31/10/2010 - 11:02

من "قانون السود" إلى قوانين "العرب والمسلمين": أمريكا والعالم/ خالد الحروب

من
اسم القانون: قانون السود، التاريخ: عام 1848، المكان: بلدة جورجتاون قلب واشنطن وصانعة كثير من تاريخها وشخوصها. بعض بنود القانون تقول ما يلي:" كل شخص أسود يستحم في بوتومك أو روك بين الخامسة صباحا والتاسعة مساء يعاقب بالجلد في مكان عام.. أي أسود يطير طيارة ورقية سوف يعاقب بالجلد.. أي أسود يضبط وهو يتفرج على ألعاب مبارزة الديوك يعاقب بالجلد 39 جلدة.. إذا ضبطت أية مواد مكتوبة مع أي شخص أسود حر يمكن أن يفهم منها تحريض السود فإنه يعاقب.. وإذا أقدم أسود عبد على نفس الفعلة فإنه يعاقب بالجلد 39 جلدة إضافة إلى معاقبة مالكه بغرامة، وفي حال امتنع المالك عن دفع الغرامة فإن العبد يجلد 39 جلدة إضافية.. ممنوع على السود التجمع لأكثر من سبعة أشخاص في أي مكان في المدينة.. ممنوع على السو.. ممنوع على السود.. ممنوع على السود..".

كان هذا القانون سيىء الصيت قد أصدره بيض جورجتاون للتخلص التدريجي من عدة مئات من السود الذين كانوا "يلطخون نقاء البلدة وبياضها". وكان ذلك بعد مرور ثلاثة قرون تقريبا على نشوء تجارة العبيد التي صدرت عشرات الملايين منهم من أفريقيا إلى "العالم الجديد". جورجتاون هي موئل تفاخر الوجدان الرسمي الامريكي، فمنها جاء وفيها عاش عدد من "الآباء الأوائل". وفي مساحتها الصغيرة، الأربعة أميال المربعة، رسمت فصول من التاريخ الأمريكي الحديث، لكن أياً من تلك الفصول لم يرصد مأساة السود فيها والعبيد الذين كانوا يعيشون في أقبيتها حيث الرطوبة والظلام الدامس والحياة المقصوفة. في تلك المدينة، محط فخر البيوريتانية البروتستانتية الأمريكية، كان محظورا على السود أن يرتادوا الكنائس البيضاء، وعندما سمح لهم بذلك خصصت لهم مداخل وأماكن خاصة بهم.

وعندما كانوا يحاولون بناء كنائس خاصة بهم، كان طلبهم يُرفض على طول الخط. وعندما سمح لهم في نهاية المطاف بإنشاء دار عبادة خاصة بهم، كان الشرط أن يكون القسيس وراعي الكنيسة من البيض.

في تلك المدينة أيضا، نقل عن توماس جيفرسون أحد أهم الآباء الأوائل الأمريكييين والذي يثير مجرد ذكر اسمه عند الأمريكيين كل مفاخر الحرية والليبرالية والمساوة و"الحلم الأمريكي"، قوله "إن السود عجزه، وعاطفيون، ونزقون، وضعيفو الكفاءة". وفي تلك المدينة ولضبط "بياضها"، وبعد مرور أكثر من قرن على صدور "قانون السود" سيىء الصيت، عاد الكونغرس وأصدر عام 1950 قانونا للمحافظة على الأماكن ذات الصبغة التاريخية فيها، بما يضمن إزالة كل أحياء السود الشعبية وطرد سكانها.

وقريبا من ذلك التاريخ وفي نفس تلك المدينة أيضا لم يتردد جون كندي الديموقراطي وأحد أهم رؤساء أمريكا الليبراليين ودعاة الحرية من التوقيع على تعهد طوعي عندما أشترى بيته هناك ينص على "أن يتعهد المشتري بعدم السماح لأي زنجي، أو أي شخص دمه أو أصوله زنجية، بأن يستخدم البيت، أو يشتريه، أو يستأجره" في المستقبل.

لا يحتاج المرء للغوص في أعماق كتب التاريخ ليقرأ فصولا من أشد فصول الإنسانية انحطاطا، وهي العنصرية البيضاء ضد السود. بل يكفي أحياناً تصفح مقالة هنا أو هناك وقراءة التجارب الشخصية لكثيرين ممن ما زالت ذيول ذلك التاريخ الأسود تحيط بهم أو تحاصرهم أو تخرج على حين فجأة من بين جدران بيوتهم. وهذا ما حدث مع الكتاب الأمريكي المستنير أندرو ستيفن عندما أكتشف قبوا منخفض السقف، لا يصلح لأن تعيش فيه الفئران، تحت بيته في جورجتاون يحتوي على أدلة بأنه كان المكان الذي ينام فيه العبيد التابعين لأهل ذلك البيت. ومن بين الأوراق والحاجيات القديمة التي عثر عليها وجد أوراقاً عليها تفصل بأرقام وأوصاف بعض النفقات وأسعار الرقيق مقارنة ببعض "الممتلكات" الأخرى كما يلي: زنجيان ذكور 300 دولار، إمرأة زنجية 150 دولارا، أربع زنجيات صغار 150 دولارا، حصانان 200 دولار، بقرتان 300 دولار. ويصف ستيفن الخزي الذي شعر به كأمريكي وهو يقرأ تلك الأرقام والتي تقول إن سعر حصانين أعلى من سعر رجل زنجي، وأعلى من سعر أربع فتيات زنجيات.

مناسبة هذا الحديث هو العنصرية المتصاعدة في الولايات المتحدة تجاه العرب والمسلمين لدرجة تذكر بالممارسات العنصرية التي عانى منها عشرات الملايين من السود لعدة قرون في أمريكا. هذه العنصرية تتغذى بشكل يومي، لدرجة التخمة من الخطاب والممارسة الفاشستية لجورج بوش والمحافظين الجدد، القائم على بيوريتانية مسيحية متعصبة تنظر لذاتها وكأنها تقوم بمهمة مقدسة بتوكيل من الخالق. خطورة هذا الخطاب أنه يعمي على الممارسات العنصرية ويشرعنها ويخلق لها مسوغات ومبررات دينية تحلل القيام بأقصى ما يمكن أن يتوقعه المرء من وحشيات (كما كان قد شرح بإبداع مايكل بريور في كتابه الإنجيل والاستعمار). وهو خطاب يعيد تصعيد العنصريات التي وجدت لها ذات زمن مكان رئيسي في البنية التحتية للمعمار الأمريكي، وتم تهميشها لاحقا مع حركة الحقوق المدنية وسيادة خطاب الحريات العامة والمساواة. لكن بقي وحش العنصرية ضد "غير البيض" و"غير المسيحيين" كامنا هناك تحت السطح، يتوق للخروج والإنقضاض على التوجهات الليبرالية واليسارية الداعية إلى ترسيخ المساواة والالتصاق المبدئي بفكرة الحقوق المدنية. وكما كان السود في الماضي هم ضحايا خطاب التوحش العنصري، فإن عرب ومسلمي أمريكا الآن، وإن بدرجة أخف، يحتلون تدريجيا وبتسارع، موقع الضحية التي تعاني من صعود العنصرية الثقافوية في الولايات المتحدة.

هناك، أيضا وبالتأكيد، دور أساسي لما قام به الإجرام القاعدي والبنلادني في تسعير أوار العنصريات الغربية ضد العرب والمسلمين علينا أن نتغافل عنه. فذلك الإجرام قام بدور الفتيل الذي أشعل حرائق لا يعرف أحد كيف يمكن أن تنطفىء، وهو أيضا ينطوي على عنصرية بشعة ضد الغرب تعتبره كلا مصمتاً يتساوى فيه المدنيون والعسكريون، المواطنون العاديون وصناع قرارات الحرب والعدوان. خطر هذه العنصرية القاعدية هو نظير خطر العنصرية البوشية إذ كلاهما يصدران عن نظرة دينية متعصبة تسوغ أية جريمة وتلبسها لبوس الدين، وكلاهما اليوم يتعاضدان، في الولايات المتحدة وما بعدها، لموضعة العرب والمسلمين في العالم في موقع الاستهداف للعنصريات المتربصة والمتفلتة للانطلاق والتخريب.


"الدستور"

التعليقات