31/10/2010 - 11:02

نشيد "أحزاب" القبيلة الإسرائيلية؟

من نافل القول أنّ التزييف في التنسيب لأي حزب عامةً يكون لهدف إيصال انتهازيين واستغلاليين وطفيليين ووصوليين من الباحثين عن وظائف سهلة وتستحق بعض "العناء"، طمعًا في مردود ربما يكون مركزًا قياديًا وقد يكون ماليًا.

نشيد

من نافل القول أنّ التزييف في التنسيب لأي حزب عامةً يكون لهدف إيصال انتهازيين واستغلاليين وطفيليين ووصوليين من الباحثين عن وظائف سهلة وتستحق بعض "العناء"، طمعًا في مردود ربما يكون مركزًا قياديًا وقد يكون ماليًا، وتساهم كذلك في إيصال من لا يملك المقومات الحزبية الكافية للوصول.

وما حصل في حزب العمل الإسرائيلي يدل على أمرين أساسيين؛ الأول أن انتخاب عمير بيرتس رئيسًا لـ"العمل" كان يعني احتجاج "العمليين" على إدارة شمعون بيرس للحزب ومحاولة لإخراجه من جيب شارون، وبالتالي كانت هناك حاجة لتدارك فقدان الهوية السياسية والتهاوي المطّرد للحزب نتيجة لذلك، والأمر الثاني أن قواعد الحزب، وحتى عناصر قيادية في الحزب، لم تكن جاهزة لتقبل قيادة بيرتس للحزب، وهذا ما يفسر عملية الهروب باتجاه حزب شارون الجديد "كاديما"، خاصة وأن بيرتس لم يعتمد أساسًا على ثقله الحزبي بالقدر الذي اعتمد فيه على "الهستدروت" كجهاز منظم (ناهيك عن التزييف في الانتسابات لصفوف الحزب) ما ضمن له نجاحًا أثبتت تداعياته أنه لم يكن قد تهيّأ له بعد، ولم تنضج بعد الشروط التي تؤهله لقيادة الحزب من جهة، ولتقبل الحزب لقيادته من جهة أخرى.

وبشكل عام، فإن أعضاء الحزب، أي حزب، الأوفياء لمبادئ الحزب هم ضحية الانتهازية، وفي نهاية الأمر فإن الحزب نفسه هو المتضرر، إلا إذا جرى توظيف الانتهازية لتحقيق مكاسب حزبية بيد أن ذلك يكون على الغالب في المدى القريب وحده، فالعلاقة بين الانتهازية والإخلاص لمبادئ الحزب هي علاقة عكسية متصادمة أبدًا (رغم أن "انكلاب" الانتهازية قد يكون مؤشرًا على أن هناك ارتفاعًا في قوة الحزب على اعتبار أن الانتهازية بحكم طبيعتها تستشف قوة الحزب قبل أن تنطلق إلى "صيد تراه ثمينًا" مدفوعة بالإمعيّة!)، وينعكس هذا الأمر في مدى توسع الحزب وانتشاره ومدى التصاق أعضائه بأفكاره ومدى حماسهم في العمل الحزبي، وينعكس أيضًا على مستوى العلاقات بين الأعضاء داخل الحزب الواحد، إذ تتحول من التكافل والالتفاف حول وحدة الهدف إلى علاقات وصولية تحكمها المصلحة الفردية في اختيار المعسكر داخل الحزب والانطلاق منه للنيل من المعسكرات الأخرى، كما تتحول المنافسة المشروعة إلى صراع مرير يبدد طاقات هائلة ويستنزف الحزب على كافة المستويات، ناهيك عن تعطيل عملية "الفرز الطبيعي" وإلغاء دورها في وضع عناصر الحزب، عامة، في التراتبية الحزبية المناسبة.

ربما من الأجدر القول إن ما سبق ينطبق نظريًا على الأحزاب العامة، ولكن في حالة إسرائيل، كدولة محتلة أولًا، ودولة تعرف نفسها دولة يهودية ثانيًا، وكدولة تتخذ من الصهيونية "أيديولوجية" ثالثًا، فإن الأمر يختلف من حيث المبادئ التي يحملها الحزب، إذ لا يمكن لحزب في دولة احتلال أن يحمل أفكارًا عنصرية وفي الوقت نفسه إنسانية وأخلاقية وتتطلب تكافلًا اجتماعيًا وإخلاصًا لمبادئ الحزب، بيد أنّه، وإن كان يدخل هنا علم النفس الاجتماعي وربما الاجتصادي (الاجتماعي – الاقتصادي) في شرح سلوك الأعضاء، من حيث الإخلاص كصفة أخلاقية وإنسانية في حالة "أحزاب الاحتلال والاستيطان" مثلًا، وإن كان ذلك يذكرنا بحالات تنتفي فيها الحزبية مثل العصابة أو القبيلة وأنماط تكتل وتعصب قد تصل حد التضحية من أجل المجموع، إلا أنه وفي الجانب التنظيمي فإن الكثير مما سبق ينطبق بالمعيار التنظيمي وحده.

هناك الكثير من المجموعات التي يجمع أفرادها وحدة الهدف، وليس بالضرورة أن تكون هذه المجموعة حزبًا، وبالتالي فإن الكثير من الأحزاب تصحّ تسميتها بالفرق أو العصابات أو القبائل! وربما يفسّر هذا الأمر، بوضوحٍ، ما يجري على الحلبة السياسية في إسرائيل والاصطفافات الجديدة المتسارعة والانتقال من حزب لآخر، في داخل القبيلة الواحدة، بعيدًا عن معايير السلوك الحزبي والأخلاق الحزبية المتبعة في الأحزاب عامة!

من الجائز النظر إلى هذه الأحزاب من زاوية "اقتصادية" على أنها شركات تعمل على زيادة أرباحها ولديها رساميل ومدخولات ومصاريف، ومنافذ لجذب الأموال ورؤوس الأموال، وهناك منتفعون يعملون في هذه الشركات ويحرصون على توسعها وزيادة أرباحها تتم تسميتهم في هذه الحالة... "أعضاء حزب"!

كما من الممكن النظر إلى هذه الأحزاب من زاوية "تنظيمية" على أنها عصابات يجمعها ويوطد الأواصر بين أعضائها وحدة الهدف في السيطرة على الشارع، وبالنتيجة فإن مبدأ القوة (السلطة)، مهما كان مصدرها، هو الذي يحكم في تراتبيتها والقوة نفسها هي "الصمغ" الذي يضمن بقاء عناصر العصابة موحدين خلف الهدف نفسه والذي يزيدهم قوة والتصاقًا بالعصابة.

كما من الجائز النظر إلى هذه الأحزاب من زاوية "بنيوية" على أنها سرب من "سمك الحبار" يتمايل سريعًا ويتلوى يمنة ويسرة كالأفعى في اللحظة ذاتها كأنه مشدودة بخيط واحد بحيث يحافظ على اتّجاه واحد... أو جوقات تنشد بتفاوت إيقاعي ولكنه النشيد نفسه... نشيد القبيلة.

التعليقات