31/10/2010 - 11:02

يأكلون ذاتهم: الصحافيون../ مصطفى إبراهيم*

يأكلون ذاتهم: الصحافيون../ مصطفى إبراهيم*
إلى روح الشهيد غسان كنفاني، قال: لي صحافي صديق، خلال نقاش حول الحال التي وصل إليه الفلسطينيون، خاصة المثقفين والصحافيين والكتاب ودورهم في تعميق الانقسام والاصطفاف كلٌ خلف الايدولوجيا أو الحزب السياسي الذي ينتمي إليه أو من ينطلق من مصلحة شخصية، أو المؤسسة التي ينتمي إليها، وقال: إنه يشعر بفجيعة مُرة لأنه لا يلتق صحافياً فلسطينياً واحداً يمتدح آخر، أو يعجب بما يكتب أو بما ينقل من أخبار، أو يحترم له تاريخاً أو موقفاً.

فالحرب التي يشنها الصحافيون كلٌ على الأخر وكل من ينتمي إلى الحزب الأخر، وضد المنابر التي تعبر عنهم أو يعملون فيها، هي حرب أكثر ضراوة من حربهم ضد الاحتلال ومشاريعه وأشخاصه ومؤسساته، والدفاع عن القضية الوطنية وفضح ممارسات الاحتلال، أو حربهم ضد الانقسام. ثم سأل ماذا حدث؟

تتطلب الشجاعة أن نعترف أن الظاهرة حقيقة، وليست جديدة. فالخطوة الأولى لكي نتجاوز الحال المرضية التي تدفع الجميع لتلويث الجميع، وهي حال موضوعية لها أسباب ذاتية، تخص فريقاً من الصحافيين، وأسباب موضوعية تتعلق بالتطورات التي حدثت وتحدث في الوطن وبين صفوف الشعب الفلسطيني وثقافته وأخلاقه، وتأثيراتها الجانبية على الصحافيين خاصة المثقفون منهم.

فمن النوع الأول هناك المبالغة في عبادة الذات، وهناك الجبن الذي يتقنع بشجاعة الحرب ضد الأصدقاء والأخوة لعجزه عن تضحيات الحرب ضد العدو المشترك. وهل الحرب الدائرة الآن بين هؤلاء هي العجز عن تقديم التضحيات من أجل ردم الهوة والعودة عن حال الانقسام إلى الوحدة؟

وهناك المنافسات من أجل الصعود، أو الرزق، فضلاً عن الثارات والأحقاد الصغيرة والمصالح الشخصية، وغيرها من ضعف النفوس، وأيضاً هناك من بعض هؤلاء يتوهمون أن التطاول والابتزاز قد يعمدهم كتاباً، أو إعلاميين، وما كان لكل ذلك ولهذه الأسباب الذاتية أن تأخذ هذا الحجم أو تفرض هذه الحال من أكل الذات، لولا الأسباب الأكثر أهمية، وأهمها: حال الإحباط القومي العربي، والإحباط الوطني العام التي ولدتها الانكسارات والهزائم الوطنية والشخصية خاصة اتفاق أوسلو، وما تلاه من تفكك للنسيج الوطني والسياسي، والاجتماعي، أو تفكك الجسم الصحافي بين ما كان يعرف الداخل والخارج، أو الانغلاق على الذات.

وحال الميوعة التي سادت في أعقاب أوسلو وأنهت الاستقطاب في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، إلى أن اندلعت الانتفاضة الثانية ونشوء جيل جديد من الصحافيين والكتاب جندوا من أجل قضايا ومشاريع سياسية وشخصية، وتعبئتهم سياسياً من خلال تربية حزبية مقيتة، وجزء منهم دافع عن القضية الوطنية من خلال التربية الحزبية والمشروع السياسي للحزب الذي ينتمي إليه.

وما وقع بعد سيطرة "حماس" على قطاع غزة بالقوة، وقبلها، جدد حالة الاستقطاب والفرز، وعمق حال الانقسام السياسي والاجتماعي والجغرافي، وساهم في تفكك النسيج الاجتماعي. تلك جميعها عوامل أنهت وجود الضمير الجمعي للكتاب والصحافيين والإعلاميين، فأصبحنا جميعاً أفراداً يتآكلون داخلياً، وأصبحوا جميعاً يخلطون بين "النقد الذاتي" وهو أسلوب التعامل بين الأصدقاء والحلفاء، وبين "التشهير" وهو أسلوب الحرب مع الأعداء!
فحال الانقسام لم تقتصر على كل تلك العوامل بل زجوا أنفسهم ووسائل الإعلام في الخلاف السياسي، في حال مقيتة أصبحت تسيطر على جميع مناحي حياة الفلسطينيين، فالوضع أصبح لا يطاق لديهم، وحال الانقسام يتم تعميقها وتعزيزها بشكل يومي، والوضع العام تزداد قتامه ومأساوية حصار شامل وظالم، وتفكك اجتماعي وأخلاقي وقيمي.

إننا لم نكن بحاجة في أي وقت إلى إحياء ضميرنا الجمعي كفلسطينيين، خاصة المثقفين والكتاب والصحافيين والإعلاميين قدر حاجتنا، وحاجة الوطن إلى ذلك الآن، وبناء جماعة مرجعية هو الخطوة الأولى لذلك، و المهمة الصعبة التي تجعل الحوار حول إعادة إنشاء أو بناء رابطة مستقلة من الصحافيين والكتاب، هي الخطوة الأولى للخروج من تلك الحال المزرية التي تجعلهم يأكلون ذاتهم إن لم يكن لحومهم، ليتغذى عليها أعداء الوطن والقضية.

التعليقات