01/12/2010 - 09:49

وداعا لأكذوبة الدولة!../ رشاد أبوشاور

-

وداعا لأكذوبة الدولة!../ رشاد أبوشاور
لم أُشارك في دورة المجلس الوطني في الجزائر عام 88، رغم إلحاح صديقي ورفيقي طلعت يعقوب الذي زارني في بيتي، وقضى وقتا طويلاً وهو يحاول إقناعي بالمشاركة، من منطلق أننا سنعلن موقفنا في داخل ( القاعة)، وسنرفض أي تزوير علنا.
 
توقف قلب ذلك الصديق الوطني النبيل أثناء انعقاد تلك الدورة، ونقلناه إلى مقبرة الشهداء بمخيّم اليرموك، وكما أخبرني أصدقاؤنا الذين شاركوا في تلك الدورة، فقد هاله أن من وعدوا برفض التنازل عن عروبة كل فلسطين، تخلّوا عن وعدهم، ورفعوا أيديهم مؤيدين لكّل ما كانت قد قررته القيادة ( المتنفذة) سلفا!
 
بيان إنشائي باذخ صيغ كإعلان للدولة الفلسطينيّة الموعودة، دوّخ ببلاغته رؤوس أميين ثقافيا وسياسيّا، فانتشوا بالبلاغة، ونسوا حقائق الواقع، وموازين القوى، وأن ثورة تختصر الطريق لن تصل بالتأكيد إلى الهدف، فاختصار الطريق ليس براعة، ولكنه تحايل على النفس، خاصة والطريق المفترض لا بديل له، فهو وإن تعرّج، وازداد وعورة، يبقى هو الأسهل، لأنه الأوضح، ولأنه الاختبار الحقيقي لنفوس سالكيه، وامتحان لمن سيبقون على العهد، أي من سيواصلون إلى الهدف النهائي.
 
كان بيان دورة 88 هو المقدمة لأوهام أوسلو، للدولة التي يعد بها أوسلو، وها هو الإنشاء قد بهت وتلاشى، لأنه كتابة على الماء السراب، جرفته حقائق الواقع، والتي أولها أنه لا يمكن أن يتحقق سلام مع الكيان الصهيوني الذي يريد كل شيء، يعني كلّ فلسطين، وبدون أهلها العرب الفلسطينيين!
 
هل بقي شك في هذه الحقيقة بعد كل السنوات التي مرّت على أوسلو، والتوقيع في احتفال البيت الأبيض، وسط الكاميرات والأضواء الخلبيّة التي لمعت وتلاشت ونُسيت، والتي بددت جرّافات الاحتلال الاستيطاني أوهامها؟!
 
يُنهي المُحلل الصحفي البريطاني روبرت فيسك مقالته التحليليّة في الإندبندت يوم 20 الجاري، بعبارة تثير الرعب والقشعريرة في النفس: وداعا لك يا فلسطين!
 
من يقرأ المقالة التي ترجمتها ( دي برس) ، وعممتها بعنوان ( وداعا للعدالة والقدس وفلسطين) يصاب بالذهول، ليس لهول ما ينتظر فلسطين، وشعبها، ولكن لهول ما حدث لفلسطين!
 
كنت أحسب أن 50% ( فقط) قد استحوذ عليها الاستيطان من أراضي الضفّة الفلسطينيّة، ولكن ما ورد في مقالة فيسك صحح المعلومة، فالاستيطان زحف على 62% من أراضي الضفّة!
ماذا تبقّى إذا لإنشاء دولة الإنشاء البلاغي الفاتن والمبهر لغويا؟!
 
كسبنا البلاغة.. وخسرنا الوطن!
كسينا الوهم، وخسرنا فلسطين!
كسبنا السجادة الحمراء، وفرقة موسيقيّة كانت ترافق السيّد الرئيس (عرفات) من مدينة إلى مدينة في الضفة وغزّة -قبل وضع حماس اليد عليها- وخسرنا الثورة، وروح المقاومة، ووحدة السلاح والشعب، وخسرنا عروبة القضيّة، وإنسانيتها، وعالميتها، وكسبنا ألقاب: فخامة الرئيس، ودولة رئيس الوزراء، وصاحب السعادة المدير العام، وعطوفة المدير.. وماذا أيضا؟! لا، لم ننس اللواءات – جمع لواء- الذين يتبوأون مناصب رؤساء الأجهزة الدايتونيّة التي تلاحق المقاومين وتصفيهم، أو تتعاون مع الأصدقاء أجهزة أمن شركاء السلام  لتصفيتهم بواسطة ( المستعربين)!
 
كسبنا أيضا مليرة بعض الأشخاص المارقين، الذين لا ذمّة ولا دين ولا أخلاق، والذين شعارهم: اهبش وانتش .. وهؤلاء نهبوا المال الذي يفترض أنه للشعب الفلسطيني، وهم أنفسهم من يقيدون يدي شعبنا وقدميه، ويحرمونه من المقامة الحقيقيّة، ويتسببون له بحالة الارتباك- بل حتى واليأس- وهم يقفون حجر عثرة في طريقه، ويتوهونه عن الطريق المؤدي للهدف!
 
كثيرون جاءوا للثورة وهم لا يملكون شيئا، فكيف صاروا أصحاب أملاك وقصور- زوروا أحياء عمّان حيث يقيم الأثرياء، واستمتعوا برؤية قُصور القادة !!-ناهيك عمّا لا تراه العيون، وتسمع به الآذان من أملاك نقدية، وشركات رأس مالها بالملايين!
 
لا مساءلة، لا سياسية، ولا مالية، فلا سلطة تشريعية، ولا سلطة صحافة ولا سلطة مجتمع مدني، فالمجتمع الفلسطيني ممزق مكانيا، وسياسيا، لا مرجعية له، ولا رأس، ولا يد تضرب بقوّة على الطاولة معلنة بدء المحاكمة لكل هذا الفساد والخراب السياسي والمالي والأخلاقي!
 
كل ما هناك فصيلان متصارعان، وعودهما بالمصالحة كاذبة، لأن جوهر خلافهما لا يعدو أن يكون على السلطة!
وفصائل مسكينة لا حضور لهان ولا وزن ولا شأن، تقول كلاما أكبر منها، لا يأخذه أحد على محمل الجد!
وفلسطين تضيع تضيع تضيع.. وشعبها حائر، متوّه، لا مرجعية، ولا دليل يرود الطريق ويصيح: اتبعوني.
دليل لا يبهره لون السجّاد الأحمر، ولا يخيفه اللون الأحمر الذي ينزفه المدلجون إلى فجر فلسطين وحريتها التي لا تدّق إلاّ باليّد المضرّجة ..كما يقول أحمد شوقي:
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدّق
والشعر يقول ما يغني أحيانا عن برنامج سياسي، والشعر أصدق إنباءً من البيانات السياسيّة، ولا سيما بيانات الفصائل الفلسطينيّة.
أما كان هذا شأن شعر عبد الرحيم محمود:
سأحمل روحي على راحتي
والقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسّر الصديق
وإمّا ممات يغيظ العدا
ونفس الشريف لها غايتان
ورود المنايا ونيل المنى
 
ونحن شعب فلسطين لم ننل المنى، بل ضُللنا، تُوّهنا، وأخذنا إلى مسالك الضلال والتيه، وفقط يفوز مؤقتا بعض السفهاء الذين لا تشغلهم سوى مكاسبهم، وسلامتهم الشخصيّة والأسرية، وتوريث الأبناء والبنات والأصهار ملايين سرقت من دم شعب، ومن طهر أرض، ومن مقدسات لا قداسة لها عندهم!
 
يكتب روبرت فيسك بشرف ونزاهة ضمير وحسرة، بعد أن يسوق حقائق عمّا تقدمه إدارة أوباما من رشى بالمليارات، ومن طائرات لحكومة نتينياهو مقابل التوقف عن الاستيطان لثلاثة أشهر، مع استثناء القدس: وداعا لك يا فلسطين!...
 
بينما يواصل صحفيون وكتّاب فلسطينيون تدليسهم على شعبهم، فيروّجون لأوهام الدولة، وينظّرون لقيادة فقدت البوصلة، رغم أن الاحتلال الاستيطاني وصل أسوار بيوتهم في رام الله، ونابلس، والخليل، وبيت لحم، وطولكرم، وجنين، وهم يكتبون انطلاقا من شعار جحا: حادت عن ظهري بسيطة!
 
انتهى الدرس يا أغبياء!
لا دولة، ولا سلطة.. فكل شيء للاحتلال الصهيوني، وما أنتم سوى ( طراطير) أو ( نواطير) تترصدون أصحاب الكرم، وتنحازون للثعالب!
 
هل نقول: وداعا يا فلسطين؟!
لا، وإلاّ كنا نروّج لليأس، ولذا نقول: كذبوا عليك وضللوك يا شعب فلسطين، فاستيقظ، وانفض كل من قالوا بالدولة، وكل من يقولون بمقاومة ولا يقاومون، من يقولون بدولة في حدود ال67 .. علما إنه لم تبق ارض من ال67، فالخطابان وجهان لعملة واحدة، والصراع على أرض الوهم، فارض فلسطين ليس هذا طريق حريتها ولا هؤلاء من يحررون، فهم أضاعوا القضية والأرض بادعاء الاستقلاليّة، وأقلمتها، ونزعها من عروبتها، وبهذا أراحوا أنظمة التآمر، وانبتّوا عن جماهير الأمة، وها هم في العراء، بعد أن أخذوا القضية من أمتها، وشعبها الفلسطيني، ليس لهم سوى الرهان على أمريكا أوباما التي فاقت في كرمها على الكيان الصهيوني حتى إدارة بوش الابن نفسه!...

التعليقات