21/11/2010 - 08:17

مؤتمر شيكاغو: دور واعد للفلسطينيين في الولايات المتحدة../ خالد بركات

-

مؤتمر شيكاغو: دور واعد للفلسطينيين في الولايات المتحدة../ خالد بركات
النتائج والتوصيات التي خلص اليها المؤتمر الشعبي الفلسطيني الثاني بالولايات المتحدة الامريكية والذي عقد في مدينة شيكاغو نهاية شهر تشرين الأول / أكتوبر الماضي، جاءت مُبشرة وواعدة، مُوثقة في خطة عمل واضحة، كما بينت ذلك وثيقة هامة صدرت باللغة لانجليزية ولم تترجم حتى اللحظة للأسف. لكنها وثيقة تضمنت الخطوط العامة للعمل الفلسطيني في الولايات المتحدة على جبهة الدفاع عن حق العودة ودعم اللاجئين، ومقاطعة وعزل الكيان الاسرائيلي العنصري، وتعزيز الحضور السياسي والنقابي للمرأة الفلسطينية، وبناء شبكة تنسيقية من طلبة الجامعات والمعاهد، والمساهمة في النضال ضد العنصرية والحرب وفي مواجهة سياسة التشويه والاقصاء والتهميش.
 
جاءت نتائج المؤتمر على غير تلك العادة السيئة التي نحترفها نحن الفلسطينيين هذه الايام، نقصد كثرة المؤتمرات وقلة الوضوح والنتائج، وهذا التكرار الممل "للبيان الختامي" المستنسخ بدوره من بيان ختامي آخر. لا يتذكره أحد. كما جاء المؤتمر الشعبي الفلسطيني بخلاف موقف أحد الاصدقاء المتشائمين دائما، في وصفه لحال "العمل الوطني الفلسطيني" انه "زيّ حراث الجمال"، لان الجمل، كما يقول صديقي، يحرث ويخرب ( ُيلبِدْ ) ما حرثه للتو!
 
اختارت الهيئة التنظيمية للمؤتمر الشعبي الفلسطيني الثاني شعاراً ناظماً لهذا المؤتمر تلخص في: شعبٌ واحد، قضية واحدة، مصير واحد. اضيف له عنوان فرعي اخر، يدعو لبناء المؤسسات الجامعة للجالية الفلسطينية، هذا الموقف – الشعار – عكس برنامج المؤتمر والقى الضوء على جملة من التحديات الوطنية وبحث في خصوصية الواقع الفلسطيني داخل الولايات المتحدة نفسها. ويبدو ان منظمي المؤتمر شعروا بضرورة استعادة بعض البديهيات الوطنية، التي وللاسف الشديد لم تعد كذلك.
 
يقول لسان حال الفلسطينين، من مدينة شيكاغو مرورا بحيفا وصولا الى مخيم عين الحلوة : نحن شعب واحد، ولنا قضية واحدة، ومن البديهي ان نتحاور ونختلف، لا ان ننقسم ونتشظى الى تجمعات وجزر معزولة.
 
ومن البديهي ان تدافع القيادة الفلسطينية عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين لا ان تتآمر على حقوقهم وتهمل قضاياهم وتتلعثم كلما ذكر احد حق العودة.
 
ومن البديهي ان يكون لنا قيادة فلسطينية منتخبة وشرعية في الوطن والشتات، لكن لم يعد يكترث أحد بشرعية أحد في هذا الواقع الفلسطيني المتردي، طالما انه لم يعد أحد بمقدوره ادعاء تمثيل الشعب الفلسطيني، "كلنا غير شرعيين"!
 
وبديهي ان نوحد أنفسنا وطاقتنا في حركة شعبية واسعة تنتصر للحركة الوطنية الاسيرة في سجون العدو، لكننا لا نفعل ذلك، فكل هذا لم يعد من البديهيات الفلسطينية في زمن " السلطة الفلسطينية "!
 
جاء المؤتمر ملازماً لشعور شعبي عارم يتعاظم لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني يصل الى حدود الأسى الممزوج بالقرف والغضب بسبب سلوك القيادة الفلسطينية التقليدية وادائها المشين وبسبب استمرار حالة التردي والتشرذم على المستويين الوطني والقومي وسقوط السلطة الفلسطينية ( اكثر ) في وحل التعاون الأمني مع العدو المحتل، واستخدامها النفعي لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وحماية مصالح شريحة ضيقة من التجار الفلسطينيين الذين باتوا يهيمنون على سدة القرار الفلسطيني ويغتصبون تمثيل الشعب الفلسطيني في المؤسسات العربية والاقليمية والدولية.
 
للمرة الثانية يعقد هذا المؤتمر الشعبي الفلسطيني في أمريكا بحضور شبابي واسع من الجنسين، ودور قيادي ومميز للمراة الفلسطينية وبمشاركة فاعلة من النشطاء الاكاديمين والطلبة على حد سواء. ويحتفي المؤتمر بكل من يقاوم الاحتلال الصهيوني ويتمسك بالثوابت الوطنية ويرفض اتفاق أوسلو ونتائجه الكارثية ويدعو لتجاوزه وشق طريق مغاير لنهج الاستسلام والتسوية الامريكية، ويرفض التنسيق الامني بين السلطة الفلسطينية والعدو الصهيوني، ويدعو أمريكا لوقف الدعم المالي لهذا البرنامج المنحط الذي هندسه الجنرال السابق كييث دايتون ووريثه الحالي السيد مايك مولر.
 
توزع ضيوف المؤتمر الشعبي على جغرافيا فلسطين والشتات، كما برز حضور الأسرى من خلال مشاركة بعض المناضلين المحررين والمناضلة والقيادية الفلسطينية عبلة الريماوي، رفيقة درب الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والناشطة النسوية، كذلك مشاركة المناضلة حنين الزعبي من حزب التجمع الوطني الديموقراطي في الجزء من المحتل من فلسطين عام 1948، والاعلامي العربي غسان بن جدو، والاكاديمية الفلسطينية د. غادة تلحمي. وقام المؤتمر بتكرّم المفكر العربي الامريكي نصير عاروري والاب المناضل دان واغنر، فضلا عن تكريمه للشهيد ابو عبيدة عمران والذي وافته المنية بمدينة هيوستن وهو من النشطاء البارزين في تحالف حق العودة بولاية تكساس.
 
ليس وحده الموقف السياسي الوطني الملتزم هو ما ميز هذا اللقاء الشعبي الفلسطيني بل وما اتصل بنتائج الندوات وورش العمل الخاصة بحق العودة للاجئين الفلسطينيين ومقاطعة الاحتلال الاسرائيلي وتنظيم مختلف قطاعات الجالية وفئاتها العمرية والاجتماعية، فضلا عن تجميع مؤسساتها من اجل حماية الحقوق المدنية للفلسطينيين في الولايات المتحدة.
 
التأم المؤتمر الشعبي الفلسطيني للمرة الثانية في ظل هجمة امنية وعنصرية تتعرض لها الجالية العربية والاسلامية عموما في الولايات المتحدة وغيرها من الاقليات، حملة طالت قيادات أساسية في المؤتمر الشعبي الفلسطيني تتعرض الان للملاحقة دون وجه حق. فالعنصرية في امريكا صارت "مشروعة" وهي تتفشى في زمن الرئيس باراك اوباما، خاصة اذا كان المستهدف هو العرب والمسلمين والمهاجرين الفقراء والسود. ويطلق اليمين الامريكي ومنظماته ورموزه كل ما في جعبتهم من شعارات عنصريه فجة ووقحة، توظف في الانتخابات والمعارك الداخلية وضد كل ما هو ( غير ابيض )
 
 لماذا؟
 
لانه بانتخاب أوباما، يقول لسان اليمين العنصري ( من الحزبيين)، صار لنا رئيس لونه أسود، وبالتالي، لم تعد امريكا بلداً عنصرياً!
 
هكذا اذن يتوزع برنامج ودور الفلسطينيين في الولايات المتحدة، بين مسؤولياتهم الوطنيه العامة، ازاء شعبهم وقضيتهم، وبين مسؤوليتهم الداخلية وقضاياهم المحلية وهي كثيرة ولا مفر من معالجتها والتصدي لها. ومثل كل تجمع فلسطيني اخر، في الشتات وفي المهاجر، فهناك ما يتصل بدورهم في تفعيل وتوسيع حركة الدفاع عن حق العودة وبين حماية واحتضان اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من العراق الى امريكا، بين مهمة مقاطعة وعزل الكيان الصهيوني وبين ضرورة التمسك بهويتهم وثقافتهم وتراثهم وحقوقهم السياسية والمدنية.
 
مع ذلك، فالجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة وكندا واوروبا وامريكا اللاتينية وغيرها من تجمعات خارج الوطن العربي الكبير، وبرغم طاقاتها الكبيرة المبشرة، سوف لن تستطيع وحدها مواجهة اللوبي الصهيوني ومؤسسات صانع القرار السياسي دون عمقها العربي والاسلامي، وهذا ما افتقده المؤتمر، اذ لم يكن هناك وجود حقيقي او مشاركة فاعلة من الجالية العربية والاسلامية في هذا المؤتمر. الامر الذي يجب تعزيزه في المستقبل.
 
الملاحظة الثانية : منظمو المؤتمر وإن انتبهوا الى أهمية توطيد العلاقات بين الجالية الفلسطينية والعربية من جهة وبين القوى السياسية التقدمية الامريكية ومن السود والمنحدرين من قارة امريكا اللاتينية وغيرهم، وهؤلاء حلفاء طبيعيون للعرب ولكل الاقليات المضطهدة، ويجمعهم مع الفلسطينيين قضايا محلية لا حصر لها. الا ان مشاركة هذه الفئات والقوى الحليفة جاءت ضعيفة وشبه معدومة تقريباً.
 
وقد تجد العديد من العثرات والأخطاء التي وقعت فيها الجهة الراعية لتنظيم هذا المؤتمر، وهذا طبيعي، يحدث على قاعدة من يعمل يخطئ ويتعثر ويتعلم، لكن الجوهري والهام هو في وجود المئات من النشطاء والكوادر من فلسطينيين وعرب في الولايات المتحدة، ملكوا القدرة على تجميع ما يقارب 650 شخصا جاؤوا بدافع الحرص على قضيتهم، وليبحثوا في مسؤولياتهم وواجباتهم، باعتبارهم جزءا طبيعيا من شعب يعاني كل أشكال الاحتلال والقهر والنفي والحصار.

التعليقات