31/10/2010 - 11:02

من لندن الى شرم الشيخ/ عبدالوهاب بدرخان

من لندن الى شرم الشيخ/ عبدالوهاب بدرخان
اذا كانت «القاعدة» هي التي دبرت تفجيرات لندن وشرم الشيخ فلهذا تفسيرات لا تبريرات. أهمها ان «القاعدة»، كما واشنطن ولندن وغيرهما، تريد ان تعلن أنها تخوض أيضاً الحرب على طريقتها. هنا يسمونها «الحرب على الارهاب» وهناك يطلقون عليها أسماء جديدة كل يوم. ففي النهاية كانت «القاعدة» هي التي بدأت الحرب في 11 سبتمبر 2001، بعدما مهدت لها بهجمات عدة ضد أهداف اميركية خارج الولايات المتحدة. ويبدو الآن أنها لم تعد تميز بين الأهداف، طالما ان الحرب باتت تشمل العالم.

الأكيد ان الارهابيين وضعوا لندن على لائحة الانتقام منذ مشاركتها الناشطة في حرب افغانستان، ثم بعد مشاركتها كحليف أول للولايات المتحدة في حرب العراق. صحيح ان «القاعدة» توصلت الى جعل ثمن غزو العراق باهظاً ومعقداً بالنسبة الى الاميركيين والبريطانيين، الا أنها تعتبر محاربتهم هناك جزءاً من معركتها ضد الغرب. ومن الواضح انها تطبق مفهوماً جرى التعبير عنه بأن «لا أمن في بلادكم طالما ان لا أمن في بلادنا». أما استهداف شرم الشيخ في مصر، أو الدار البيضاء في المغرب، فله علاقة بالحرب الاميركية على الارهاب مقدار ما له علاقة بسياسات داخلية.

قد لا يعني صدور بيانات بتوقيع «القاعدة» على الانترنت ان التنظيم الاصلي استطاع ان يعيد ترتيب شبكاته ليتحرك عالمياً، بل يعني خصوصاً أن الفروع بلورت استقلاليتها وأصبحت قادرة على اتخاذ قراراتها من دون العودة الى «قيادة» محددة تنسق في ما بينها. وبذلك تكون «القاعدة» اسماً لـ «هوية» تتعارف بها الفروع واعضاؤها. لكن اللافت بل المذهل أن حرباً أميركية دولية بهذه الامكانات وهذه الأكلاف لم تستطع أن تضع حداً للانتشار «القاعدي»، كما لم تتمكن من رسم بدائل سياسية لما اصبح أشبه بمباراة تحد بين الأجهزة وسلطات الأمن من جهة ومجموعات متطرفة من جهة أخرى.

البديل السياسي في العراق يفترض أنه الحكم الجديد، ومع انه معقول نظرياً ومبدئياً الا انه راكم اخطاء تنذر بتطورات دموية أكثر مما تعد بمستقبل ديموقراطي. صحيح أن النظام الجديد يحتاج الى وقت، وأنه لا يزال قيد الاعداد، لكن الخروج من نفق العنف الراهن أصبح يحتاج الى وقت أطول، بما يعنيه ذلك من عنف يولد العنف، ومن تأخير لبرمجة البلد في مسار تنموي. أما «العراق الآخر»، الذي ولد في الخارج انطلاقاً من مبدأ رفض الحرب، فإنه بدوره تغذى من تلك الأخطاء في الداخل ومن تعنت اميركي - بريطاني في الدفاع عن أكاذيب وتلفيقات رفضتها المجتمعات الغربية قبل سواها.

أما فلسطين فنشهد حالة مختلفة. كان الاميركيون فرضوا مناخاً دولياً يطالب الفلسطينيين بـ «وقف العنف» ليصار الى تحريك الحلول لقضيتهم. وكانت العمليات الانتحارية - الاستشهادية أكثر ما أثار التصلب الاميركي الذي ذهب الى حد «تبرير» جرائم اسرائيل واجتياحاتها بل الى حد الدفاع عن الارهاب الاسرائيلي في المحافل الدولية. كل ذلك وغيره يبقى في الذاكرة والوجدان والمشاعر عندما تقع عملية ارهابية في لندن أو مدريد أو اسطنبول أو في طابا وشرم الشيخ... لكن حتى عندما تصبح «التهدئة» سياسة معلنة ومطبقة للسلطة الفلسطينية، وعندما تلتزم الفصائل هذه التهدئة على رغم انها تقاوم احتلالاً عسكرياً مرفوضاً ومداناً عالمياً، فإن الاسرائيليين والاميركيين لا يبدون حرصاً حقيقياً على اعطاء هذه الفرصة أملاً بالنجاح.

الاستطلاع الدولي الذي نشرت «هيرالد تريبيون» نتائجه قبل أيام كان واضحاً في الاشارة الى أن المجتمعات غيرت موقفها جوهرياً من الجماعات الارهابية والعمليات الانتحارية. قد يعتقد محركو الحرب على الارهاب ان هذا التغيير حصل بفضل انجازاتهم، لكن الارجح ان المجتمعات غلّبت مصالحها على آرائها. وقد لفت في هذا الاستطلاع مؤشرات تظهر غالبية تتعاطف مع جماعات الارهاب في بلدين هما الاردن وباكستان اللذان يتعاونان في الحرب على الارهاب بشكل يجلب لهما الاشارات الاميركية المتكررة. والاردن الواقع بين العراق وفلسطين ويتأثر بعمق بما يحدث فيهما يقدم نموذجاً لما ترى الدولة أنه مصلحة للبلد ولما يراه المجتمع من ممارسات اميركية واسرائيلية غير مقبولة.

المشكلة أمام مجتمعات المنطقة انها مضطرة الى رفض مزدوج يرسخها في السلبية. رفض لارهاب «القاعدة» لأنه لا يعدها بأي تغيير ايجابي. ورفض للسياسات الاميركية كما ظهرت في العراق وفلسطين من دون ان تعد بضوء في آخر النفق. ولا يعني هذا الرفض تأييد تفجير القطارات والباصات في لندن، ولا تدمير المنتجعات في شرم الشيخ، بل يعني ان المجتمع الدولي لا ينفك يغرق في حرب لا يريد لها نهاية قريبة.

التعليقات