01/12/2010 - 13:09

تعدد الزوجات والخروج عن الصمت../ عرين هواري*

-

تعدد الزوجات والخروج عن الصمت../ عرين هواري*
يسألنا البعض عندما نقول موقفنا من تعدد الزوجات: لماذا توجهن اتهاماتكن ونقدكن للرجالفقط؟، فعندما يتزوج الرجل ثانية، انما يتزوج من امرأة أخرى وليس من رجل، فهي إذن- اي المرأة الثانية- اختارت الزواج برجل متزوج، لماذا اذن لا تحمِّلنها المسؤولية وتقتصر اتهاماتكن على الرجل؟
 
نعم حين يتزوج الرجل فهو يختار امرأة، وهي توافق على طلب الزواج، واسأل هنا، دون أن أعفيَ الزوجة الثانية من مسؤوليتها على الظلم الواقع في موضوع تعدد زوجات، هل هي اختارت؟ تعني كلمة اختيار انتقاء الأفضل من بين عدة امكانيات، فهل كانت لها أصلا امكانيات كثيرة أو قليلة لتختار؟ الجواب برأيي لا.
 
 اعتمد في اجابتي على الكثير من القصص التي نسمعها من النساء خلال عملنا معهن، ولكن ادعِّم انطباعي الأول بنتائج البحث النوعي الذي أجرته الباحثة رهام أبو العسل لصالح لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصية، تحت عنوان: "تعددالزوجات:الخطابوالممارسةفيالمجتمعالفلسطيني".
 
 أُجريت خلال البحث مقابلات مع مجموعة من الزوجات اللواتي "اخترن" الزواج من رجل متزوج، للاستماع إلى رواياتهن حول الأسباب التي عزت بهن الى القيام بهذا "الاختيار" وللتعرف أيضا على ظروف حياتهن في ظل زوجية كهذه. أجمعت النساء اللواتي أجرت معهن الباحثة مقابلات مطوَّلة، أن ذلك الزواج لم يكن اختيارا بالمفهوم الحقيقي لكلمة اختيار، لقد كان ملجأ أحيانا وهروباً من واقع في أحيانٍ أخرى، كان إما تعويضاً عن ظلم أسرة وإما فِراراً من قساوة مجتمع.
 
 إن الكلمات لجوء وفرار وهروب غير مأخوذة من قاموس الحب والعاطفة والزواج، وإنما من قاموس الحروبات والنكبات، فالناس تهرب وتلجأ عند المصائب. في مجتمعاتنا العربية تعيش نسب عالية من النساء العزباوات أو المطلقات، ضمن واقع شبيه. هن لا يعشن بالضرورة عنفا على أجسادهن، وإنما سيطرة عليها وعلى نفوسهن أيضا وأحيانا انتهاكا لكراماتهن، وفي مرات كثيرة يعانين من عنف اقصادي، فما أكثر ما تعاني المرأة العزباء من سيطرة على دخلها وأموالها، بينما تعيش نسب كبيرة من النساء المطلقات حياة فقر وقلة موارد.
كشف البحث المشار إليه أعلاه عن ثلاثة أسباب لقبول النساء بالزواج من رجل متزوج: أولها الخلاص من السلطة الأبوية والحاجة الى الحب. (لا تقتصر السلطة الابوية على سلطة الأب البيولوجي فقط وانما تتسع لتشمل ايضا سلطة الذكور من الإخوة، وأحيانا من الأعمام أو أبنائهم، وقد تعني أيضا سلطة القيم الرجولية في المجتمع)، وأما السبب الثاني للقبول فهو حاجة المرأة للزواج بغض النظر عن صفات الرجل وميزاته، كما وصفت احدى النساء قائلة "ظل راجل ولا ظل حيطة" لكونه الخيار الوحيد في ظل وجودها دون عمل ودون تعليم، وحيث تتعامل معها العائلة كعبء مادي واجتماعي. الزواج بهذه الحالة يكسبها مكانة وكذلك يضمن معيشتها، وبينما السبب الثالث يشير الى خيار المرأة المطلقة استبدال حياة العنف والقسوة من الزوج الأول الشاب برجل مسنًّ ومتزوج لكنه يكن لها احتراما، تمت الإشارة خلال تفصيل هذه الأسباب أيضا الى احتياجات النساء الى ممارسة الأمومة وكذلك الى حياة جنسية، وهذه احتياجات لا يمكنك تلبيتها دون إطار زواج.
 
يشير استعراض الأسباب إلى أن حالات الزواج هذه لم تكن خيارا طبيعيا، لامرأة تبحث عن استقرار ورفاهية وعلاقة عاطفية وأسرية سليمة، وانما هي أحيانا محاولات لاسترجاع كرامة مهانة، حين ينظر مثلا الى وجود العزباء في البيت كثقل وعبء، وتتطوع كل نساء العائلة بالبحث عن عريس لها، وكأن وجودها في بيت أهلها بعد جيل معين ليس بالامر الطبيعي، فلو كانت غير عاملة يتم النظر اليها كعبء، ولو كانت عاملة في كثير لا يحق لها من كثير من الأحيان السيطرة على أموالها، وعليها واجب- معلن أحيانا ومفهوم ضمنا في أحيان أخرى- المساعدة في مصاريف العائلة، ولا سيما مصاريف الإخوة الذكور وأبنائهم، بالأضافة الى مصاريفها الشخصية، ولو قررت السكن لوحدها والاستقلال فاختيارها هذا مدعاة للحرج للأهل في أفضل الحالات، وعليهم تبرير ذلك الاستقلال باحتياجات العمل أو التعليم، وفي اسوأ الحالات ينظر لخيارها هذا على انه تهديد لـ"شرف" العائلة التي لا يتم لها رعاية "شرفها" الا بتزويج تلك المرأة أو إعادتها للبيت.
 
هي ضحية أيضا لمفاهيم اجتماعية تكرسها أحيانا النساء قبل الرجال، والتي تربط عملية الزواج بعمليات البيع والشراء فللمرأة ثمن وللرجل ثمن في هذا السوق، والمعياران اللذان يثمَّن بهما كل من المرأة والرجل مختلفان، فالمرأة تثمَّن بطولها ووزنها ولونها وعمرها، كما ويثمن الرجل بامتلاء جيوبه، ويثمن أيضا بالسنوات ولكن ليست سنة ولادته المهمة وانما سنة إنتاج سيارته، فالعمر لا يقلل من ثمن الرجل بينما قد يرفع من ثمنه سنة انتاج سيارته. في سوق كهذا يتم النظر للمرأة وللرجل كسلعة، ولكن ثمن السلعة المسماة رجل قابل للزيادة مع العمر والعمل والاجتهاد، واما ثمن المرأة فهو يبدأ من أعلى ثمن حين تكون الفتاة ابنة الثامنة عشرة عاما لينقص مع ارتفاع العمر، مما يجعل الزواج مشروعا تجاريا، ويصعب على الكثير من النساء إيجاد شريك مناسب. ومما يزيد من ظاهرة الزواج المبكر.
 
الكلام أعلاه لا يجعلني أرى النساء اللواتي يدخلن في إطار زواج تعددي غيرَ مسؤولاتٍ، فبرأيي هنالك دائما خيار أفضل بكثير من ظلم امرأة اخرى وأولاد آخرين. هنالك دائما خيار أفضل من الرضى بـ"نصف حياة زوجية" أو "زوج بالتناوب". ولكن في سياق كهذا تختلف مسؤولية المرأة المستضعفة عن مسؤولية الرجل صاحب القرار الحر وصاحب الإمكانيات، فمسؤوليته إضعاف مسؤوليتها.
 
برأيي مهم جدا تكثيف العمل النسوي على تمكين النساء ومساعدتهن في فتح الخيارات، رغم معرفتنا جميعا انه بالاضافة للثقافة الذكورية هنالك ايضا واقع اقتصادي تعيشه النساء، تتحمل مسؤوليته سياسات الافقار والعنف الاقتصادي التي تتبعها حكومات اسرائيل، والتي تدفع النساء بها اثمانا اعلى حيث تعلو نسبة الفقر عند النساء بكثير عن تلك الموجودة عند الرجال، مما يجعل "خيارات" النساء قاسية جدا.
 
رغم أهمية تناول كافة الأطراف المسؤولة عن ظاهرة تعدد الزوجات إلا أنني اختار أن أتوجه في هذا المقال الى الشريحة الأكثر مسؤولية -المجتمع، فهو الذي ينتج القيم وهو الذي يحدد الصحيح والمقبول والمستحب والمستنكر، وهو الذي يحضن هذه العلاقات، وهو الذي من شأنه أن يشجعها أو أن يستنكرها. حين يجد الرجال الذين ينوون الزواج بامرأة ثانية أو ثالثة، أن سلوكهم مستهجن يتوقفون عن هذه الممارسات، ولكن عندما يجدون أن سلوكهم مقبول يستمرون. في حالات كثيرة تم الزواج بتشجيع من الآخرين، وبالإشارة اليه كموقف رجولي، وهذا ما قالته الكثير من النساء في البحث، "كانوا أصحابه يقولوا له يعني إذا أنت زلمة تجوز ثانية... وإذا أنت مش قادر تتجوز معناته أنت محكوم لمرتك". لا يمكن القول أن كل افراد المجتمع تشجع هذا الزواج ، فهناك قلة قليلة تشجع وهناك قلة قليلة تستنكر ولكن الغالبية العظمى من أفراد المجتمع صامتون، فهم يصمتون في حالات الظلم ويعتبرون هذا الزواج شأنا داخليا، علما بأن غالبية أفراد المجتمع تختار متى تتدخل ومتى لا تتدخل، فعندما تنتهك حقوق النساء نرى المجتمع صامتا معتبرا كل سلوك ضد المراة شأنا داخليا، وأما عندما تمارس المرأة حقوقها الطبيعية بالعمل والسفر والسكن حيث تختار، يتم التعامل مع الموضوع كشأن عام، ويتم التداول بحياة وخصوصيات المرأة على الملأ، ناهيكم عن اختلاق القصص التي تتناسب ورغبة المتحدث والسامع، والتي تغذي حاجتيهما في نسج قصص جنسية لا مكان لها إلا في خيال كليهما.
 
نقوم مؤخرا في لجنة العمل للمساواة بقضايا الاحوال الشخصية بحملة تهدف الى تجنيد أصحاب المسؤولية في مجتمعنا للعمل على الحد من الظاهرة وانتشارها، تتوجه هذه الحملة بشكل خاص إلى الشريحة الصامتة بمجتمعنا عن هذه الممارسة، آمل أن تلقى الحملة آذانا صاغية ومتحمسة من قبل المهنيين والنشطاء والقيادات للعب دور لوقف هذه المظاهر من الظلم. ولكن أوجه مقولتي بالأساس لأفراد المجتمع من إخوان وجيران واصدقاء وأقرباء وجارات وخالات وعمات، بأن يخرجوا عن صمتهم والا يساهموا في الظلم، وأن يدافعوا عن النساء حين تظلم وعن حقوقهن حين تنتهك.

التعليقات