31/10/2010 - 11:02

نوبل للتطبيع.. دايتون للتصفية!../ عبد اللطيف مهنا

نوبل للتطبيع.. دايتون للتصفية!../ عبد اللطيف مهنا
لاشيء من صدفة يجمع ما بين أربعٍ توزعت بين المناسبة والحدث والتحرك... إنها الذكرى التاسعة والخمسين للنكبة العربية في فلسطين، وملتقى نوبليو البتراء الأردنية أو مظاهرتهم التطبيعية الدورية منذ ثلاثة أعوام، ومحاولة إعادة تعويم ما تعرف بالمبادرة العربية، تلك التي سبق وأن وأدها شارون ساعة ولادتها المعروفة في قمة بيروت... تعويمها عبر تشكيل المؤتمرين في آخر قمة عربية في الرياض لوفدٍ وزاري مهمته المعلنة ترويجها إن أمكن لدى الإسرائيليين... وهاتان الاثنتان، كانتا بالتوازي مع دموية صراع ديكة السلطة "البلا سلطة" في قفصها الأوسلوي وتحت الاحتلال، هذا الذي تشهد بشاعة مشاهده راهنا غزة المكلومة. ثم رابعتهما، أو ما يمكن مقاربته باعتباره الوجه الآخر لفضيحة ما تشهده شوارع هذه المدينة المستباحة، أي تنفيذ ما يعرف بخطة دايتون، أو ما تفتقت عنه الذهنية الأمنية للجنرال الأمريكي الموصوف بأنه المنسق الأمني بين الاحتلال الإسرائيلي و السلطة "البلا سلطة"... هذه السلطة مدار الصراع التناحري بين طرفيها في هذه الأيام السوداء من عمر النضال الوطني الفلسطيني المديد.

الجامع بين هاته وتلك مما سردنا لايتعدى أمراً واحداً فحسب، هو أن ما تم البدء في ترويجها وبعث أوهامها، ووصفها بالمسيرة التسووية، و الإصرار على إلباسها قسراً لبوس السلام الذي تفننوا في توصيفاته، لم تعد تأبه أطرافها بأن تخفي ما كان يضمر حين تقرر بعثها باعتبارها أولاً وأخيراً مسيرة تصفية لقضية قضايا الأمة العربية في فلسطين...

في البتراء، ودونما أدنى مراعاة منه ومن الحضور لحرمة الأنباط المنتهكة، ودونما التفات لتململهم للمرة الثالثة في قبورهم، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، دون أن يمسح دماء آخر ضحايا الاحتلال في غزة والضفة المحتلين عن يديه الملطختين، ليبشر مستمعيه:

"إننا نشفى من الإخفاقات"... في إشارة إلى تداعيات تقرير ما تعرف بلجنة "فينوغراد" حول فشل الحرب العدوانية الأخيرة على لبنان، وبالتالي ليردف: "أنا أدعو 22 رئيس دولة عربية إلى القدوم للتباحث. وسوف أكون مسروراً للقائهم والاستماع لآرائهم. وأنا على استعداد للذهاب للقاء مع رؤساء الدول العربية المعتدلة في أي مكان يريدون. إننا نقول نعم لكل مبادرة جدية للتباحث أو من دون شرط"...!

أولمرت ، هنا، يدعو بصفاقة للتطبيع فحسب، ومن يدعوهم للتطبيع معه هم أصحاب المبادرة المراد ترويجها لديه، تلك التي لم يقبلها، وكان قد وأدها، كما قلنا، سلفه في مهدها... إنه فحسب يريد الاستماع لآراء أصحابها، ويصنفهم سلفاً معتدلين، هو على استعداد لتجشم عناء الذهاب إليهم إن لم يأتوا إليه. أما غير المعتدلين فلا بأس إن جاؤوا هم والمعتدلون جماعة إليه!

هو يريدها حفلة تباحث تطبيعية أو تنازلية دون شروط، لأنه بكل بساطة لا يكتم رؤيته للمبادرة أصلاً والتي تقول:
إننا "نرى في المبادرة العربية مبادرة مثيرة جداً للاهتمام"، لكن، " نحن لا نتوقع منهم أن يقبلوا كل ما نقول، ولا ينبغي لهم أن يتوقعوا أن نقبل كل ما نسمع، ولكن ينبغي أن نلتقي"... نلتقي، بمعنى، ينبغي أن يكون التطبيع سلفاً، وليس كنتيجة لتسوية مبتغاة كما تدعوا أو يدعوا أصحاب المبادرة...

باختصار المروّجون للمبادرة والمروّجة لديهم، كلاهما كطرفين يطرحانها ضمناً للتفاوض، وليس للقبول أو الرفض، باعتبار أن هذا الأمر قد حسم منذ أن وأدها شارون عشية مولدها... ألا يصفها الإسرائيليون بـ"المسرحية الوحيدة في المدينة"؟!
ولعل الأهم عندهم هو ما كان قد استرعى انتباه العجوز الداهية شمعون بيرز في مثل هذه المسرحية الوحيدة، وهو ما ينعته بأنه "موسيقى لم نسمعها طوال المائة سنة الأخيرة"!!!

بيرز يرهن جدية الاستماع الإسرائيلي للمعزوفة العربية أو احتمال مبادلتها بمعزوفة إسرائيلية ما بما يلي:
"شرط الاعتراف بإسرائيل، ووقف الإرهاب، وتغيير الحكم الفلسطيني من أساسه"... بمعنى التسليم أولاً بالمفهوم الإسرائيلي للسلام المتمثل في القبول غير المشروط بما تم فرضه من وقائع احتلالية وتهويدية طيلة العقود الستة الماضية، ووقف مقاومة الشعب الفلسطيني لها، ثم تغيير الحكم الفلسطيني من أساسه، بمعنى تصفية حماس السلطة بعد تصفيتها كمقاومة وسائر المقاومين في الساحة الفلسطينية... وعندها "وإذا حدث ذلك، يمكن تحقيق السلام (الاسرائيلي) خلال 24 ساعة"... أي أنه عملياً سوف تتحقق التصفية المبتغاة!!!

لم يحرك قرار أولمرت الملطخ اليدين باستئناف الإغتيالات والتصفيات، أو بالأحرى زيادة وتيرتها، في الضفة والقطاع، ساكناً لدى نوبليي البتراء التطبيعيين، كما لم يلتفتوا مستغربين، على الأقل، إلى مطالبة نتنياهو بقطع الماء والكهرباء عن غزة. وكانوا في حال من يصادقون ضمناً على تلك اللازمة التي يرددها الأمريكان كلما سال الدم الفلسطيني، وآخر ذلك المردد دائماً ما جاء على لسان شون ماكورماك الناطق باسم الخارجية الأمريكية، حيث أعاد ما اعتاد قوله معلقاً على الغارات الجوية على غزة والزحف البري من حولها، قال ماكورماك:
إن "لاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. وقد أظهروا (الاسرائيليون) الكثير من ضبط النفس"!!!

وهنا نأتي إلى ما يجري في غزة. لكنما هو أمر لايمكننا مقاربته أو فهمه دونما التوقف أمام ما تعرف بخطة دايتون، هذه التي أشرنا إليها بداية، أو ربطه تلقائياً بها.

كان الجنرال دايتون يشغل منصب المستشار الأمني للخارجية الأمريكية قبل أن يعهدوا له بمهمة التنسيق الأمني بين الاحتلال وسلطة الحكم الذاتي الاداري المحدود إثر تنفيذ ما عرفت في حينه بعملية "فك الارتباط" الشارونية في غزة أو إعادة الإنتشار حولها عام 2005... خطة دايتون التي وافق أولمرت عليها تقضي، باختصار، إيقاف المقاومة الفلسطينية مقابل مجرد تخفيف الحواجز العسكرية الإسرائيلية المضروبة حول الكانتونات أو التجمعات الفلسطينية البشرية المحاصرة...

هذا ميدانياً، أما سياسياً فتقول الخطة بانتخابات فلسطينية مبكرة حدد دايتون موعدها بالخريف القادم. وذلك مطلوب أن يتم "بعد تأمين المستلزمات القانونية والادارية اللازمة للرئيس كي يحكم ويزيد من مصداقيته وشرعيته"... بمعنى خطة تطرح بهدف الدفع باتجاه التسريع بإسقاط حكومة حماس أو ما يعرف تجاوزاً بحكومة "الوحدة الوطنية"... أي بلغة أخرى دعم الرئاسة وقواها الأمنية ضد الحكومة وقواها التنفيذية... أو هو تنفيذ لسياسة عبّر عنها بيرز مؤخراً في تالين الأستونية: حين قال "يتعين علينا مساعدة السيد عباس في قتاله ضد الإرهابيين"!

أما كيف تكون هذه المساعدة، فيردف:
"يمكننا فقط أن نرد على طلبات عباس بتقديم المساعدة. لن نتدخل في الحرب ذاتها، ولكن إذا طلب السيد عباس مساعدة معينة فسنوفرها"!

إذن، الإسرائيليون لا يتدخلون في الصراع السلطوي الجاري في غزة، وكل ما يفعلونه هو عرضهم مساعدة طرف من طرفي الصراع على السلطة البلاسلطة تحت نير احتلالهم على التغلب على الطرف الآخر... فقط الفانتوم ومروحيات الأباتشي تغير على غزة ورفح وتمارس من الجو هواية قنص السيارات وإطلاق الصواريخ عليها في شوارع غزة، والدبابات على الأرض لا تفعل أكثر من أن تخترق الحدود بين القطاع والمحتل من فلسطين عام 1948 وقتما ترى الفرصة مناسبة لذلك، بينما المتقاتلون عليهم أن يرتقوا الطبقات العليا من الأبراج لاقتناص أرواح إخوتهم، بل حتى لم يسلم المتظاهرون الشاجبون احتراب الإخوة... هذا الاحتراب الذي وصل درك اقتراف فظائع الإعدامات بدم بارد... من رصاصهم المتربص من شرفات تلك الأبراج...

ما يجري في غزة هو صراع على سلطة تحت احتلال ماكر يغذيه ويرعاه ويوظفه بخبث. وهنا لابد من ملاحظة مفارقة لا تأتي إلا في هذا السياق البائس المريع وحده:
إنها تركيز انتشار ما يدعى قوات الأمن الوطني ضد ما يدعى الفلتان الأمني في المناطق التي تطلق منها المقاومة الصواريخ على المستعمرات الإسرائيلية فحسب، الأمر الذي يعيدنا منطقياً إلى ما يحكى عن خطة إسرائيلية معلنة، لإقامة ما يدعى "منطقة حزام أمني داخل أراضي القطاع"... هل المطلوب أن تنفذ هذه الخطة بأيد فلسطينية؟!!

وإذا ما عدنا إلى ما كنا قد بدأناه من حديث حول تلك الأربع اللواتي توزعن بين المناسبة والحدث والتحرك، نخلص في النتيجة، لاسيما ونحن نرقب تداعيات المأساة الغزاوية، إلى واقع يقول: إنها مرحلة تصفية لا تسوية، تواجه بمقاومة لا مساومة..!

التعليقات