31/10/2010 - 11:02

نهر البارد.. وملفات ساخنة!../ هاني حبيب

نهر البارد.. وملفات ساخنة!../ هاني حبيب
أنظار الفلسطينيين تتحول من غزة إلى "نهر البارد" شمال بيروت، بل إن أهالي غزة، كما هم في الضفة، باتوا يتابعون أخبار أهلهم وذويهم في نهر البارد، الذي لم يعد بارداً، عبر شاشات التلفزيون والاذاعات وكافة أشكال وسائل الإعلام، يتابع الأهل أهلهم في ذاك المخيم القصي البعيد بعدما بات جزءاً ومحركاً لوضع كان معقداً وازداد تعقيداً في لبنان.

من "نهر البارد" يعاد فتح الملف الفلسطيني في لبنان والمنطقة، الاحتراب الداخلي الفلسطيني في قطاع غزة، والعدوان الإسرائيلي المستمر بكافة أسلحة الدمار، لم يكن كافياً لإعادة فتح الملف الفلسطيني اقليمياً ودولياً، تابع العالم كيف نقتل أنفسنا، ويقتلنا الاسرائيليون بلا تردد أو رحمة، من دون أن يبدي أي اكتراث، ولكن عندما تحركت الأزمة وتفجرت من المخيم الفلسطيني الصغير في شمال لبنان، اهتزت شبكة العلاقات الاقليمية والدولية، وأعيد فتح الملف الفلسطيني لاستثماره في التجاذبات اللبنانية الداخلية المعقدة، هذا الاهتمام لا يعبر بأي حال عن تفهم للوضع الفلسطيني، خاصة في مخيمات لبنان، بقدر ما هو اهتمام إقليمي ودولي بتوازنات المنطقة انطلاقاً من الوضع المركب والمعقد في لبنان، توازنات إقليمية أطرافها عربية، من سورية حتى العراق، وبعد دولي واقليمي لا يقل أهمية ينطلق من طهران، تجاذبات المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري.

الملف الفلسطيني الذي تم فتحه من "نهر البارد" يعيد فتح الملفات العالقة والساخنة بين دمشق وواشنطن وطهران وواشنطن، أما العنوان الرئيسي لكل هذه الملفات فهو "الحرب على الارهاب" من بوابة جديدة هي "فتح الإسلام"، وعلى هامش هذا الملف، ويمكن أن يفتح ملف الوجود الفلسطيني في لبنان، ليس على خلفية تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والتعليمية المتردية في كافة مخيمات لبنان، ولكن لدمج الملف الفلسطيني حول المخيمات بقرارات تتعلق بسحب سلاح المقاومة الفلسطينية وسلاح حزب الله.

ونعتقد أن فتح مثل هذه الملفات، يرتبط أشد الارتباط بنتائج المواجهة بين الجيش اللبناني و"فتح الإسلام"، إلا أن الموقف الذي عبرت عنه القيادة الفلسطينية، متمثلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقاومة، سواء في لبنان أو في فلسطين 1948، وفلسطين غزة والضفة، من استنكار لما أقدمت عليه "فتح الإسلام"، والتأكيد على أن هذا التنظيم لا يمت بصلة فلسطينية، وانما اتخذ من نهر البارد درعاً بشرياً لكي يقوم بعملياته وفقاً لأجندة خارجية وفي مواجهة مع السلطات اللبنانية، للتأثير على ميزان القوى في التوازن الداخلي اللبناني، هذه المواقف تعبر عن مدى حساسية وضع الفلسطينيين في لبنان من جهة، وإدراك من قبل القيادة السياسية الفلسطينية لضرورة عدم استخدام الملف الفلسطيني في التجاذب السياسي اللبناني الداخلي، الأمر الذي يقطع الطريق على القوى الخارجية وأجندتها الخاصة عن استخدام الملف الفلسطيني لصالحها في مواجهات سياسية وعسكرية، تكون المخيمات الفلسطينية هي ضحاياها الأساسية.

لكن كل ذلك، لا يمنع من القول، إن أية معركة مواجهة، كما يحدث الآن في مخيم نهر البارد ستكون على حسابنا نحن الفلسطينيين، فنحن ضحايا التوازنات السياسية والعسكرية وتضارب الأجندات الخاصة بالقوى الاقليمية والدولية، الأمر الذي يحيل الوضع الفلسطيني الهش والحساس أصلاً إلى نفق مظلم، فنحن في فلسطين بتنا درعاً بشرياً وسياسياً وأمنياً لمختلف القوى والأجندات التي باتت قادرة على استثمار الملفات الفلسطينية لصالح مواقفها وحروبها، فمن مخيم نهر البارد بدأت معركة بين مختلف هذه الأجندات على جثث وضحايا وشهداء وجرحى أبناء المخيم، فدحر أو إخراج ظاهرة "فتح الإسلام" من المخيم، لن يتم إلا بعد أن نودع عشرات وربما مئات الضحايا الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم من سكان هذا المخيم الذي بات يشكل درعاً بشرياً لصد الجيش اللبناني ولمنعه من اجتثاث "فتح الإسلام"، خاصة ان قتلى هذا التنظيم، كانوا عرباً ولبنانيين، من دون أن يكون بينهم فلسطيني واحد، ما يشير الى أن هذا التنظيم، رغم كل الادعاءات، ليس فلسطينياً، وبفرض ان هناك من بين أتباعه بعض الفلسطينيين، فهذا لا يمنح هذا الفصيل الصفة الوطنية الفلسطينية.

إن الحسم العسكري، وهو القرار الذي على الأرجح بات قيد التنفيذ من قبل السلطات والجيش اللبناني، يجب أن لا يتم انجازه من خلال مجزرة لسكان مخيم نهر البارد، وإذا كنا ضد أن يستخدم المخيم لصالح أجندة خارجية اقليمية ودولية من خلال "فتح الإسلام"، فإننا بالتأكيد ضد أن يكون القضاء على هذا الفصيل من خلال القضاء على المواطنين الفلسطينيين من سكان المخيم، كما أن العدد المتزايد من قتلى الجيش اللبناني في هذه المواجهات لا يجب أن يبرر استخدام قوة عسكرية مبالغ بها، الأمر الذي سيؤدي الى ضحايا جدد من المواطنين الأبرياء من سكان المخيم.

وقد بات الأمر يتطلب، أكثر من أي وقت مضى، تعزيز منظمة التحرير الفلسطينية، ومسؤوليها في لبنان، على وجه الخصوص، كي تتمكن من أن تقوم بدورها المناط بها كي يتم تجنيب اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، الوقوع فريسة تقاطع وتناقض مصالح أطراف الأزمة، محلياً واقليمياً ودولياً، والدور الذي لعبته رموز منظمة التحرير الفلسطينية وقيادات الفصائل، حتى الآن، يشير الى أن هؤلاء أدركوا مغبة التدخل في الوضع الداخلي اللبناني ومردوده السلبي القاتل على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إلا أن تعقيدات ما ستنبئ عنه الأيام المقبلة، قد تطرح اشكاليات اضافية جديدة، وخاصة ان المواقف الرمادية والخجولة لبعض الأطراف، قد لا تمكن من التوافق على موقف فلسطيني موحد إزاء ما يجري، وبهذا المنظور، لا يمكن النظر إلى ما يجري على ساحة القتال الداخلي، أو في المواجهة مع العدوان الإسرائيلي، في قطاع غزة والضفة، بمنأى عما يجري في نهر البارد، وان اختلفت الظروف وأشكال المواجهة، ذلك أن الملفات الفلسطينية الساخنة في الضفة وغزة ومخيمات لبنان، هي المحرك الرئيسي، لتجاذب أطراف الصراع العربية والاقليمية وإذا ما نجحنا في وضع حد للفلتان الأمني الداخلي، فإننا سننجح في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وتجنيب اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، أن يكونوا دروعاً بشرية للاحتراب الاقليمي والدولي!.

"الأيام"

التعليقات