31/10/2010 - 11:02

مهمة السياسي في المشهد الحالي/عوض عبد الفتاح

مهمة السياسي في المشهد الحالي/عوض عبد الفتاح
تنضاف يومياً مخاطر جسيمة وأعباء ثقيلة، مادية ومعنوية، على كاهل المواطن العربي في بلادنا وعموم المنطقة العربية، وتتضافر في تشكيل الوضع الراهن جملة من العوامل المعروفة، متعلقة بالقوى الخارجية، قوى الإستعمار والإحتلال والتمييز العنصري (أمريكية وإسرائيلية) ومعيقات داخلية تتصل بعناصر التخلف الداخلي.

ففي العراق، يفرز العدوان الأمريكي المستمر على هذا البلد العربي، عنفاً طائفياً غير مسبوق يهدد بحرب أهلية - طائفية شاملة.
فقد سعت ولا زالت، عصابة البيت الأبيض بصورة منهجية الى تفكيك الهوية العربية للعراق، واعتقدت أنها تستطيع بذلك أن تتحكم به وتحوله الى قاعدة استراتيجية أبدية دون إزعاج.
وفي لبنان يعيش اللبنانيون مخاوف انفجار حرب أهلية (إلا اذا اثمر الحوار الوطني الجاري الان نتائج ايجابية) بسبب التدخل المباشر من جانب الإدارة الأمريكية والرئاسة الفرنسية في شؤون هذا البلد بهدف واحد ووحيد، هو حماية إسرائيل؛ من خلال محاصرة حزب الله وسوريا والقضاء على كل روح مقاومة أو ممانعة في المنطقة العربية.
أما في فلسطين، قطاع غزة والضفة والقطاع، فإن إسرائيل تهدد بإعادة الوضع هناك الى نقطة الصفر عبر التهديد بحرق غزة، على حدّ تعبير رئيس الشاباك السابق ديختر، ومواصلة القتل والتدمير وشن حملة إعلامية ودبلوماسية دولية لإلغاء نتائج الإنتخابات ونتائج العملية الديمقراطية التي أرادتها أمريكا حامية إسرائيل وداعمة عدوانها.

وفي داخل الخط الأخضر، يخضع المليون فلسطيني، للتأثيرات المباشرة وغير المباشرة ولإفرازات سياسات وممارسات التحالف الأمريكي - الإسرائيلي، ضد المنطقة العربية وأهالي الضفة والقطاع، وللسياسات الإسرائيلية الداخلية، مثل إعادة تفعيل سياسة هدم البيوت على نطاق واسع وسلب الأرض، لتمرير مشاريع التهويد المتجددة في الجليل والنقب. هذا فضلاً عن آثار سياسة التمييز العنصري في الحقوق اليومية وفي نوعية الحياة.

وقد يتفنن الكثير من رجال الإعلام، وكتبة الأعمدة، ومن الأكاديميين في وصف مأساوية المشهد السياسي العام باثـّين حالة عبثية لا مخرج منها. ولكن في المقابل هناك من يصوّر الوضع بطريقة موضوعية، بحيث لا تغيب عنه جسامة المخاطر الماثلة أمام المواطن، ولكنه يجتهد في طرح الحلول لصانعي القرار، ويقترح مخرجاً من الأزمة أو الوضع الراهن.

مثلاً لا يفوت هؤلاء (أصحاب النظرة الموضوعية وحاملي الهمّ العام) أن يظهروا أن المشروع الأمريكي الإمبريالي في العراق رغم حالة الدمار الذي يعيشه هذا البلد العربي يتعثر، وأن صانعي القرار في الإدارة الأمريكية يتلقون اللطمات اليومية بسبب المقاومة هناك.

ويجب الإعتراف أنه من الصعب أن يتخذ المرء موقفاً مريحاً إزاء التناقضات القائمة في المشهد العراقي، فمن ناحية هناك الإخفاق الأمريكي الذي ستستفيد منه شعوب أخرى غير العرب مستهدفة في سيادتها وثروتها، ومن ناحية أخرى هناك المآسي الرهيبة التي يعيشها عرب وأكراد العراق.

أما في فلسطين، فالوضع شبيه الى حدّ كبير بما يجري في العراق. الإنتخابات التشريعية تفرز عكس ما توقعته الإدارة الأمريكية التي كشفت زيف ادعائها بالديمقراطية من خلال ردّها السلبي على نتائج الإنتخابات التشريعية لأنها لم تأتِ حسب رغبتها أو قريب من رغبتها. ولكن مع ذلك فإن الوضع في فلسطين ليس سهلاً. وتقف أمام الحركة الوطنية الفلسطينية مهمة صعبة ولكن لا بديل عنها وهي تجميع أطرافها في جبهة واحدة دون جعل العامل الأيدلوجي عائقاً، ودون تكرار أخطاء الحكم السابق، وخاصة التفرد بالسلطة والقرار.

بإمكان الطرف الفائز والطرف المهزوم أن يحولا نتائج الإنتخابات الى رصيد حقيقي في مسيرة التحرير والبناء، وبإمكانهما أن يحولاه الى معول هدم. على الأقل لنقوم نحن بما علينا، وليكن الإحتلال هو المسؤول عن محاولات الإفشال للحكومة الجديدة.

إن المواطن العربي الفلسطيني في إسرائيل يراقب بقلق شديد ما يجري خلف الخط الأخضر، ويعيش في الوقت ذاته أثقال سياسة التمييز والعنصرية والهدم والمصادرة. وقد لا يستطيع التأثير على مجريات القرار الفلسطيني بصورة مباشرة، ولكنه يستطيع أن يكون مصدر إلهام وتأثير غير مباشر على الوضع هناك إذا ما استطاع أن يحدث تطويراً جدياً في سلوكه السياسي، وإذا ما استطاع أن يحقق إنجازات وطنية في واقع مركب.

فإذا استطاع أن يترجم نضالاته اليومية ومواقفه السياسية الى مواقف وطنية عبر إضعاف وجود الأحزاب الصهيونية في الشارع العربي، وزيادة قوة وحضور وتمثيل الأحزاب العربية خاصة ذات الرؤية الوطنية والقومية، التي لديها مشاريع وليس مجرد يافطات ووكلاء لحقوق سياسية في الكنيست الإسرائيلي.

الهدف الأساسي للمواطن العربي داخل الخط الأخضر هو خدمة قضيته؛ الحفاظ على هويته الوطنية وعلى حقه في تحويل وجوده الى قوة فاعلة في نضاله من أجل انتزاع حقوقه اليومية والقومية.

ليس الوجود في الكنيست ذروة الإنجازات الوطنية، بل الذروة هو في كثافة وجود الحركة الوطنية في الداخل وإنخراطها في النضالات السياسية واليومية وتقدمها في عملية بناء المؤسسات وفي مقدمتها الحفاظ على الهوية الوطنية والقومية للعرب في الداخل، وعلى الإرتباط بتطلعات الأمة العربية نحو الوحدة والديمقراطية والتنمية وبناء الإنسان. ولكن المعركة الإنتخابية البرلمانية الحالية في غاية الأهمية والمشاركة فيها ضرورية ومطلوب تحويلها الى معركة سياسية - وطنية تقوي التيار الوطني والقومي الديمقراطي. وتـُغني التجربة السياسية والحياتية لشعبنا في الداخل.

في هذه الظروف يجد السياسي، حامل الرسالة، رسالة التحرر والتقدم والتنور والبناء والمؤمن بإرادة الشعوب، نفسه في جهد دائم لإبقاء الإرادة قوية بين الناس ودفعهم الى المشاركة في الحياة السياسية، وفي عملية التغيير. فالإبتعاد عن السياسة معناه ترك القرار المتعلق بصياغة حياة الجماعة والفرد في أيدي أناس إما أعداء أو انتهازيين.

من الصعب أن يعمل السياسيون بين جمهور يعاني حالة معنوية هابطة. ويوصف أحياناً السياسي الذي لا يكلّ عن العمل وبذل الجهد بالتفاؤل الساذج أو بالدوغمائية أو غيرهما من الأوصاف السلبية. وتأتي هذه الأوصاف من جانب فئة من المواطنين العاديين، أو من جانب فئة من الأكاديميين البعيدين عن السياسة والعمل السياسي والمسترخين في مكاتبهم أو في بيوتهم قانعين بما تمنّ علينا إسرائيل من فتات. ولكن الجمهور العريض في نهاية المطاف يحسم أمره ويقبل على المشاركة في هذه الإنتخابات، ولا يستطيع أن يكون محايداً في هذه المعركة طالما لا يوجد بديل حقيقي ومقنع حتى الآن. والمهم أن المزيد من أبناء شعبنا أصبحوا يعرفون التمييز بين الحب والزوان، ليس فقط بين الوطنيين وبين عكاكيز الأحزاب الصهيونية المنبوذين، بل أيضاً بين حزب سياسي عربي وآخر، بين قائمة وأخرى، بين ممثل جمهور وآخر.

"فصل المقال"

التعليقات