31/10/2010 - 11:02

من قمة القول إلى قمة الفعل../ د. عصام نعمان*

من قمة القول إلى قمة الفعل../  د. عصام نعمان*
لا تشكو قمم الملوك والرؤساء من قلة القول بل من من كثرته. لعلها شكت وتشكو من قلة الحيلة. مردّ ذلك كان وما زال نقصاً في الإرادة وبالتالي نقصاً في الفعل.

اليوم يجد الملوك والرؤساء أنفسهم وأمتهم وبلادهم أمام تحدياتٍ جلّى هيهات ينفع فيها ومعها قول من دون فعل. ترف الكلام المرسل ما عاد يجدي فتيلا. انه ليس نقصاً فحسب بل بات نقيصة.

التحديات التي تواجه العرب كثيرة. ليس من قبيل المبالغة القول إن كل قطر عربي أصبح بحد ذاته قضية، إن لم تكن قائمة فهي قادمة. فوق ذلك، تبدو أمريكا وكأنها في أساس هذه القضايا كلها. إن لم تكن هي سبب نشأتها فإنها على الأقل علّة التعثر في معالجتها.

إلى ذلك كله، تبدو أمريكا في صدام ليس مع العرب فحسب بل مع المسلمين أيضاً. ليس مردّ ذلك “إسرائيل” وحدها بل انتقال أمريكا إلى حال صدام شامل مع الإسلام.

أجل، أمريكا اليوم أضحت في حرب على الإرهاب الذي بات مرادفاً في خطاب جورج دبليو بوش للإسلام ذاته. فلكل قضية عربية أو إسلامية تهمة أمريكية جاهزة اسمها الإرهاب والإرهابيون، أي الإسلام والمسلمون. هل يعقل أن يصبح الإسلام تهمة وسبباً لنقمة؟

باختصار، العرب باتوا في صدام مع أمريكا، وهو صدام يستدعي أن يكون لهم حياله موقف موحد يتجاوز القول إلى الفعل. ماذا يفعل العرب وكيف؟

ثمة ساحات أربع يتصف فيها الصدام مع أمريكا بسخونة لافتة ومتزايدة، تستوجب معالجة سريعة ومركّزة. أولى الساحات وأكثرها خطورة فلسطين. فهي لا تعني الفلسطينيين وحدهم بل تعني أيضاً بلدان الجوار، لأن الفلسطينيين موجودون فيها، متداخلون في نسيجها الاجتماعي، وناشطون في ميادين حياتها اليومية.

الفلسطينيون موجودون وناشطون في داخل “إسرائيل” ذاتها وفي لبنان وسوريا والأردن والعراق ومصر، ناهيك عن السعودية والخليج. فوق ذلك، ثمة حصار مضروب على الفلسطينيين تقوده أمريكا و”إسرائيل” وتجاريهما فيه أوروبا. مردّ الحصار وصول حركة “حماس” الإسلامية إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية، لكن ذلك لم ينفِ عنها تهمة “الإرهاب” لمجرد انها إسلامية. حسناً، الفلسطينيون تمكّنوا أخيراً من أن يأتلفوا جميعا في حكومة وحدة وطنية، فهل يعقل أن يبقى شعب بأكمله مدموغاً بتهمة الإرهاب؟ ما يقتضي ان تفعله قمة الملوك والرؤساء هو تفعيل قرار سابق لمجلس جامعة الدول العربية بخرق الحصار المضروب على شعب فلسطين والعمل على رفعه دونما إبطاء. هذا قرار مصيري يجب ان يصبح نافذاً بقوة وبالقوة إذا اقتضى الأمر، لأنه مناط حياة الشعب الفلسطيني. كل تلكؤ في هذا المجال تواطؤ مع العدو يصل إلى حدود المشاركة في القتل ويستوجب الرد بكل الأشكال المتاحة.

ثانية الساحات بلاد الرافدين. فيها ارتكبت أمريكا جهارا نهاراً، وما زالت جريمة العصر. يجب إدانتها بأقسى الكلمات، ودعوة الأمم المتحدة إلى وضع يدها على القضية دونما إبطاء، في إطار مقاربة مغايرة قوامها صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يقضي (أ) بإزالة الاحتلال وسحب قوات الولايات المتحدة وحليفاتها في مدى ستة اشهر وإحلال قوات من دول عربية وإسلامية محلها لضبط الأمن، (ب) إلغاء كل ما نتج عن الاحتلال من قوانين وأنظمة ومؤسسات وترتيبات في الميادين السياسية والاقتصادية بما في ذلك الدستور، (ج) إقامة إدارة مدنية مركزية بإشراف مجلس الأمن من خلال الأمانة العامة للأمم المتحدة بغية إدارة شؤون البلاد خلال مرحلة انتقالية لا تتجاوز السنة، تجري في نهايتها انتخابات عامة ينبثق منها مجلس نيابي وحكومة مركزية تتوليان وضع دستور جديد للبلاد.

ثالثة الساحات لبنان. فيها ارتكبت “إسرائيل”، بإيعاز من الولايات المتحدة، جرائم حرب على جميع المستويات. ومع مراعاة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، يقتضي ان تتخذ القمة العربية قراراً بدعوة مسؤولي السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للقضاء) للتوافق على تأليف حكومة انتقالية من عشرة أعضاء ترأسها شخصية مستقلة، ويشارك في عضويتها اختصاصيون أكفاء مستقلون، وتكون لها مهمتان رئيسيتان: (أ) التوافق على نظام المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري واعتماده، وتطوير مشروع القانون الذي اقترحته “الهيئة الوطنية لوضع قانون الانتخاب” برئاسة الوزير السابق المحامي فؤاد بطرس واعتماده، وبالتالي إقرار المشروعين المذكورين في مجلس النواب، و(ب) إجراء انتخابات نيابية عامة خلال شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، على ان يقوم مجلس النواب الجديد بانتخاب رئيس الجمهورية الجديد قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي العماد اميل لحود في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

رابعة الساحات إيران. يقتضي ان تعلن القمة العربية بصوت عالٍ رفضها وإدانتها استعمال القوة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية من طرف الولايات المتحدة و”إسرائيل”، والدعوة إلى معالجة مسألة تخصيب اليورانيوم في إطار الأمم المتحدة وبالمفاوضات، مع الإقرار بحق إيران في امتلاك قدرة نووية للأغراض السلمية، والتضامن معها بكل الوسائل المشروعة لجبه العدوان عليها ومواجهة العقوبات الجائرة المتخذة بحقها. كل ذلك مقابل الاشتراط على إيران الإقرار بعروبة العراق ووحدته والامتناع عن دعم أية جهة سياسية تُنكرُ هويته العربية أو تحاول تقويض وحدته.

في كل هذه القرارات المصيرية والمفتاحية وغيرها التي تتخذها القمة العربية، يقتضي الحرص على توفير كل مستلزمات التنفيذ بلا مخاتلة ولا مساومة ولا إبطاء.

ما لم يشحذ الملوك والرؤساء إرادتهم ويفرضوا تنفيذ قراراتهم، فإن كل بلد عربي مرشح في قابل الأيام إلى ان يتحول قضية شائكة وساخنة تبحث عن حل بعد فوات الأوان.


"الخليج"

التعليقات