31/10/2010 - 11:02

وقفة موّحدة لأجل الأوقاف: نحو تغيير الواقع بأدوات الوعي والوحدة الوطنية والعمل الجماهيري المنظّم/ عروة سويطات

-

وقفة موّحدة لأجل الأوقاف: نحو تغيير الواقع بأدوات الوعي والوحدة الوطنية والعمل الجماهيري المنظّم/ عروة سويطات
الحقيقة بين الجديد والقديم

يعيدنا طرح تشكيل لجنة "أمناء" جديدة إلى أيام الحكم العسكري، تلك الفترة التي لم أعشها والتي طالما تمنّيت امتلاكي مركبة زمنية تأخذني إليها مع السؤال: ماذا كنت سأفعل إن كنت هناك في حينه؟ ماذا كان يمكننا أن نفعل لنمنع تحكّم السلطة بأملاكنا الجماعية، بأوقافنا؟ الأجوبة عن الماضي إمكانيات كثيرة وجدل سفسطائي، لكن الأجوبة على تجدّد الماضي في الواقع المركّب بسببه ليست كذلك، إنها خيارات المناضلين لأجل الحق وواجبهم بإيجاد جواب للسؤال "ما العمل؟" وتنفيذه.

الدولاب يعيدنا مجدّدًا لذات المكان، كأنه لا جديد تحت الشمس التي أشرقت، منذ الحكم العسكري، آلاف المرات على هذه المدينة التي ثبّتنا فيها وجودنا وبقاءنا وعززناه بالعلم والمؤسسات والحركة الوطنية. يدور الحديث مجدّدًا عن تشكيل لجنة "أمناء" جديدة، ويدور السؤال حول دور الوطنيين ومسؤوليتهم الجماعية من تشكيل لجنة الأمناء الجديدة هذه؟

لجنة "الأمناء"، وعلى مدار عقود طويلة، تواصل إهمال المقابر وإغلاق المساجد وتصفية الأوقاف، هي لجنة وهمية تعيّنها الحكومة الإسرائيلية وتركّبها من "مسلمين"، ومهمّتها الأساسية تفريغ حيفا وسائر المدن الفلسطينية التاريخية (ما يسمّى بالمختلطة)، من ملامحها العربية الأصلية.
وتجدر الإشارة إلى الفرق بين لجنة "الأمناء" المعيّنة من الحكومة، وبين لجنة "المتولّين" المعيّنة من المحكمة الشرعية والتي شكّلت مؤخّرًا من شخصيات مجتمعية ووطنية بعد إقالة اللجنة السابقة.

تمثل قضية المساجد والمقابر والأوقاف، قضية وطنية من الدرجة الأولى، دفاعًا عن الأملاك العربية وصيانة للأوقاف المعرّضة للتهديد المستمر، وفي سياق التصعيد الأخير بمعركة ضد مجمل أملاك اللاجئين والأملاك المصادرة، والمخطط لها إمّا البيع والخصخصة وإمّا التهميش وإمّا تحويلها إلى متحف غير رسمي للنكبة.
يبقى السؤال هل نريد أن نلبس اللجنة الحكومية ثوبا جديدا أم نريد مؤسسة أخرى ننتخبها نحن وتمثلنا حقًا، تدير شؤون أوقافنا وترفع من شأن المجتمع العربي لا الاستهتار بحقوقنا واستغلال مواردنا؟!
قضية الأوقاف هي قضية في غاية التعقيد، حتى نتمكن من تحليلها أطرح في مقالي هذا بعض التساؤلات والمراحل الإجرائية التي علينا، برأيي المتواضع، احترازها حتى نبني خطة عمل قوية ومستديمة.

التشخيص للفهم

على التشخيص أن يرتكز على ثلاثة أسئلة أساسية، أين نحن الآن؟ إلى أين نريد أن نذهب؟ كيف نصل إلى هناك؟ وعلى الإجابة الارتكاز إلى تحليل الفجوات القائمة، هنالك ثلاثة أنواع أساسية من الفجوات: الفجوة بين المنشود والموجود:- يتذمّر العرب المسلمون في حيفا من حدة الفجوة بين الوضع القائم: وجود لجنة أمناء حكومية، والمنشود: تشكيل لجنة أوقاف منتخبة من قبل السكان.
الفجوة الثانية هي بين الأقوال والأفعال، حيث تعلن اللجنة أنها لجنة "أمناء" على الأوقاف بالرغم أن جلّ ممارساتها عكس ذلك، ويدعو الكثيرون للتغيير لكن بدون توضيح معالمه وشكله وسبل تحقيقه. أما الفجوة الأكثر "إثارة" هي بين "المسرح و"ما وراء الكواليس": علينا أن نفهم من يقف خلف الكواليس لنفهم ما يحصل على المسرح من ممارسات غير نزيهة واختلاسات وصفقات البيع والشراء المشبوهة، الأذرع الأمنية المختلفة تحرّك "الدمى الأمينة" لتمرير عرض غير ممتع من مسرحية تشويه الطابع العربي الفلسطيني للمدينة. السؤال من هم الممثلين المسرحيين؟ وما هي السيناريوهات المكتوبة لهم؟ ما هي أدوارهم؟ من هو المخرج والمنتج والمسوّق؟

التخطيط للتغيير

من أجل تنفيذ تغيير جدّي ومستديم، علينا العمل على ثلاثة مستويات أساسية: المستوى الاستراتيجي السياسي من خلال تحديد جمهور الهدف واحتياجاته وكيفية تلبيتها، وبناء خطة عمل سياسية وطنية قصيرة وبعيدة المدى. المستوى الثاني هو المستوى الإداري والمشاركة الندية بين السكان العرب والمصلّين والقوى الوطنية والأهلية من خلال خلق فضاء حواري ديمقراطي لاتخاذ القرارات وتنظيم المعلومات وملائمة التوقعات وإدارة الصراعات الداخلية بما يضمن عدم نسف الإنجازات وتطوير آليات ومضامين العمل المشترك، أما المستوى الثالث فهو المستوى التنفيذي وما يشمله من إدارة الموارد والتواصل بين كل الفاعلين في قضية الأوقاف لتنفيذ خطط العمل وضمان الاستمرارية للمدى البعيد.
آن لمهزلة لجان الأمناء، التي لا تمت بالأمانة بأية صلة، أن تنتهي، ولّى زمن الحكم العسكري، ويملك مجتمعنا اليوم القوة والوعي الكافي للتحكّم بمصيره، وأن يشخّص الأزمة ويخطط للتغيير.
هنالك ضرورة ماسة لعقد اجتماع شعبي تطرح فيه الآراء المختلفة حول أساليب النضال، وتشكّل خلاله لجنة عربية شعبية وطنية تنسّق رعاية كافة الأوقاف العربية وتتجاوز التجزئة الطائفية وتبني مجتمعا موحّدا يعتز بتاريخه ويؤمن بقدراته.

لا نملك مركبة زمنية ولا القدرة على إعادة الزمن إلى الوراء، إما ننهض الآن ونأخذ زمام الأمور والمسؤولية الجماعية وإما نبقى نحلم في مركبة زمنية تعيد بنا الدولاب إلى زمن مظلم لا نرغب عودته.

التعليقات