31/10/2010 - 11:02

هل تحدث قنبلة "أبو اللطف" هزة في العقل الفلسطيني المسترخي../ عوض عبد الفتاح

هل تحدث قنبلة
ما يجري في حركة فتح والحركة الوطنية الفلسطينية عمومًا، ليس حصيلة اللحظة الراهنة، بل نتاج سيرورة طويلة ومعقدة، كما أنه ليس حصيلة تفاعلات داخلية فحسب، بل أيضًا حصيلة تفاعل الخارج مع الداخل – حصيلة التدخل الدولي المعادي والمنحاز للمشروع الصهيوني في فلسطين.

الضغط الخارجي والمستمرّ فجّر التناقضات الداخلية، ومن ثم أدى إلى أن يصبح أحد طرفي الحركة الوطنية الرئيسيّين، معزولاً ومحاصرًا في قطاع غزة ويمارس السلطة بإيجابياتها وسلبياتها وبنزعتها القمعية، وقيادة الطرف الآخر تجد نفسها في تعاون وتنسيق أمني مع الاحتلال، بدعوى إزالة الذرائع التي تتذرع بها إسرائيل وحلفاؤها في الغرب، في رفضهم العمل الجدّي على إنهاء المشروع الإحتلالي الكولونيالي. بل أكثر من ذلك، وهو على ما يبدو قمة التراجيديا التي تحياها الحركة الوطنية الفلسطينية هذه الأيام، أدى إلى دفع قادة من الصف الأول إلى التآمر على قتل رئيس وقائد الثورة الفلسطينية الأول، حسب ما جاء في المحضر الخطير الذي كشف عنه أمين سرّ اللجنة المركزية لحركة فتح، فاروق القدومي.

الوصول إلى هذه الحالة التراجيدية، جاء على جرعات، وبالتدريج بحيث تحول التنسيق التكتيكي لسلطة أوسلو، بعد عام 1993، إلى تنسيق استراتيجي مع الاحتلال في ظل حكومة فياض - أبو مازن، بل أصبح ذلك مذوتًا، بل إن بعض نخب السلطة استمرأوا التحالف مع الاحتلال وملاحقة المقاومين وسجنهم وقتلهم.

لقد أُبعد غالبية الفتحاويين المناضلين والذين تربوا على أن الاحتلال هو العدو الرئيسي من الأجهزة الأمنية، وأحلّ مكانهم شبابا لم يسمح لهم سنهم الصغير بمحاربة الاحتلال، ليتحولوا إلى أدوات في ماكنة السلطة الساعية إلى إرضاء المحتل الإسرائيلي والحليف الأمريكي، تحت إمرة وتوجيه جنرال أمريكي هو دايتون.

يفاجأ اليوم أبناء شعبنا، وفي مقدمتهم الفتحاويون الشرفاء بالقنبلة الخطرة التي فجرها فاروق القدومي، وهو من الرعيل الأول لقادة حركة فتح والحركة الوطنية الفلسطينية الذين فجّروا الثورة. ليست المفاجأة أن يكون محمد دحلان متورطًا في المؤامرة. ولكن المفاجأة للكثيرين، حتى الذين لهم مآخذ كثيرة، هو اتهام رئيس السلطة المنظمة، أبو مازن بالتورط.

لم تعد المسألة الخطيرة والهامة احتمال أن لا يعقد مؤتمر فتح أو أن يؤدي إلى انشقاق إذا ما عقد بعد تفجير هذه القنبلة، بل الأخطر هو انهيار ما تبقى من الصورة الأخلاقية لقيادة فلسطينية أمام شعبها وأمام الرأي العام وخاصة المناصر للقضية، بل أمام المعادين الذين سيرقصون على هذه المسألة، ليمضوا بتصوراتهم العنصرية عن شعبنا وكأنه لا يستطيع أن يقود نفسه بنفسه، وبالتالي لا بدّ من تمرير حلول مع أطراف إقليمية أو فرض وصاية على الشعب الفلسطيني.

الخطة التي يعدها فريق براك أوباما لتسوية سلمية، أو الخطة المعروضة من رئيس حكومة إسرائيل على الرئيس المصري حسب ما جاء في وسائل الإعلام تندرج ضمن هذه التصورات والمخططات المرسومة للمنطقة، والتي لا تلعب فيها القضية الفلسطينية سوى دور الأداة لتكريس الهيمنة على المنطقة عبر تحديث وسائلها وآلياتها.

وقد يكون السؤال المتأخر هو: هل كان على الكثير من الفتحاويين الشرفاء أن يدركوا حجم الدور الخطير الذي يقوم به فريق سلطة رام الله، فقط بعد كشف محضر جلسة شارون، أبو مازن، دحلان؟ ألم يكن فرض أبو مازن رئيسًا للحكومة الفلسطينية في زمن الشهيد ياسر عرفات، وعودته رئيسًا للسلطة، منتخبًا، وتشكيل حكومة تـُزيح حركة فتح والحركة الوطنية عن القيادة والدور الكفاحي، وتقلب المعادلة الوطنية برمتها، من معادلة لمقارعة الاحتلال إلى التعاون معه وملاحقة المقاومين وتصفيتهم؟ ألم يكن دليلاً كافيًا لاتخاذ موقفٍ حاسم مما يجري من انزلاق وطني غير مسبوق؟

بغض النظر عما يصدر من نفي من جانب فريق رام الله، فإن أمرا جللا انكشف أمام من كانوا قد نجحوا في التكيف مع هذا الفريق، مشحونين بالصراع مع حركة حماس التي كشف المحضر المذكور حقيقة التآمر على قادتها، وعلى قادة فصائل المقاومة الأخرى، مثل الشعبية والجهاد.

ليس مطلوبًا من أوساط فتح والمقاومين فيها وحدهم، بل أيضًا من بعض أوساط أحزاب اليسار الذين أيضاً تحولوا إلى موقع أقرب إلى حالة التكيّف مع السلطة والإسترخاء على هامشها، مطلوبٌ إعادة النظر فيما وصلوا إليه من ضعف واسترخاء وتكيّف. وهذه الحالة هي تجسيد للإستنكاف عن النضال أو على الأقل عن أخذ موقف مبدئي.

إن هذه الهزة الأرضية، وإن جاءت متأخرة فهي من المفروض أن تحدث هزة مماثلة في العقل الفلسطيني الذي استرخى على الهامش تاركًا المجال لمن فقد البوصلة منذ زمن للعبث بمصير الحركة الفلسطينية. وحركة حماس، وإن كانت مستهدفة فإنها لا تعفى من المسؤولية عن أخطاء ارتكبتها ولا عن المسؤولية في النهوض بالوضع، وينتظر منها إظهار التواضع والانفتاح على جميع الفصائل والاعتراف بإنجازات الحركة الوطنية الفلسطينية المجبولة بالدعم والشهادة، على مدار عقود. وبالتالي التصرف كجزء من الحركة الوطنية وكطرف مقاوم، وليس كقيادتها الوحيدة.

هل نقول ربّ ضارة نافعة؟! نرجو ذلك.

التعليقات