31/10/2010 - 11:02

نتنياهو على خطى "الأقدام السود"../ فيصل جلول

نتنياهو على خطى
واجه أحد رجال الدين مشكلة عويصة مع رجل يريد افتتاح دار للسينما. طلب الرجل لقاء رجل الدين لعرض القضية عليه فامتنع عن استقباله متذرعاً بضيق وقته وكثرة أشغاله، عل الطالب يصرف النظر عن مشروعه، غير أنه لم يتراجع وأخذ يمطر سكرتير رجل الدين برسالة تلو الرسالة إلى أن قرر استقباله وبعد أن استمع إلى تفاصيل مشروعه قال: حسنا. لقد وافقنا على ترخيص دار السينما لكن بشروط ثلاثة: الأول، هو ألا تعرض أفلاماً إباحية أو منافية لتعاليم الدين، والثاني، أن تقفل السينما في أوقات الصلاة وخلال الأعياد الرسمية، والثالث، أن يكون الدخول إليها مجانياً.

لا يختلف رد بنيامين نتنياهو على طلب أوباما الاعتراف بمشروع الدولتين عن رد رجل الدين المذكور فقد أكد في خطابه الأحد الماضي أنه يوافق على دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة جواً وبحراً ومصادر مياه بحيث باتت هذه “الدولة” مخفراً للشرطة يوفر الأمن والسكينة ل”شعب الله المختار”، على أن تعترف هذه الدولة المخفر بأن أراضي فلسطين التاريخية هي أرض لليهود وبأن الشعب الفلسطيني المبعثر في أربع بقاع العالم لم يكن يوماً في أرض “الميعاد”، وبالتالي تعالج قضيته خارج تلك الأرض. وأن تطوي الدولة العتيدة صفحة القدس الشرقية والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة. أما المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية فهي قائمة على “أرض “إسرائيل” التاريخية”، وبالتالي لا جدوى من البحث في مصيرها. وبما أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لا يريد استيطاناً فليكن الأمر قاصراً على توسيع المستوطنات القائمة التي “تحتاج إلى التطوير” على حد تعبيره، والتطوير يعني أبنية جديدة ومستوطنين جدداً “مطورين”. هكذا على الدولة المخفر أن تصرف النظر عن حدود العام ،67 وعلى العرب أن يفتحوا أبوابهم أمام نتنياهو بلا شروط. بل عليهم أن يجعلوا الرساميل العربية تنهمر على العقول “الإسرائيلية” “الخلاقة” التي تنتج “رشاشات المياه الزراعية” والأدوية التي يحتاجها العالم. فيستفيد العرب منها بعد طول حرمان.

ينطوي خطاب نتنياهو المتغطرس على شقين كبيرين، الأول نفسي يعكس شعوراً طافحاً بالقوة واستغباء للعرب لا حد له وحاله كحال خطب “الأقدام السود” واحتقارهم للعرب طيلة عقود الاستيطان الفرنسي للجزائر.

والشق الثاني يتصل بتقليد معروف في السياسة “الإسرائيلية” يقضي بإبقاء الكرة في ملعب الفلسطينيين والعرب عبر اشتراطات تتناسب مع المزاج الغربي من نوع: أمن “إسرائيل” رهن بإلغاء المقاومة وكل مفرداتها ودساتيرها. لا يحق للعرب الحصول على أكثر مما يتيحه لهم ميزان القوى، فهم الأضعف وعليهم أن يقروا بضعفهم على طاولة المفاوضات عبر تنازلات لا متناهية، والرهان على الوقت للتخلص من الحرج الغربي إن وجد ومن ثم استكمال الاستيطان وتفريغ الأرض من أهلها، وأخيراً الاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية.

يجدر الاعتراف بأن هذه الاستراتيجية كانت حتى عهد قريب فعالة جراء السذاجة السياسية العربية المعطوفة على نقص في الإرادة من جهة وعلى الخلافات الداخلية العصية على المساومة والاتفاق من جهة أخرى.

ولعل ما يخفى على نتنياهو أو مالا يريد التسليم به هو أن شطراً واسعاً من عرب اليوم أدرك مرة واحدة وإلى الأبد أن الكيان الصهيوني يمكن أن يقهر، وبالتالي يمكن الرد عليه بوسائله وهذا الشطر آخذ في الاتساع إلى حد قد يفاجئ الصهاينة تماماً كما فوجئ “الأقدام السود” في الجزائر الذين وصل تعنتهم وعجرفتهم إلى حد تدبير انقلاب عسكري فاشل ضد الجنرال شارل ديغول الذي أدرك مبكراً وجوب الرحيل عن أرض عربية كف أهلها عن الخضوع.

وإذ يعرض بنيامين نتنياهو دولة مخفراً على الفلسطينيين مقابل التخلي عن حقوقهم التاريخية بعد أن كفوا عن الخضوع يبدو في عرضه شاء أم أبى كمن يصب الماء في طاحونة التيار العربي والفلسطيني المقاوم الذي ما انفك يؤكد أن البندقية هي الوسيلة الوحيدة لاستعادة الحقوق الفلسطينية وأن التفاوض مع الصهاينة مضيعة للوقت، فالحقوق تنتزع من براثن المحتل ولا تحصل بالمناورات السياسية ولا تهديها الدول الكبرى لمستحقيها.

أغلب الظن أن “إسرائيل” التي اقترعت لبنيامين نتنياهو ونصبته حاكماً عن سابق تصور وتصميم قد اختارت من دون أن تدري السير على خطى “الأقدام السود” الذين كانوا هم أيضاً قد نشأوا على اعتقاد راسخ بأن الجزائر فرنسية وأن الله سخر العرب لخدمتهم. وكما المستوطنين الفرنسيين بالأمس لا يدرك المستوطنون الصهيانة اليوم أن اغتصاب أراضي العرب ينتهي ابتداء من اللحظة التي يكف فيها أصحاب الأرض عن الخضوع.
"الخليج"

التعليقات