31/10/2010 - 11:02

من بلفور الى بوش - تشريع السطو الصهيوني/ نواف الزرو

-

من بلفور الى بوش - تشريع السطو الصهيوني/ نواف الزرو
بحلوله في الثاني من الشهر الجاري يكون قد انقضى 91 عاما على "وعد بلفور" النكبوي الذي منح الوطن الفلسطيني للمشروع الصهيوني" هكذا ببالغ الصلف والظلم والانتهاك لكافة القرارات والمواثيق الاممية...،

وتتجدد هذه المناسبة والذكرى التي لا تموت كما في كل عام ، وتتجدد معها الذاكرة الوطنية الفلسطينية المكتوية بجحيم بلفور...،

ونستحضر في هذه الايام الفلسطينية ذلك الوعد الذي اطلق عليه"وعد بلفور الصادرعام "1917 لنربطه استراتيجيا بما يخيم على المشهد الفلسطيني الراهن ، الذي يهيمن عليه ايضا ذلك الوعد الآخر الذي اطلق عليه"وعد بوش ـ 2004 لشارون" ، فكلاهما يتكاملان في تشريع"السطو الصهيوني المسلح" على الوطن الفلسطيني من نهره الى بحره...،.

فالوعد البوشي للبلدوزر الصهيوني - شارون - في عهده - ينطوي - كما كنا كتبنا مرارا في هذه المناسبة - على جملة لا حصر لها من التداعيات والتحديات والاخطار الداهمة التي تتهدد بضياع فلسطين العربية من البحر الى النهر الى ابد الآبدين ، فوعد بوش لشارون وضع فلسطين عمليا بين وعدين تاريخيين يتلاقيان على الاجهاز الكامل الشامل والمطلق على فلسطين لصالح المشروع الصهيوني و"الدولة اليهودية النقية".

ولذلك لا مبالغة ان قلنا ان"وعد بوش" انما يكمل ويتمم "وعد بلفور"من حيث منطلقاته ومضامينه واهدافه وتداعياته ، ويمكننا بالتالي ان نضع خطوطا مشددة تحت اهم استخلاص في هذا السياق وهو ان الصراع في فلسطين يعود في ظل "وعد بوش" وفي ظل خطط الاستيطان والجدران والتهويد الى بدهياته الاولى والى مربعه الاول.

بل ربما يكون هذا الوعد اخطر من بلفور ، فهاهو سفير "إسرائيل" في الولايات المتحدة داني أيالون يعلن بمنتهى الوضوح :"إن رسالة بوش في الرابع عشر من نيسان ـ إبريل 2004 إلى شارون ، والتي اعترف فيها بالكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية ، وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل ، تشبه في أهميتها التاريخية وعد بلفور ، ـ عن وكالات 1 ـ 11 ـ "2006 ، وأكد:"أن رسالة بوش تعتبر وثيقة أهم من تصريح بلفور ، وبحسبه فإن الرسالة ستكون الأساس للتوصل إلى أي اتفاق في المستقبل".

فاذا كان "وعد بلفور" المشؤوم قد اسس على نحو مبيت ومبرمج وتآمري لاقامة الدولة الصهيونية و"منح ما لا يملك لمن لا يستحق" فان "وعد بوش" يكمله عمليا في الجوهر والمضمون والتداعيات على الارض الفلسطينية.

وان كان "وعد بلفور" آنذاك قد اسس لنكبة فلسطينية كبيرة ومستمرة ومتفاقمة فان "وعد بوش" لشارون ليس فقط يكرس ويعمق النكبة والمعاناة والظلم والطغيان التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني وانما ينتج نكبة فلسطينية اخرى ، ويلحق بالفلسطينيين المزيد من المعاناة والالم والعذاب.

واذا كان "وعد بلفور" قد ادى في المحصلة الى ضياع %78 من فلسطين لصالح الدولة الصهيونية هكذا ظلما وافتراء وإرهابا ، فان "وعد بوش" انما يجهز على ما تبقى من فلسطين ويصادرها هكذا ظلما وافتراء وإرهابا وطغيانا لصالح تلك الدولة.

واذا كان "وعد بلفور" قد حمل في أحشائه تطهيرا عرقيا وإلغاء شاملا للوجود العربي وللحقوق التاريخية العربية الفلسطينية في فلسطين لصالح "الوطن القومي لليهود" ، فان "وعد بوش" يحمل في احشائه ايضا المرحلة التالية المتممة لحرب التطهير العرقي والالغاء السياسي التي تشنها الدولة الصهيونية على الشعب الفلسطيني في الوقت الذي يقود هذا الوعد في تطبيقاته النهائية الى الاجهاز على الحقوق التاريخية والحضارية والسياسية الوطنية والانسانية للشعب الفلسطيني.

واذا كان "وعد بلفور" يشكل انتهاكا سافرا للقرارات والمواثيق الدولية فان "وعد بوش" ، وبعد واحد وتسعين عاما من بلفور يشكل ليس فقط انتهاكا سافرا للقرارات الدولية ، بل يشكل انتهاكا سافرا واستباحة صارخة للمجتمع الدولي كله ، وللامة العربية على نحو خاص وللقرارات والمواثيق الدولية على نحو اخص ، اذ تقوم الادارة الامريكية عبر هذا "الوعد" بالانقلاب على مفاهيم ومبادىء القانون الدولي وتضرب بعرض الحائط الشرعية والعدالة الدولية وكذلك المشاعر والوجود والحقوق العربية العادلة..؟،،

فاذا كانت تلك القرارات الدولية التي اعتبرت ظالمة ومجحفة في حينها قد منحت الدولة اليهودية اكثر من نصف مساحة فلسطين هكذا ، فان "وعد بوش" بتداعياته على الارض يصادر ويهوّد كامل فلسطين ويجهز على مقومات الاستقلال الفلسطيني ويغتال الامال والطموحات والتطلعات والحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة ويعدم من جهة اخرى كل مشاريع واحتمالات وفرص التسوية السياسية مهما كانت..،

فبعد ان منح "بلفور" وطنا قوميا لليهود في فلسطين نتج عنه النكبة واللجوء والتشرد يأتي بوش ويطالبنا ليس فقط بالتخلي عن حق العودة الى فلسطين المغتصبة ، وانما بالتخلي ايضا وعمليا عن حق وحلم اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة حتى على مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة.

ذلك ان العودة الى حدود حزيران 1967 مستحيلة كما اكد بوش ، في الوقت الذي يعترف فيه بحق "اسرائيل" في ضم التكتلات الاستيطانية المنتشرة في انحاء الجسم الفلسطيني ، والتي تبتلع حسب التقديرات وحسب مخططات شارون نفسه من 55 - %60 من مساحة الضفة الغربية ، في الوقت الذي يوافق بوش على مواصلة "اسرائيل" بناء الجدران العنصرية التي تقطع أوصال الجسم الفلسطيني الى جيوب ، وتحول ما يقع من أراض وسكان بين الجدار الكبير والنهر الاردني الى معازل عنصرية ومعسكرات اعتقال جماعية قمعية للفلسطينيين ..

ليصل ظلم وابتزاز بوش للفلسطينيين الى ذروة بشعة غير مسبوقة بمطالبتهم بمحاربة "الارهاب" متعهدا "ان دولة فلسطين لن تقوم لها قائمة طالما ان الفلسطينيين لا يحاربون الارهاب ولا ينخرطون مع الدول العربية الاخرى في محاربة الارهاب.. وطالما انهم لا يقومون بالاصلاحات الداخلية ولا ينفذون الديمقراطية" ، في الوقت الذي منح فيه الارض والمستعمرات والجدران والامن و"حق الدفاع عن النفس لاسرائيل" الذي يعني عمليا مواصلة حرب الاجتياحات والاغتيالات والقتل والتدمير؟،،

ولكن...؟،،

لم يكن "وعد بلفور" ليرى النور ويطبق على ارض الواقع في فلسطين لو تحملت الامة والدول والانظمة العربية حينئذ مسؤولياتها القومية والتاريخية؟

ولم تكن فلسطين لتضيع وتغتصب وتهوّد لو تصدى العرب للمشروع الصهيوني كما يجب...،

ولم تكن فلسطين لتتحول الى "وطن قومي لليهود" لو ارتقى العرب الى مستوى "الوعد والحدث"...؟،،

وما بين "بلفور وبوش" نقول:

لم يكن "وعد بوش" ليرى النور ايضا لو لملم العرب انفسهم وارتقوا الى مستوى الحدث والاخطار الداهمة الاتية عليهم من الجهات الاربع؟،،

ولم يكن بوش ليتجرأ هكذا بمنتهى الاستخفاف بالعرب وبمنتهى الاحتقار لهم على "منح ما لا يملك لمن لا يستحق" وعلى منحه ترخيصا مطلقا مفتوحا للدولة الصهيونية بمواصلة الاغتصاب والتهويد واقتراف المجازر والاغتيالات ضد الشعب الفلسطيني لو شكل العرب ظهيرا وعمقا ودرعا ودعما حقيقيا للفلسطينيين..؟،

فاذا كان "وعد بلفور" قد ترتبت عليه مجازر جماعية وجرائم حرب لا حصر لها ، ونتجت عنه على نحو خاص "مجازر سياسية وحقوقية" فان "وعد بوش" حمل ويحمل لنا الاخطر والابشع والاشد كارثية من المجازر الجماعية الدموية والسياسية على حد سواء ، فهو يحملنا مرة اخرى الى بدهيات الصراع الاولى بوصفه صراع وجود وهوية وسيادة وحاضر ومستقبل...

فإما ان تكون الامة او لا تكون..؟،

التعليقات