31/10/2010 - 11:02

من منع القدس عاصمة الثقافة إلى منع إحياء النكبة../ راسم عبيدات*

من منع القدس عاصمة الثقافة إلى منع إحياء النكبة../ راسم عبيدات*
... لا يكاد يمر يوم واحد إلا وتبتدع حكومة الاحتلال قوانين وإجراءات جديدة لمعاقبة الشعب الفلسطيني، وحرمانه من أبسط مقومات الوجود والحياة، وفي أحيان كثيرة تكون القوانين الصادرة أو التي يجري تشريعها، ليس لها علاقة لا بالقانون أو القضاء، بل تنطوي على حقد وكراهية وعنصرية ولغة الإقصاء ونفي الوجود للآخر.

وعلى سبيل المثال لا الحصر طلبت وزارة الداخلية الإسرائيلية من كل مقدسي فلسطيني يريد أن يستصدر بطاقة هوية جديدة أو يقوم بتجديد القديمة، عدا عن إحضار أوراق وفواتير الكهرباء والماء وضريبة المسقفات "الأرنونا" وشهادات ميلاد الأولاد وشهاداتهم المدرسية، أصبح هناك شرط إضافي هو أنه على المواطن إحضار رخصة البيت الذي يسكنه، وهذا الشرط التعجيزي واللا إنساني يهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف، يقف على رأسها الحد من الوجود العربي في القدس، وحمل المقدسيين على مغادرة المدينة، أي التطهير العرقي، ومنع الفلسطينيين من إقامة الأبنية في القدس إلا ضمن شروطهم ومواصفاتهم التعجيزية وذات الأهداف السياسية.

الاحتلال لم يحترم أو يلتزم بأية قوانين واتفاقيات دولية خاصة بالمدينة المقدسة كونها محتلة، . حتى ما تعهد والتزم به في اتفاقية أوسلو المجحفة والظالمة تنكر لها، أي المحافظة على وجود المؤسسات الفلسطينية القائمة. وتطبيقاً لشعارهم وقراراتهم بإحكام السيطرة على شرق المدينة وإخراجها من أية عملية تسووية محتملة، قامت بمشاريع ضخمة لتهويد أرضها وأسرلة سكانها، وحذرت على سكانها العرب إقامة أية أنشطة تمت لوجودهم وتاريخهم في المدينة أو تعبر عن هويتهم وقوميتهم ورفضهم لوجود الاحتلال وبطلان إجراءاته وممارساته العنصرية والمخالفة لكل الأعراف والمواثيق الدولية.

واعتبر أي نشاط فلسطيني في القدس نشاطا محظورا وغير شرعي، بدءاً من الأنشطة الوطنية والسياسية ومروراً بالأنشطة الإغاثية والخيرية وانتهاءً بالأنشطة الاجتماعية مثل المخيمات الصيفية وإقامة بيوت العزاء للشهداء.

والاحتلال مستمر في ممارساته وإجراءاته بتغطية ودعم وتواطؤ من أمريكا وأوروبا الغربية. وعندما اتخذ قرارا بجعل القدس عاصمة للثقافة العربية عام/ 2009، أعلنت حكومة الاحتلال أنها لن تسمح بإقامة أية أنشطة فلسطينية في القدس لها علاقة بالقدس عاصمة الثقافة العربية، وشنت حملة شعواء وبوليسية على كافة مؤسسات القدس من مدارس وأندية ومؤسسات ثقافية عملت على إقامة أنشطة لها علاقة بالفعالية، واعتقلت العديد من الفلسطينيين على خلفية ذلك، وبما يثبت بشكل قاطع لا لبس فيه، أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بمختلف ألوانها وأشكالها وتسمياتها لا تؤمن بالسلام لا كخيار أو توجه.

والمأساة هنا أنه رغم كل ما تقوم به إسرائيل من إجراءات وممارسات اقتلاعية وتهجيرية، نرى في الجانب العربي والفلسطيني من يصر على تصوير الأمور على قاعدة "عنزة ولو طارت"، ويعلن أن خيار المفاوضات هو الخيار الوحيد لاسترداد الحقوق، وتفتح الكثير من العواصم العربية لقادة إسرائيل ومن قلبها يعلنون الحرب على شعبنا ويحرضون على وجوده ومقاومته.

والاحتلال المستمر في مخططاته وأهدافه والذي يستهدف شعبنا الفلسطيني بمجموعه، يريد أن يلغي من ذاكرته جوهر وجوده وبرنامجه الوطني، ألا وهو حق العودة والنكبة، تلك النكبة التي شردت وهجرت وطردت شعبنا الفلسطيني من أرضه وبيوته، في محاولة لشطب وجود شعب بأكمله، تلك النكبة المسؤولة عنها إسرائيل قانونياً وسياسياً وأخلاقيا بالكامل.

وتحقيقاً لهذا الغرض والهدف، نرى أنها تقوم بخطوات وممارسات لمحوها من الذاكرة الفلسطينية، ومنع الشعب الفلسطيني من تجسيد حقه في العودة إلى أرضه، وطرد وتشريد من بقوا عليها، ومن العار وفي ظل زمن عربي رديء ومحزن، أن تجد على الساحتين العربية والفلسطينية من يشارك في هذه المخططات.

فالكثير من قادة إسرائيل يصرخون ليل نهار، أنه على الفلسطينيين إذا ما أرادوا أن توافق إسرائيل على حل الدولتين، فعليهم الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وكذلك ربط وجود فلسطيني الداخل- مناطق 48- بالولاء لدولة إسرائيل، وهذا عبر عنه قادة الحكومة الإسرائيلية. فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أعلن في خطاب التنصيب أن شرط الموافقة على حل الدولتين رهن باعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، وأعاد ذلك في الخاطب الموجهة إلى منظمة "ايباك" الصهيونية في أمريكا عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة "الفيديو كونفرنس".

والمسألة لم تقف عند هذا الحد، ففي حالة الحراك السياسي التي تشهدها المنطقة، تتحدث الأنباء عن ضغوطات أمريكية على النظام الرسمي العربي، من أجل إحداث تغير جوهري على ما يسمى بمبادرة السلام العربية، يتضمن شطب البند المتعلق بحق العودة منها، مقابل ضغط أمريكي على إسرائيل للقبول بمبدأ حل الدولتين وتجميد الاستيطان في الضفة الغربية، وبما لا يشمل القدس والزيادة الطبيعية في مستوطنات الضفة الغربية، وعلى أن يترافق ذلك مع اعتراف 57 دولة عربية وإسلامية بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها.

ومع بدء الأنشطة والفعاليات الخاصة بأحياء الذكرى الحادية والستين لنكبة الشعب الفلسطيني، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي المتطرف"أفيغدور ليبرمان" أنه ينوي التقدم للكنيست لسن قانون يمنع الفلسطينيين من إقامة أي أنشطة وفعاليات بذكرى النكبة، ومعاقبة كل من يقوم بفعالية أو نشاط له علاقة بالنكبة بالسجن لمدة ثلاثة سنوات فعلية.

وهذا القانون العنصري والذي يراد منه إخلاء مسؤولية إسرائيل القانونية والسياسية والأخلاقية عن نكبة الشعب الفلسطيني،طرده وتهجيره والاستيلاء على أرضه وممتلكاته، يريد أن يشطب ذاكرة شعب كامل ويلغي حقه في الوجود والعودة إلى أرضه وفق القرار الأممي 194، كما أنه يمهد ويعبد الطريق أمام مخططات إسرائيلية يجري العمل بها من أجل القيام بعمليات تطهير عراقي واسعة بحق عرب الداخل- مناطق 48 -، وما الزعرنات والعربدات التي يقوم بها المستوطنون كالتي حدثت في عكا وأم الفحم قبل مدة ليس بالبعيدة، إلا "بروفات" للقيام بهذه الأعمال على نطاق واسع مستقبلاً، والتي ربما يكون التبادل الجغرافي أحد أشكالها وتجلياتها وترجماتها العملية.

إن ما يجري وما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من ممارسات وإجراءات عنصرية، تنطوي على درجة عالية من الحقد والكراهية والخطورة، وهي جزء من السيناريوهات التي يجري طبخها بحق أهلنا في القدس ومناطق 48، والتي تتطلب منا أعلى درجة الحيطة والحذر والتوحد وتصليب وتمتين الجبهة الداخلية، ووضع حد نهائي لحالتي الشرذمة والانقسام.

التعليقات