12/11/2010 - 17:11

فلسطين: عملية سلام وعملية مصالحة ايضا../ ماجد عزام*

-

 فلسطين: عملية سلام وعملية مصالحة ايضا../ ماجد عزام*
ابتدع وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر، قبل ثلاثين عاما تقريبا، مصطلح "عملية السلام". وطوال هذه الفترة كان الحرص كبيرا على "العملية" بغض النظر عن تحقيق السلام الذي اختصر في إجراءات ومفاوضات لا نهاية لها بدلا من تكريس المفهوم عبر وقائع على الأرض.
 
كيسنجر ابتدع المصطلح متعمدا عن سبق إصرار، وسعى إلى استخدام "العملية" من أجل تحقيق أهداف تكتيكية واستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة. ومن غزو لبنان، ومحاولة تحطيم منظمة التحرير في ثمانينيات القرن الماضي، الى الانسحاب الهادئ من العراق، وعزل ومحاصرة ايران-وحلفائها- في الوقت الحالي، كانت "عملية السلام" حاضرة دائما لنسج التحالفات وتمرير السياسات وإعطاء الانطباع أن امريكا لا تتوانى عن بذل الجهود لحل القضية المركزية للعرب وللمسلمين، وبالتالي فانها تستحق الثمن عبر الانخراط العربي والإسلامي في سياستها العامة فى المنطقة.
 
وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونديليزا رايس قالت بعد انطلاق "مسيرة انابوليس" نهاية العام 2007، إن هذه المسيرة تعتبر بمثابة الرد الأمريكي والدولي على المتسائلين والمشككين بجدية وصدق النوايا من أجل التوصل الى اتفاق سلام نهائي في فلسطين والمنطقة.
 
كما الولايات المتحدة تعاطت إسرائيل دائما مع "عملية السلام" بذهنية انتهازية ومزدوجة المعايير، من رابين حيث محاربة الإرهاب وعملية السلام غير موجودة، إلى تسيبي ليفني التي رأت "العملية" ضرورية لإطلاق يد إسرائيل في محاربة الإرهاب. وبدونها ما كان بالإمكان الذهاب برأيها إلى حربي لبنان وغزة. وحسب إفادتها أمام "لجنة تيركل" لولا غياب "العملية" لما كان أسطول الحرية وتداعياته السلبية متعددة الأبعاد على الدولة العبرية.
 
في الأيام الأخيرة سمعنا عدة تصريحات ومواقف صادرة عن مسؤولين عرب وأجانب تتحدث عن الآثار الضارة لجمود عملية التسوية، وضرورة بذل الجهود لاستئنافها بأسرع وقت ممكن لأن الواقع الحالي يخدم المتطرفين وأعداء السلام في المنطقة. أي أننا بصدد السعي لاستئناف "العملية" بأي شكل من الأشكال بغض النظر عن الجوهر والوصول الى الهدف المفترض أي السلام.
 
إذا كانت المواقف الأمريكية والإسرائيلية غير مستغربة قياسا إلى السياسات المتبعة من طرفهم خلال العقود الأخيرة فإن من المستغرب أن نرى هذا الاستلاب العربي، وحتى الفلسطيني، تجاه "صنم" العملية التى لم تؤد الى نتيجة في العقدين الماضيين بل على العكس كانت اضرارها على العرب أكثر من منافعها، ويمكن لمسألة الاستيطان أن تقدم دليلا ملموسا وحاسما على ذلك، حيث كان عدد المستوطنين فى الضفة والقدس قرابة مائتي ألف عند توقيع اتفاق أوسلو وبات عددهم الآن يتجاوز نصف مليون مستوطن.
 
اعتقد بل أجزم أن المعطيات السابقة واضحة لصناع القرار الفلسطيني والعربي غير أن الافتقاد إلى الإرادة الشخصية والسياسية الضرورية من أجل الخروج بالاستنتاجات المناسبة، وبالتالي بلورة المسار البديل، ناهيك طبعا بالمصالح الشخصية والامتيازات والمنافع التي يوفرها الانخراط في العملية بغض النظر عن الوصول الى الهدف النهائي.
 
كان عملية واحدة لا تكفى وتبدو في الافق محاولات لخلق عملية ثانية تتعلق بالمصالحة الفلسطينية. وبنظرة إلى الوراء يمكن الاستنتاج أن العملية بدأت منذ خمس سنوات تقريبا عبر وثيقة القاهرة 2005 ثم وثيقة الوفاق الوطنى 2006 فاتفاق مكة 2007، وبتقييم أقل تشاؤما يمكن القول إن عملية المصالحة بنسختها الأخيرة بدأت عبر حوارات القاهرة التي امتدت لعام تقريبا قبل أن تتم بلورة الورقة المصرية للمصالحة في تشرين أول/ أكتوبر الماضي. وحتى الآن لم توقع حماس عليها بينما قامت فتح بذلك، ناهيك بالطابع الانتقالي والمرحلي للورقة، والذي يمتد لعام تقريبا من لحظة التوقيع المشترك لكل من حماس وفتح.
 
الطابع الانتقالي والمرحلي ليس سلبيا، ويمكن قبوله اذا اقتصر على عام واحد تتم خلاله تهيئة البيئة السياسية الفلسطينية لتكريس المصالحة على الارض، والشروع في إعادة الإعمار في غزة، والتحضير لانتخابات شفافة ونزيهة وديمقراطية بالتوازي مع إعادة بناء وهيكلة على أساس وطني ومهني للأجهزة الأمنية، غير أن السيناريو الأسوا قد يتم عبر استنساخ النموذج العراقي، بمعنى أن لا تأتي نتائج الانتخابات حاسمة، وتتواصل الحوارات والنقاشات حول كيفية تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق تلك النتائج، بينما يتكرس الانفصال والانقسام والتباعد بين الضفة وغزة وخلق وقائع متراكمة تجعل من الوحدة أمرا بعيد المنال.
 
في الفترة الأخيرة يمكن رؤية مساع لربط أو علاقة ما بين العمليتين، بمعنى أن عملية المصالحة تتكفل الحفاظ على الواقع الفلسطيني الراهن، وتمنع انفجاره أو تدهوره نحو الأسوأ بما لا يؤثر سلبا على "العملية الأولى" أي "عملية السلام"، ناهيك عن إعطائها الأفق الزمني اللازم والحيوي لها لعام او لعامين، وربما أكثر من ذلك.
 
كانت المصالحة الفلسطينية، وما زالت، ضرورة حيوية للمشروع الوطني، ويجب عدم تحويلها إلى "عملية" بأي حال من الأحوال عبر التوقيع على الورقة المصرية والتنفيذ على أساسها، إضافة إلى ورقة التفاهمات الفلسطينية الداخلية، والذهاب الى الانتخابات وفق بيئة ملائمة واحترام نتائجها وتشكيل حكومة وحدة وطنية في ضوئها وعلى قاعدة وثيقة الوفاق الوطني، وإعادة الحياة والوحدة الى المؤسسات من أجل تلافي التمديد المفتوح "للعملية الأولى"، بل والاستعداد الجدي لما بعدها لجهة بلورة الخيارات الوطنية البديلة. واذا لم يحدث ذلك فسوف تتواصل العمليتان في مدى زمني مفتوح، ويتأبد الانفصال الفلسطيني، بينما تفرض إسرائيل الحقائق والوقائع على الأرض وصولا إلى تصفية نهائية للمشروع الوطني الفلسطيني.

التعليقات