31/10/2010 - 11:02

وثيقة "الشاباك" السرية وتعذيب الأسرى الفلسطينيين../ راسم عبيدات

وثيقة
... نشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية يوم الجمعة الماضي الموافق 21/11/2008، وثيقة وصفت بأنها سرية أعدها جهاز المخابرات الإسرائيلية العامة " الشاباك" حول استخدام وسائل تعذيب جسدية ونفسية غير تقليدية في التحقيق مع الأسرى الفلسطينيين المتهمين بقضايا أمنية، وذلك لحملهم على تقديم اعترافات بالقوة.

والشيء المثير للسخرية والاستغراب هنا وصف تلك الوثيقة بالسرية، وكأن الأساليب التي يستخدمها " الشاباك" في التحقيق مع المعتقلين الأمنيين،لا تستند وتعتمد على مثل هذه الأساليب، وبما يوحي بأن تلك الأساليب هي استثناء، والقاعدة هي "قيام المحققين الإسرائيليين بالتحقيق مع الأسرى الفلسطينيين وفق أساليب حضارية وبصيغة سؤال وجواب، هل تعترف بهذه التهم أم لا...؟

والصحيح هو أن الواقع يجافي ذلك كلياً، فرغم تقرير لجنة لندوا عام 1987، والذي أدان ما يدلي به المحققين الإسرائيليين من شهادات كاذبة حول الطريقة التي يتم فيها انتزاع اعترافات من المعتقلين الفلسطينيين، والتي يشهد فيها المحقق أمام المحكمة بأن المعتقل أدلى باعترافات، دون أن تمارس عليه أية ضغوط نفسية وجسدية، بل أدلى بها وهو يدخن ويحتسي كأس شاي أو فنجان قهوة، وهو في حقيقة الأمر يكون قد مر في عدة جلسات ودورات من التحقيق الجسدي والنفسي متعددة الأشكال والأساليب، ورغم تقرير لجنة لنداو والقيود التي حاولت تجميل عملية استخدام أساليب تعذيب جسدية ونفسية، إلا أن تقرير اللجنة شرع التعذيب بصورة رسمية وقانونية، عندما دعا إلى استخدام قدر معقول من الضغوطات الجسدية والنفسية على الأسرى الفلسطينيين لانتزاع اعترافات منهم، واستناداً لذلك تسلح المحققين بهذا التقرير، واستمروا باستخدام أساليب التعذيب الجسدية والنفسية بمختلف أشكالها وأنواعها بشكل ممنهج ومبرمج، ودفع العديد من الأسرى حياتهم ثمناً لهذه الأساليب في أقبية وزنازين التحقيق الإسرائيلية.

والمهم هنا فيما نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، أنه أماط اللثام عما يجري ويستخدم من أساليب تحقيق نفسية وجسدية مع الأسرى الفلسطينيين تخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية، وهذه الأساليب المتعددة والمتنوعة الأشكال، هي التي دفعت بالكثير من المعتقلين لتقديم إفادات واعترافات غير حقيقية، وذلك حتى يتخلصوا من جولات التحقيق والتعذيب، وهذا يعني عقب نشر هذا التقرير أنه يتوجب على المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية التي تعنى بشؤون الأسرى، ليس فقط إدانة هذه الأساليب والمطالبة بوقفها وإلغائها، بل والطعن بكل المحاكمات التي جرت للأسرى الفلسطينيين وما قدموه من إفادات واعترافات تحت وطأة تلك الأساليب، فتقرير لجنة لنداو ليس ذو قيمة أو فاعلية، حيث أن المحقق في سياق عملية التحقيق إذا وجد أن المحقق معه لا يتجاوب مع المحقق أو يرفض الرد على أسئلته، يتوجه فوراً إلى المستشار القضائي للحصول على أمر منه، باستخدام عدة أشكال من التعذيب مع المعتقل، من أجل حصول على معلومات واعترافات منه، وفي أكثر من حالة، بل وفي مئات الحالات جرى الحصول على أكثر من أمر قضائي للمعتقل، يبرر استخدام التعذيب والتحقيق معه.

وما نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" يكشف جزءا من أساليب "الشاباك"، فالصفع على الوجه والشبح المتعدد الأشكال، والهز العنيف، والقرفصاء ومشي البطة والجلوس في أوضاع غير مريحة مع تقييد القدمين واليدين، والضغط على الأجزاء الحساسة في الجسم والحرمان من النوم والأكل وقضاء الحاجة واستخدام الموسيقى الصاخبة والألفاظ البذيئة والنابية والتهديد باعتقال أو اعتقال المقربين، واستخدام "دوشات" الماء البارد والساخن ووضع كيس نتن على كامل الرأس وبما يمنع عملية التنفس كلياً، هي جزء بسيط مما في جعبة المخابرات من أساليب تعذيب جسدية ونفسية تستخدمها لحمل الأسرى الأمنيين الفلسطينيين لتقديم اعترافات.

وما يرتكب بحق الأسرى الفلسطينيين من أساليب تعذيب متعددة الأشكال، ليست قصراً على مراكز وأقبية التحقيق، بل عملية متكاملة تشارك فيها كل أجهزة الدولة ومستوياتها، من أصغر شرطي وحتى قمة الجهاز القضائي، وحتى رئيس الدولة نفسه، والمخول في النظر في تحديد مدة الحكم لأسرى المؤبدات من أسرى الداخل والقدس، أو إصدار عفو أو تخفيض مدة حكم لأسير. ولعل الجميع يذكر حالة الأسير وليد دقة والمحكوم بالسجن المؤبد، والذي قدم استئنافاً لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية على قرار رئيس هيئة الأركان السابق"دان حلوتس" برفض تحديد مدة السجن المؤبد له، فهذه المحكمة أيضاً رفضت ذلك، وطلبت من محامي الأسير دقه سحب الاستئناف حتى لا تضطر لرفض الطلب، والمسألة ليست وقفاً على هذا الحد، فإدارات السجون تتبع عملية تعذيب وإذلال ممنهجة بحق الأسرى الفلسطينيين، حيث القمع والعزل لأتفه الأسباب، أو الحرمان من الزيارات لفترات طويلة، وفي الفترات الأخيرة شنت هجمة شاملة على الأسرى، بغرض فرض سلسلة من الإجراءات القمعية والإذلالية عليهم، تتمثل في محاولة إلغاء زيارات الأهل للأسرى والاستعاضة عنها بنظام "الفيديو كونفرنس"، وهذا يعني منع أي شكل من أشكال التواصل بين الأسرى والعالم الخارجي وفرض عزلة تامة عليهم، وبما يحصي على الأسير أنفاسه ويمنعه من التعبير عن عواطفه ومشاعره الإنسانية تجاه أهله وأسرته.

وفي نفس السياق والصعيد حاولت إدارة السجون أن تلغي صفة الأسرى الأمنيين، من خلال محاولة فرض الزي البرتقالي على هؤلاء الأسرى، هذا الزي الخاص بالسجناء الجنائيين، والهدف من ذلك وسم أسرانا المناضلين من أجل الحرية والاستقلال، بأنهم مجموعة من الزعران والقتلة والحشاشين واللصوص، وجربت ذلك مع مجموعة من المناضلين، وعندما أصروا على رفض ذلك تم الاعتداء عليهم بوحشية وعزلوا في الزنازين، وتقديري أن إدارة السجون لن تتراجع عن هذه الخطوة بسهولة، بل ستحاول استغلال أي فرصة يبدي فيها الأسرى ضعف أو تراجع وتنقض عليهم من جديد.

ومن هنا فإن ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" حول ما سمي بوثيقة سرية "للشاباك" تكشف استخدام وسائل تعذيب جسدية نفسية وغير تقليدية، هو مجرد إخراج لتلك الأساليب من السرية إلى العلن، وإقرار رسمي من قبل الحكومة الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها باستخدام وممارسة التعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين، بعد سنوات طويلة من الإنكار، وهذا الاعتراف الإسرائيلي يستدعي تدخلاً عاجلاً من كل المؤسسات الحقوقية والإنسانية، ليس فقط لإدانة واستنكار ذلك والمطالبة بمحاكمة من يمارسون ذلك من محققين ومسؤولين عنهم، بل بضرورة التوقف عن مثل هذه الممارسات والأساليب غير الشرعية والقانونية والتي تتناقض مع كل الأعراف والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان.

التعليقات