31/10/2010 - 11:02

وعد بلفور أو حل المسألة اليهودية أوروبياً../ توفيق المديني*

وعد بلفور أو حل المسألة اليهودية أوروبياً../ توفيق المديني*
ارتبط المشروع الصهيوني في إقامة دولة على أرض فلسطين بوثيقة سياسية بريطانية هي تصريح بلفور في 2 نوفمبر/تشرين الثاني1917، وهو في الواقع محض رسالة موجهة من الوزير البريطاني للشؤون الخارجية اللورد بلفور إلى اللورد روتشيلد. وقد شكل وعد بلفور منعطفاً مهماً لأنه أعطى الحركة الصهيونية الغطاء القانوني التي سعت لتحقيقه منذ تأسيسها. وبالرغم من أن الوعد نص: “بأن لا يتم تجاوز الحقوق المدنية والدينية للسكان الموجودين في فلسطين من غير الديانة اليهودية”، هذا النص لم يقلق الصهاينة خاصةً وأن الوعد قد أشار فقط: للحقوق المدنية والدينية، وليس للحقوق السياسية أو الوطنية.

وبعد احتلال البريطانيين لفلسطين، قاموا بتوفير كافة الحمايات القانونية والأمنية والمالية اللازمة لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية. وفي غضون الحرب العالمية الأولى قدمت بريطانيا ثلاثة وعود متناقضة تخص مستقبل فلسطين وهي كالتالي:

- اتفاقية سايكس - بيكو لعام 1916 مع الحكومات الفرنسية والروسية التي اقترحت أن تكون فلسطين تحت الإدارة الدولية.

مراسلات الحسين - مكماهون (التي حدثت ما بين اعوام 1915-1916) ومن مضمونها أن تكون فلسطين في المنطقة العربية المستقلة مقابل ثورة العرب ضد الحكم العثماني.

على النقيض من ذلك، وعد بلفور بتحويل فلسطين لوطن قومي لليهود تحت الحماية البريطانية.

كانت الأسباب الخارجية، وأهمها الدور الذي لعبته بريطانيا، صاحبة وعد بلفور، التي انحازت بإصرار دائم إلى المصالح الصهيونية،هي التي ساعدت “إسرائيل” على “حشر الفلسطينيين في زاوية مستحيلة، وداخل قفص حديدي”. وكان الشعب الفلسطيني منذ أوائل القرن العشرين يملك هوية محددة بوضوح، ولكنه لم يكن قادراً على تطوير صيغ بنيوية دائمة وقابلة للحياة تخدم هذه الهوية، أو على السيطرة على أراض يمكن ممارسة هذه الهوية عليها. وسوف يستمر الشعب الفلسطيني في الوجود إلى أجل غير مسمى في المستقبل، كما كان موجوداً منذ انتهاء الهيمنة العثمانية سنة 1918 في موطن انتقالي من دون دولة.

“إسرائيل” واقع استعماري، وقد أجمع المثقفون العرب من اليمين واليسار أن “إسرائيل” هي جزء من الظاهرة الاستعمارية الأوروبية. وقد تبنى هذا الموقف العالم الثالث على أوسع نطاق. ويحار المرء في الانتقاء من بين التأكيدات العربية. فها هو عبد الناصرفي كتابه “فلسفة الثورة” يحكي أفكاره كضابط في الثلاثين من العمرعند عودته من حرب فلسطين عام 1948: لقد كان ذلك كله على توافق طبيعي مع الرؤيا التي رسمتها في ذهني التجربة. (فالمشرق العربي) يشكل منطقة واحدة تعمل فيها الظروف نفسها والعوامل نفسها وحتى القوى نفسها المتألبة عليها جميعا. ومن البديهي أن تكون الامبريالية أبرز هذه القوى. ولم تكن “إسرائيل” ذاتها سوى نتيجة من نتائج الامبريالية”.

“إسرائيل” في نظر العرب قاعدة امبريالية أقامتها في الشرق الأوسط الامبريالية البريطانية بالاتفاق مع الامبرياليات الأخرى، وهي جزء من النظام الامبريالي العالمي، ونشاطها في العالم هو منذ وجودها مرتبط بالنشاط الامبريالي سواء أكان لمصلحتها الخاصة أو لحساب الامبرياليات الأوروبية والأمريكية. هذا هو على الأقل التصور الأكثر شيوعًا في العالم العربي. ويشعر العرب من محيطهم إلى خليجهم بالمهانة جراء فرض عنصر غريب في قلب أمتهم تسانده قوى العالم الأوروبي الأمريكي.

إن مأساة الشعب الفلسطيني كانت نتيجة لمعطيات وأهداف الاستعمار الأوروبي الذي خطط وباشر في تنفيذ خططه في الاستيلاء على المنطقة العربية، وفي إقامة دولة “إسرائيل”،على أرض فلسطين. ومن هنا، فإن أوروبا لا تفهم قضية شعب فلسطين أكثر من غيرها فحسب، بل لا بد وأن تستشعر بما مارسته من أعماق المأساة للشعب الفلسطيني.

وجاء قيام الكيان الصهيوني عام 1948 ضمن مخطط استعماري استهدف المنطقة كلها بما فيها فلسطين. وكان الوجود الصهيوني في فلسطين جزءًا منه، إذ قام المخطط الاستعماري على تجزئة العالم العربي، وضمان تخلفه. وهدف الوجود الصهيوني الحفاظ على هذه الفسيفساء. وظل الكيان الصهيوني مرتبطاً بحركة الرأسمالية العالمية عندما كان مركزها في أوروبا، وأصبح جزءًا من المخطط الامبريالي الأمريكي حين انتقل مركز هذه الرأسمالية العالمية إلى أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية.

إن شعور أوروبا بالذنب والندم على ما اقترفته لاساميتها من مجازر وحشية بحق اليهود، والتي بلغت ذروتها مع ما سمي بالمحرقة النازية، جعلتها تقدم الدعم المكثف لـ”إسرائيل” التي باتت شرعية وجودها ناصعة البياض في مواجهة المطالب العربية الشرعية. ذلك أن هذا الغرب، لا يريد أن يعي جوهر الثقافة العربية الإسلامية، والتي لم تعرف طيلة تاريخها مثل هذه العنصرية والاقصائية تجاه اليهود أو غيرهم من الجماعات السكانية. فعندما سقطت الأندلس، وطرد اليهود منها، انتقلوا للعيش في البلدان العربية والإسلامية، وعاشوا بسلام ووئام مع العرب والمسلمين، ولم يعرف تاريخ الامبراطورية العثمانية التي حكمت العالمين العربي والإسلامي طيلة أربعة قرون متواصلة أي اضطهاد لليهود في عهودها.

انطلاقاً من عقدة اضطهاد اليهود، وتحت تأثير هذه العقدة، يعتبر الغرب الأوروبي أن قيام “إسرائيل”، قد شكل حلاً نهائياً للمسألة اليهودية التي لم يعرفها العالم العربي والإسلامي، وهو لا يريد أن يستوعب موقف العرب والمسلمين من هذا الحل الذي قام على أرضية المشاريع الاستعمارية المتعلقة بالمنطقة، وبالتالي فهو يذهب في عدم فهمه، إلى مواقف الدعم المطلق للعدوانية الصهيونية تجاه شعوب المنطقة، وإلى وصم مقاومة هذه الشعوب رداً على العدوان الواقع عليها بالارهاب، معتبراً هذا الرد، على أنه نتاج رفض هذه الشعوب “للحل الإنساني” لتلك المسألة، على أساس أن الإسلام هو الذي يعيق تقبل شعوب المنطقة للفكر الحداثي والعصري والإنساني الذي هو نتاج الحضارة الغربية(!).

لقد تولد لدى الوعي الأوروبي قناعة، جوهرها أن معافاة المجتمعات الأوروبية من معاداة السامية بعد قيام الدولة اليهودية، قد أوصل هذه المجتمعات إلى أعلى مراحل ليبراليتها وذلك من خلال تخلصها من آخر نزعاتها غير الليبرالية المتعلقة بمعاداة السامية. وبالنسبة لعداء شعوب المشرق والعالم العربي والإسلامي للدولة اليهودية لكونها قاعدة استعمارية عدوانية وكيان اغتصابي تم زرعه في قلب المنطقة، فهو في نظر الغرب الأوروبي، مرتبط بتخلف هذه الشعوب عن ركب الليبرالية التي تتعارض حسب رؤيتهم التبسيطية والاستعلائية والعدائية، مع جوهر الإسلام، ومع جوهر الحضارات الشرقية بوجه عام التي لا تنتج غير الثقافة والنظم الاستبدادية.
"الخليج"

التعليقات