31/10/2010 - 11:02

من النكبة الى الدولة الواحدة.. / الأسير حسام خضر*

من النكبة الى الدولة الواحدة.. / الأسير حسام خضر*
لعل ما يميز الذكرى السنوية الثامنة والخمسين للنكبة هما جملة المعطيات والتحولات الكبرى التي أفرزها الواقع لدى الجانبين الفلسطيني والأسرائيلي على حد سواء، ففلسطينيا حدثت انتخابات تشريعية هي الثانية من نوعها، بعد تلك التي أجريت عام 1996، هذه الانتخابات الثانية أدت إلى تحول حاد في النظام السياسي الفلسطيني برمته، ففوز حماس شكل ضربة موجعة لكل دعاة التسوية عبر إمكانية إقامة دولتين لشعبين، وأعطى شرعية لخيار المقاومة، وشكّل ضربة لكل من أساء استخدام السلطة طوال السنوات العشر الماضية، ولكنه في ذات الوقت وضع حركة حماس أمام جملة من الأسئلة المحرجة التي لم تجب عنها لغاية اللحظة بل تحاول الالتفاف عليها كلما طرحت، وأهمها كيفية إدارة المقاومة والسلطة في آن، وما هو مشروعها المرحلي، وموقفها الواضح والصريح من الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، وهل هي حقا قادرة على الالتزام بكافة متطلبات السلطة في الوقت الذي يشتد الحصار عليها يوما بعد يوم ؟.

على الجانب الإسرائيلي هناك انقلاب آخر لا يقل أهمية عن الانقلاب الحاصل في الساحة الفلسطينية، ويتلخص هذا التحول الكبير في ظهور حزب الوسط الجديد ( كاديما) كمجموعة سياسية جديدة، وكحزب (قومي)، ليس مؤقتاً أو طارئاً بل من المؤكد أنه جاء استجابة واقعية للتطلعات والاستفسارات التي بدأت تثار لدى الاسرائيليين طوال السنوات العشر الأخيرة، وبالتأكيد جاء هذا الوسط الجديد / كاديما لتحقيق حل على الأرض للصراع دون دفع الثمن السياسي المطلوب.

ويحرك هذا الوسط الجديد جملة من التخوفات من الخطر الديمغرافي الفلسطيني، ومن احتمال قيام دولة واحدة على أرض فلسطين التاريخية ( ديمقراطية/ ثنائية القومية )، من هنا كانت الرؤيا للفصل كحل ضد تطور الأمور باتجاه الدولة الواحدة، وحشر الفلسطينيين في أصغر بقعة من الأرض، وضم ونهب أكبر مساحة( مستوطنات، غور الأردن، القدس ومحيطها، الآبار ) لتصبح خارج الجدار العنصري/ ليسهل ضمها لاسرائيل عندما يحين وقت ترسيم الحدود على الطريقة الشارونية / الأولمرتية، وهنا ستسهل إسرائيل قيام دولة فلسطينية محدودة السيادة، مجزأة، محدودة الصلاحيات، مستباحة أمنيا، وستصبح مهمة سلطة هذه "الدولة" فقط القيام بالأمور الداخلية من خدمات وصحة ومجار وشؤون اجتماعية.أمام هذه الإجراءات الإسرائيلية من جدار عنصري، وضم ونهب للأراضي، وعزل للسكان، وإقامة المعازل والكنتونات – البانتوستانات على الطريقة الجنوب أفريقية في مرحلة الأبارتهايد، لا أفق أمام حل الدولتين كخيار لحل الصراع على أرض فلسطين التاريخية، بل إن الإجراءات الإسرائيلية تؤكد نظريتنا التي طالما تبنيناها من كون النكبة كحدث تاريخي لا زال مستمرا، ولعل الخطير اليوم أن الجدار العنصري في إحدى نتائجه وتمظهراته خلق حالة لجوء جديدة، لكن هذا اللجوء لا زال مسكوتا عنه، فنحن نتحدث اليوم عن فصل مجموعة ضخمة من البشر عن مصادر رزقهم – الأرض، وبدأنا نتحدث عن مفاهيم كفلاح بلا فلاحة، ومواطن بلا أرض، ولا أحد يدرك ما ستفرزه هذه النكبة الجديدة- المستمرة من نتائج كارثية وآلام وأحقاد لن تخمد.

على الفلسطيني أن يدرك ولو متأخرا بأن فكرة حل الدولتين لشعبين قد ماتت، وتم دق المسمار الأخير في نعش هذا الحل على يد بوش بوعده الجديد والذي أعلن فيه أن خطوط وقف إطلاق النار عام 48 أصبحت لاغية، إن هذا الوعد الجديد هو من أعطى الدافعية الكبرى لشارون لكي يخطو خطوات كبيرة نحو الانسحاب من جانب واحد، وترسيم الحدود، والابتعاد عن فكرة الشريك التفاوضي، بل بناء جدار يحمي الاجراءات أحادية الجانب وبغطاء أمريكي.كأي دراما تاريخية، نسترجع بنوع من الحزن فكرة قديمة ناضلنا من أجلها سنوات ولكننا نسيناها ( حل الدولة الواحدة)، ونعود إليها اليوم لننفض الغبار عنها، ونعيدها إلى الصدارة كحل هو الأكثر واقعية أمام استحالة تطبيق حل الدولتين.

وكلاجئ فلسطيني لطالما فكرت واعتقدت أن حل الدولتين سيتم إفشاله إسرائيليا، وأننا سنعود الى نقطة البدايات، دولة واحدة سواء كانت ديمقراطية - علمانية أم ثنائية القومية، وهذا الحل بكل تأكيد ينسجم مع كون فلسطين كمكان وموقع وجغرافيا واقتصاد وتاريخ غير قابل للقسمة على اثنين.

ولعل فشل أوسلو كحل في تحقيق دولة فلسطينية قادرة على الحياة والاستمرار سيؤدي حتما إلى المحاولة في البحث من قبل جموع الفلسطينيين لإيجاد حل يوحّد طاقة كل الفلسطينيين وإمكاناتهم وبكل تأكيد لن يخرج هذا الجهد عن فكرة الدولة الواحدة، وهذا الحل سيعني حتما ممارسة كل الفلسطينيين لحقهم في تقرير المصير سواء كان في أرض 48 أو الضفة وغزة أو الشتات، وأيضا هذا الحل سيضع حدا لتشتت الشعب الفلسطيني، وسيعود الفلسطينيون ليطوروا هويتهم الجماعية بعد كل ما عانوه من لجوء وشتات ومحاولات يائسة للتذويب والتجنيس، وسيشكل حل الدولة الواحدة الخطوة الأكثر أهمية لإفشال البانتوستانات الصهيونية.هذا الحل سيعزز من صمود حركة العودة الآخذة بالاتساع والانتشار، وسيمثّل مدخلا واقعيا لحل قضية اللاجئين على أساس الحقوق، وبدون أية مقايضات سياسية او تنازلات،.

وأمام هذا التحدي التاريخي الكبير فإننا مطالبون، بصفتنا لاجئين ولفلسطينيين، بالتفكير الجدي والبحث عن رؤية موحدة تستند لهذا الخيار الذي أصبح ممكنا وواقعيا أمام انهيار حل الدولتين، وبكل تأكيد هذا الحل لا زال بحاجة إلى البناء عليه من الناحية المفاهيمية، والأكاديمية، لأنّ ما كتب حول هذا الموضوع يظل شحيحا، ومطلوب من حركة العودة وناشطيها ومفكريها صياغة رؤى حول كيفية ممارسة اللاجئ لحقه من خلال هذا الحل، وعلى حركة العودة أن تترجّل وتعلن تبنيها لهذا الخيار، لاسيما وأن حركة العودة قد تأخرت في طرح رؤيتها للحل السياسي للصراع، وبكل جدية آن الأوان لحركة العودة أن تنخرط بشكل فعلي في عملية الفعل السياسي، وعدم الاكتفاء بالهوامش التي كانت تضع نفسها فيها.

صحيح أن الإسرائيليين سيرفضون هذا الحل لأسباب لن أخوض فيها الآن، ولا أظنها خافية على كل من يعرف هؤلاء الطامعين على حقيقتهم.. ولكن صحيح أيضا أنها محاولة قد تعود بكثير من الفوائد والمكاسب، إذا نحن عرفنا كيف نضغط باتجاه إنجاحها، ووضعها موضع التنفيذ العملي مرحلياً على الأقل!



** رئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين سجن بئر السبع /قسم إيشيل

التعليقات