأنباء أيضاً، أن كونداليسا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية ستصل قريباً إلى المنطقة، إما للتأكيد على انعقاده أو للتأجيل المرجح!

هذا اللقاء الضبابي، أهدافاً ووسيلة وكنهاً، تجري التحضيرات له على قدم وساق غير آبهةً بقصر الوقت الذي ربما لا يكفي حتى للإعداد للقاء بروتوكولي مهم ناهيك عن الإعداد للقاء يستهدف حلاً مزعوماً لقضية بحجم قضية فلسطين... تحضيرات آخذة بعين الاعتبار أنه لن يعقد إلا ربما بعد تنفيذ باراك تهديداته لغزة، وانتهاء الاستحقاق الرئاسي اللبناني.

ويذكّرنا حجم الحضور الذي يحشد له ونوعيته بما كان من أمر حجم ذاك التحالف المغطي لعملية غزو العراق، وهو إن ما أخفى لا يخفي كون أن هذه التحضيرات الجارية تسير على وقع تسارع تفاقم الأزمة الأمريكية، بتداعياتها الداخلية والدولية، في العراق، والتوتر الأمريكي – الإيراني، وبرسمهما، بل يمكن القول أنه على ذات الوقع لتلك الأزمة وذلك التوتر يمكن قراءة جل الحركة السياسية الأمريكية، ليس فيما يتعلق بفلسطين وحدها وإنما في المنطقة بأسرها... باختصار المطلوب أن يتمخض اللقاء الخريفي عن ما قد يخدم المشروع أو المشاريع الأمريكية في المنطقة، أو ما يسهم في إقالتها من عثراتها.

...وتحضيراً للقاء الخريفي أيضاً، وعلى الجبهات الفلسطينية والإسرائيلية والعربية والأمريكية، يحدث ما يلي:

فلسطينياً، إغراق رام الله بالوعود الخلبية حول تسهيلات ميدانية تقدم للشق الرئاسي من السلطة في رام الله المحتلة دعماً لها ونكاية بالشق المقال منها في غزة المحاصرة، ولمنع توسع نفوذ حماس في الضفة... أو ما يعرف بسياسة "جنة الضفة مقابل جحيم غزة"! وضخ الكلام الموهم الكثير حول الدولة الموعودة، مع تدويخ الموعودين بها بمسميات "الإعلان المشترك" المتبدلة التي مرت الإشارة إليها، تحضيراً للخوض في رؤية ما ثمة ما يمكن رؤيته من خلال ضبابيتها. وبغض النظر عن كنه أو ماهية، أو حتى استحالة قيام مثل هذه الدولة العتيدة، التي يمكن أن تعطى مستقبلاً للفلسطينيين، ويلوح بها في موعد وفق ما يبدو هو في علم الغيب!

إسرائيلياً، وقبل لقاء المظلة، تم الإعلان عن مشروع تهويدي يقضي بإتمام فصل مدينة القدس بكاملها عن الضفة المحتلة، وفصل شمال الأخيرة عن جنوبها، وذلك بوضع اليد على مساحة 12 كيلومترا مربعا تقام عليها 3500 وحدة سكنية، وعدد من الفنادق، وحديقة، بالإضافة إلى طريق سريع إلى البحر الميت من أربعة خطوط...

باختصار، المشروع الذي يحاصر شرقي المدينة المقدسة بالمستعمرات، ويحاصر حوالي 60 كيلومتراً من أراضي الضفة، ويحاذي قرى العيزرية وعناتا وأبو ديس، التي يفصلها عن بعضها البعض الجزء من الجدار التهويدي المسمى "غلاف القدس"، يمنع مجرد التفكير في إمكانية أن تغدو المدينة المحاصرة ذات يوم عاصمة للدولة الموعودة، المحاصرة بدورها برؤية بوش وبما يدبره لها أولمرت!

عربياً، حثت تسيبي ليفني العرب على "ألا يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين"... وألا يعرقلوا أية تنازلات يقدمها الفلسطينيون!
وحيث قالت بأن "على العرب الموافقة على صفقة مع إسرائيل"، تنهي قضيتهم المفترض أنها المركزية في فلسطين، زادت:
أن "على الدول العربية الاندماج في عملية سياسية مع الفلسطينيين في إطار تطبيع تدريجي في العلاقات مع إسرائيل"!

أمريكياً، وقع 76 سناتور أمريكي، خمسة من بينهم هم مرشحو رئاسة، وجهوها لوزيرة خارجية بلادهم القادمة للمنطقة قريباً، تطالب:
بـ"دفع دول عربية صديقة إلى اتخاذ إجراءات جريئة لتشجيع الجهود الأمريكية في المنطقة"، مثل:
"الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وإنهاء المقاطعة الاقتصادية، وعدم استغلال ورقة عدم الاعتراف بها من أجل المساومة على تسويات معها مستقبلاً، والضغط على حماس لكي تعترف بإسرائيل وتنبذ العنف، وعزلها لتنصاع إلى ذلك، ودعم حكومة سلام فياض مالياً وسياسياً"!!!

من لقاء المظلة حتى لقاء بوش الخريفي المؤكد أو المؤجل، الإسرائيليون، الذين يتقنون توزيع الأدوار، حيث يقول باراك أنه لا يوجد فلسطيني لنتحدث معه، وتؤكد ليفني أنها ضد التعرض للقضايا الجوهرية، يسايرون حليفهم المأزوم الملتزم بما يريدونه من اللقاء الذي يتعهده ويرعاه. وفلسطينيو السلطة يبدو أنهم مستعدون للذهاب بلا تحفظ لهذه المحطة الخطرة، حتى بلا تفويض مجمع عليه وطنياً. والعرب، أو ما يدعى منهم، هم حتى الآن ما بين المكره والراغب والمتحفظ والمتردد، وفي كل الأحوال، أو في المحصلة، فإن من سيذهب منهم، هو كمن يستدعي للقاء الخريفي في آنابولس بمذكرة جلب...

وأخيراً، تظل "الدولة" أو شعارها، في إطار المفهوم الإسرائيلي لها والرؤية البوشية لمعالمها، وبعيداً عن جوهر القضية الفلسطينية، بمثابة طعم يستدرج تنازلات، أو عدة شغل إيهامية أمريكية إسرائيلية وغربية عموماً، لتصفية قضية قضايا الأمة في فلسطين... في موعد خريفي قد يؤكد أو يؤجل، لكنه، إسرائيلياً، يراد له أن يبقى مجرد محطة تطبيعية. وأمريكياً، حدث كرنفالي منشود من شأنه أن يخدم مشاريعهم في المنطقة... وقد يسهم في إقالة المتعثر منها من كبوته، أو يسهل لهم من مأزقه مخرجاً.

التعليقات