31/10/2010 - 11:02

من يحمي الحركة الوطنية؟/ أحمد أبو حسين

من يحمي الحركة الوطنية؟/ أحمد أبو حسين
لا يجوز ولا يصح بأي حال من الاحوال الانتماء لحزب إسرائيلي أو صهيوني، وتتهم الناس بأنها تشكك بوطنيتك الفلسطينية أو بقوميتك العربية. بإمكانك أيضا أن تكون عراقيا أو فلسطينيا وفي الوقت نفسه عميلا للإحتلال إذا خطر ببالك وقررت طبعا أن تفقد إنسانيتك، كما أن كونك فلسطينيا لا يمنحك بالضرورة صفة الوطنية والانتماء لحركة النضال العربية، كذلك الأمر تستطيع ان تكون جزءاً من اليسار الإسرائيلي وفي الوقت نفسه فلسطينيا تعتز بهويتك العربية والفلسطينية وتكتب الأشعار والمقالات التنظيرية، لكن ذلك لا يعطيك الحق ولا بأي حال من الاحوال أيضا إعتبار حركة يسار إسرائيلي كجزء من الحركة الوطنية برغم كونها حليفة ومتضامنة مع نضال الشعب الفلسطيني، حتى لو كان غالبية أعضاء هذه الحركة من الوطنيين الفلسطينيين.

هذه مجرد توضيحات لا بد أن تقال ولا يجوز ان نتعامى عنها، لأننا نتحدث عن هوية قومية ووطنية سياسية واضحة، تصارع على وجودها منذ نشوء حركة الأرض وقمعها الى تجربة إنقاذ الناس من حالة الأسرلة والهلع في بداية التسعينيات من الشعارات والملصقات الانتخابية " إسرائيل تنتظر رابين" و"الناصرة تواصل تطورها"، ونهاية بعلم أخضر كتب عليه "لا إله إلا الله" لوّح به شاب عربي حليق الرأس في لعبة لمكابي حيفا (الخضر في إسرائيل) وفي مهرجان للحركة الإسلامية. (بالمناسبة إختصار كلمة "مكابي" العبرية هي "من مثلك بين الآلهة يا الله ).

الوطنيون الحقيقيون هم حماة الحركة الوطنية، وهم قادرون أن يجعلوا منها التيار المركزي لعرب الداخل، وهي بحاجة إلى أفراد لهم "إنتماء" لها بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وقد نختلف هنا مع وطنيين ومناضلين حقيقيين حول جدوى المشاركة في الإنتخابات الإسرائيلية، برغم قناعاتنا أن هؤلاء جزءاً من سياج الحركة الوطنية، ويرفضون رفضا قاطعا أن يتآمروا على الحركة الوطنية وعامودها الفقري التجمع الوطني الديمقراطي، ولا أتحدث هنا طبعا عن "شخوض فجائية عابرة" لم نسمع عنها من قبل، تذهب للإحتماء بجريدة أو موقع ألكتروني، لتظهر وتتظاهر أنها من "الراديكالية الفلسطينية" للشتيمة على الحركة الوطنية ورموزها، وهؤلاء الشخوص الفجائية أصلا خارج سياق الحوار والنقاش لأنهم يتمسكون بالأساطير الغيبية التي تشبّه فلسطين بطفلة ولدت بعد عملية "مضاجعة صاخبة" بين الجبال والأنهر. ولحيفا وجهان.. وجه للسماء ووجه للبحر.. وبات واضحا الآن بعد أن سقطت الأقنعة، أنه لا بد من الإصطفاف حول الحركة الوطنية التي يتكالب عليها من يريد حذفها عن الطريق.. طريق الكبرياء والإنتماء والكرامة لذلك لا بد من حوار ونقاش ودعم والتفاف لتحديد معالم العمل الوطني. ومن المهم الحوار في هذه المرحلة بالذات ليطرأ جديد في ثقافة الحوار برغم ما جرى من حالة تردٍ في أوساطها.

وما دام الحديث عن الحوار فنحن نلمس أن ثقافة الحوار والإختلاف غائبة وثقافة السمع والطاعة حاضرة، وثقافة "البولموس" والسجال غائبة أصلا بفعل حالة الإنهيار والإنحطاط التي يعيشها مجتمعنا العربي، وتتحمل النخب المثقفة جزءا من المسؤولية على هذا الغياب الملحوظ بوصفها منتجة "تصفيط كلام" وثقافة مستحدثة حتى لو كانت مبتورة أو مشوّهة لا يفهمها البسطاء وتتعامل مع الأمراض الدخيلة على مجتمعنا بمنطق رد الفعل المتعالي والمستحضر من قاموس "مزرعة الحيوانات" تؤجج المرض وبالتالي يتحول إلى "بوميرانغ" (كيد مرتد) على المجتمع برمته..

ولزيادة معلوماتك عزيزي القارئ فإن مزرعة الحيوانات رواية ساخرة لجورج اورويل كتبها في العام 1945 عقب الحرب العالمية الثانية، وذاع صيته بسببها، وتدور قصصها على ألسنة الحيوانات كما هو الحال في "كليلة ودمنة " وهي رواية عن الواقع السياسي بعد الثورة الإشتراكية تحاول إنقاذ الإشتراكية على حد تعبير اورويل من قبضة ستالين الذي يجسده في شخصية "نابليون الخنزير" وأعضاء الحزب البلشفي بالخنازير.. (من منكم يذكر البلاشفة والمناشفة في زمن الحديث عن أيقونات الفضائيات و"الشباب العربي" بن لادن والظواهري وأبومصعب الزرقاوي وأبو حفص المصري..).

"ما ترون من هنا لا ترون من هناك" هكذا كانت "الدعاية الإعلانية لتسويق شقق"من على سطح بناية شاهقة شمال تل أبيب غرب الشيخ مؤنس والمتعارف عليها إسرائيليا منطقة "تل باروخ" ساحة المومسات الرملية والزانيات الأرخص في حينه في إسرائيل، لقد فشل المشروع وتحولت البناية الى فندق "للراحة وقضاء الحاجة الجسدية"، لم يقترب المستهلك من الشقق التي "تضاجع" البحر خوفا من الدعارة في محيط البناية، ومع استفحال إقتصاد السوق وعولمة شبكات الإتصالات والدعارة وتجارة النساء عابرات الحدود بدون جمارك اختفت دعارة الشارع، ولم يبق من الموموسات القبيحات الا "الذاكرة الجماعية " لمجموعة عرفت تل ابيب في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كما هو الحال في باحة "رحاب" الزانية التوراتية.

هذه قوانين أساس في فهم مبدأ العرض والطلب وتأثيرات المتغيرات عليه.. وهذا جواب تجريبي لفهم اقتصاد السوق في إسرائيل.. وبين الإقتصاد والسياسة جدل وعلاقة وما يسري على تسويق السلع الإنتخابية يسري على حاجيات الناس الإستهلاكية.. "إملأ عندنا بنزين وخذ جريدة " أو مثلا "خذ مائة دولار وصوّت".. ولا يستثمر الناس في الإستثمارات طويلة المدى مثل شراء شقة لحين اختفاء راحيل الزانية.. لكنهم يفضّلون البيتسا والوجبات السريعة حتى لو حملت كل الدهنيات الموجودة..

أيها الوطنيون.. أيها المناضلون من أجل الحرية والديمقراطية.. بمعزل عن كل الخلافات وصغائر الأمور ولعبة اقتصاد السوق واستطلاعات الرأي، هناك حركة وطنية وتيار قومي ديموقراطي بحاجة إلى حماية أكثر من أي وقت مضى..


التعليقات