06/11/2010 - 10:06

في ذكرى كفر قاسم مجزرة في كنيسة النجاة ببغداد../ هيفاء زنكنة

-

في ذكرى كفر قاسم مجزرة في كنيسة النجاة ببغداد../ هيفاء زنكنة
في كفر قاسم، القرية الفلسطينية، قتل في 29 تشرين الأول/اكتوبر 1956، 48 من الرجالوالنساء والاطفال العائدين من الحقول الى بيوتهم بعد قضاء يوم عملهم. كانت جريمتهم،أن حظر التجول كان قد فرض على قريتهم قبل ساعة، ولم يسمعوا بالخبر. كان القتلة منحرس الكيان الصهيوني، غير ان أيا منهم لم يعاقب. فأصبحت مجزرة كفر قاسم واحدة منسلسلة مجازر الاحتلال الصهيوني المستمرة، ضد العرب، حتى اليوم.

في كنيسة النجاة،في منطقة الكرادة ببغداد، وفي اسبوع ذكرى مجزرة كفر قاسم، في يوم 31 تشرينالاول/اكتوبر، قتل 46 شخصا وجرح 60، اجتمع معظمهم من الرجال والنساء والاطفال لأداءالصلاة. كانت جريمتهم انهم تشبثوا بالبقاء في منطقتهم، في مدينتهم بغداد، في بلدهمالعراق، ولم يخضعوا لابتزاز التهجير القسري لتحويل المنطقة، بكاملها، ملكا صرفالطائفة معينة دون غيرها، ضمن مخطط تقسيم بغداد والعراق الى كانتونات طائفية، أما عنطريق عروض شراء البيوت باسعار مغرية، أحيانا، كما يحدث في منطقة الكرادة، أوترويعهم وارهابهم، الى حد القتل، اذا لم يستجيبوا لضغوط البيع. فالكل يعرف بأنمنطقة الكرادة، في بغداد، هي منطقة محصنة بقوات الأمن الميليشية، والكل يعلم بأنالموجودين، في الكنيسة، من أهل العراق الأصيلين، لذلك استبيحت دماؤهم وأجبروا علىالهجرة، كما هو حال ملايين المهجرين والنازحين والشهداء منذ عام الغزو.
 
والكل يعلم،كما في كفر قاسم، أن القتلة معروفون. والكل يعلم بان أيا منهم لن يعاقب في ظل حكومةالاحتلال الطائفية، وان أيدي القتلة ستغسل بالتضبيب الاعلامي لتضاف مجزرة كنيسةالنجاة الى سلسلة مذابح الغزاة ومستخدميهم، المسكوت عنها. ولكي لا ننسى الاسبابالحقيقية وراء مجزرة الكنيسة وتفجيرات الاماكن العامة والمساجد، ولكي لا نصدق كل مايقدم الينا من تبريرات جاهزة واتهامات بائتة، ولكي تبقى صورة القتلة الحقيقيينواضحة في اذهاننا، من المفيد ان نستحضر وقائع تاريخنا الذي طغى عليه الاحتلال.

يقول د. عدنان بكرية في مقال له عن ذكرى كفر قاسم: 'لقد ذهل "بن غوريون" عندمااكتشف في أوائل الخمسينات أنه لم يتم تهجير الشعب الفلسطيني بالكامل وبأن هناك قرىفلسطينية كاملة لم تدمر بل صمدت وما زالت صامدة وعندما زار منطقة الجليل سألمرافقيه: هل نحن في سورية أم في إسرائيل؟ من هناك انطلقت الفكرة، تهجير ما تبقى منأبناء الشعب الفلسطيني في الداخل وكان لا بد له من إيجاد الفرصة المواتية لتنفيذهذا المخطط ولو كلفه الأمر ارتكاب المجازر أو افتعال حالة حرب مع دولة عربية مجاورةواستغلال حالة الحرب للإقدام على تهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطيني هنا فيالداخل>

وفي بغداد، على إيقاع جيش يرتشف الدم، 'تدين' الولايات المتحدة مساءمدينتنا الدامي. وبمنأى عن الشهداء العراقيين، تقف بريطانيا لـ'تدين' يوم تجمعالغربان لنهش الأحياء. وخلف أسوار من كونكريت وأسلحة مضادة لغضب الشعب، تقف عصاباتوميليشيات الغزاة ومافيات الثراء الفاحش لـ'تدين' كل ايام الاسبوع الدامية. هل هناكيوم من أيام الاسبوع لم يتم غسله بدماء النساء والأطفال منذ عام2003 وحتى الآن؟ هلمن جامع او كنيسة أو مدرسة او مستشفى لم تحصدها آلة الموت؟ هل بقيت امرأة عراقية لمتلبس السواد؟ هل توقفت عشتار، سيدة الآلهة، عن الصراخ كما تصرخ المرأة عند الولادة،عن النواح بصوتها الجميل نادبة: 'واحسرتاه! لقد عادت الايام الاولى الى طين'. أيكارثة، أي انتقام، أي حقد جلبه الغزاة، قالعو الاشجار والحياة. أي موت أرسوا فيالبلادّ

بغداد، المرفأ، الحضن الفسيح، الدافىء، انكمشت تحت وطأة الزوابع وتسلطالظلام. بنوا الاسوار فيها وحولها. خنقوها مقسمين اياها الى 50 منطقة. لكل منطقةنقطة دخول ونقطة خروج وقوات ميليشيات تتحكم بالداخل والخارج. أقاموا 1400 نقطةتفتيش لتمزيق اوصالها لاحمايتها. بغداد المساجد والكنائس والمعابد أعادوها الى طينوجعلوا لكل يوم مجزرة. ما عاد أحد يتذكر كيف خلق الانسان الاعياد ليحتفل بالانسان. كنا نتذكر الايام بالاعياد. عيد العمال، عيد الفلاحين، عيد الشجرة، عيد المرأة، عيدالميلاد، عيد رأس السنة، عيد السلام. صارت الايام ترتدي الحداد وتحسب باعدادالقتلى. صار من العار ان يمر يوم بلا عزاء. وكأنهم أقسموا ان يتحول كل يوم الى مجلسعزاء يجلله السواد. النساء يرتدين السواد. الاطفال يحملهم على اكتافهم رجال يرتدونالسواد، يتنقلون من مدينة الى اخرى بحثا عن ثواب مجالس النحيب.
 
 هل سيكبر الاطفالليحملوا اطفالا يرتدون السواد؟ صرنا لايغادرنا الموتى. باتت الحياة وزر خطيئة عليناان نحملها كالاحجار الثقيلة على مدى كل الاعوام، حتى بتنا نتساءل هل نحن موجودون فيالمكان الخطأ في الزمن الخطأ؟ هل أصبنا، جميعا، بمرض الخرف، حيث يعاني المصاب منمحنة مزدوجة: ينسى الحاضر بينما يتذكر الماضي البعيد بقوة ووضوح؟ في كلتي الحالتينيعيش المصاب بالخرف في ظلمة فقدان التواصل مع نفسه، ومع الناس والعالم المحيط به،منكرا وجودهم مهما كانوا قريبين منه.

الا ان خرف حكام الاحتلال، خلافا لما هومتداول، معروفة أسبابه. إنه حالة انتقائية يتغدى فيها المصاب على السلطة والنفوذوالمال الحرام. وعلاج هذا الوباء المستشري، الذي بات، يمس حياة كل عائلة عراقية،معروف ايضا. انها المقاومة. فاما ان نقيم في مجالس العزاء منكسي الرؤوس ننوح ونندبمصابنا، أبد الدهر، وندفن ايامنا واعيادنا وحياتنا بأيدينا، او ان نقف، سوية،صارخين غضبا ونحن نمد ايدينا لنقاوم. نقاوم المستعمر ووكلاءه، نقاوم من يحاولايهامنا باننا نحمل خطيئة ألف عام، نقاوم لا لأننا ننشد الموت ولكن لأننا نقدس الحياة.

التعليقات