13/12/2010 - 16:24

من العقبة إلى حائط البراق ومحاباة العنصرية الصهيونية../ ناصر السهلي

-

من العقبة إلى حائط البراق ومحاباة العنصرية الصهيونية../ ناصر السهلي
المكان: مدينة العقبة الأردنية
السبب: رفض مطعم استقبال سياح إسرائيليين
الفعل: هيومان رايتس ووتش تدعو السلطات الأردنية للتحقيق بالأمر وتقديم ضمانات بأن لا يتكرر الأمر ومحاسبة سلوى البرغوثي
 
هكذا حمل لنا شهر كانون الأول/ ديسمبر خبرا آخرا يؤكد بأن من يراقب خرق "حقوق الإنسان" مسيس حتى العظم، فـ"هيومان رايتس ووتش" التي أثارتها قضية رفض مطعم أردني تقديم خدمات لـ"سائحين" ترى بعين وتغمض الأخرى.
 
الدليل: جارد مالسين ، صحفي أميركي يعمل مع وكالة "معا" ببيت لحم، أوقف في مطار اللد وتم إبعاده ببساطة كشخص "غير مرغوب به" ( يناير 2010).. جيد، بيان يندد وانتهت المسألة..
عشرات حالات لمّ شمل فلسطينية يجري رفضها ويستمر تثبيت تشتيت العائلات الفلسطينية على طرفي الخط الأخضر.. بعنوان "الأغيار" يحدث ممارسة عنصرية تفوق ما يمكن تصوره، تجري عملية قتل بدم بارد لشاب مقدسي فترى "العدالة" أن القاتل يستحق أن يحمل بندقيته ويعود إلى ممارسة ما يريد.. تكررت الحادثة.. والفعل الوحيد من أجل عدالة لـ"الأغيار" مقال في هآرتس وتنديد ببيان صحفي.. لا متابعة ولا حتى مطلب جدي بوجه هذه العنصرية والانتقائية التي توفر فيها السياسة غطاءا للعنصرية الواضحة والمستترة أحيانا، وربما بالعكس عبر فتاوى علنية لا يتردد كبار حاخامات ( ومنهم عوفاديا يوسيف) الإعلان صراحة عن أحقية الحياة لليهودي على حياة "أبناء الأفاعي" من العرب!... إذا، دهس الإنسان الفلسطيني، وارتكاب جرائم حرب ومنع لمّ الشمل والتضييق على وجود أصحاب الأرض الأصليين .. ولتعدد معي ما تشاء من ممارسات.. تستند على تلك النظرة العنصرية الاستعلائية المدعمة بالقوة والقهر وبفتاوى تبيح الموبقات كلها.
 
في السياسة الموجهة لبيانات كثير من منظمات مراقبة حقوق الإنسان ثمة ما يستدعي التوقف عنده.. فليست الادعاءات بأن هذه "ديمقراطية" و"علمانية" تعني أن لا شيء يحصل من خرق فيها.. الدليل أيضا، لا تتدخل كثير من تلك المنظمات التي أثارتها تصرف صاحبة مطعم في العقبة في قضايا يتعرض لها الشباب العربي في "أوروبا الديمقراطية" من منع علني وأمام زملائهم الأوربيين من ارتياد أماكن من المفترض أنها للجميع.. وبعيدا عن الجدل القائم حول الحجاب والنقاب، لا يمكن وضع التصرف المشين بحق الحريات الشخصية، حتى لسائحات خليجيات، في خانة "تطبيق القانون" بأيد مواطني الدولة.
 
حتى لا نتوسع كثيرا في الأمر، للقارئ كل الحق في البحث عن الحالات الكثيرة التي تثبت وبالملموس أن هذه المنظمات تمارس الكثير من النفاق والمحاباة.
 
حين كتب المتوكل طه مقالة عن "حائط البراق" ثارت ثورة " النفاق". حائط البراق الذي أُزيل بجرافات إسرائيلية من باحته حي عربي كامل مع احتلال القدس عام 1967 وشرد أهله، لم يثر الفعل نفسه في سلوان والشيخ جراح والعيسوية وحتى اللد ثائرة السياسيين ومنظمات حقوق الإنسان.. الحفر في أساسات المسجد الأقصى وتشويه وجه المدينة العربية لتهويدها يمر بالاحتجاج لوقت والصمت لبقية الزمن. وهكذا لا تجد، وعلى خلفية قراءة "الأغيار" مشكلة في فرض "عبرنة" أسماء حتى الدكاكين في القدس العربية المحتلة.
 
استدعت مقالة المتوكل طه تهديدات حكومية إسرائيلية.. فتم شطب المقالة وببساطة يقول طه: لن أتراجع عن آرائي.. بينما قامت السلطة السياسة و"الثقافية" بالرضوخ لمطالب تصب في تكميم الأفواه.. فإذا كان المتوكل طه الذي شغل مناصب رسمية لم تسلم مقالته ( كونها تشكل عقبة بوجه جهود السلام!) من حماية حرية الرأي والتعبير التي يكفلها "النظام الأساسي".. فلتتخيلوا معي ما يمكن أن يصيب الإنسان العادي إذا ما تجرأ لفضح الواقع المفضوح بعنصرية مقيتة بحق شعب بأكمله.
 
من مدينة صفد ،التي هُجر أهلها في نكبة 48، شهد شهر أكتوبر 2010 بداية لهذه الهستيريا العنصرية الجماعية على مختلف المستويات .. فلم تتوقف المسألة عند حدود الاعتداء على الطلبة العرب.. بل توزعت اليافطات التي تمنع تأجير الغرف والمنازل لهؤلاء الطلبة ( الذين هم بالتأكيد مواطنون في دولة الأمر الواقع).. وتوسعت الفتاوى من حاخامات المدينة التي تؤكد على شرعية العنصرية.. دائما وفق قراءة "الأغيار"!
 
الفعل الذي شهد مدينة صفد بحق السكان الأصليين والسابق لحادثة العقبة لم يستدع كل الضجة التي افتعلتها هيومان رايتس ووتش.. ولم تتفوه منظمات الأمم المتحدة ولا غيرها من المنظمات الأوروبية والأميركية بشأن هذه العنصرية الجماعية.
 
وعليه فلم يجد بقية حاخامات اليهود حرجا من التوسع والتقاط فرصة الصمت.. أكثر من 300 حاخام يوقعون على بيان يقطر عنصرية باستخدام تعبير "الأغيار" بتأييد "فتوى" تحرم بيع أو تأجير الشقق للعرب! يزداد عدد الحاخامات المؤيدين لهذه الفتوى فلم يستحق الأمر الكثير من الضجة عند "المنظمات الدولية والإقليمية" المهتمة بمحاربة التمييز وحماية حقوق الإنسان.. فتوظيف الدين في خدمة السياسة التمييزية بحق أصحاب الأرض الأصليين والنفخ في الروح العسكرية للتدمير والقتل لغير اليهود مهما كان السن والمكان، والتجييش الدائم لمصلحة التطرف الاستيطاني ( مثلما صفقوا لعمليات الإجرام بغزة 2008 والتحريض والتغطية على العربدة في الضفة والقدس 2010) لم يستحق تدخلا حقيقيا لا من الجانب العربي الرسمي ولا الدولي..
تقول صحيفة "يديعوت أحرنوت" في عدد الجمعة 10 ديسمبر بأن "المستشار القضائي للحكومة يدرس إمكانية إعتبار البيان تحريضا على العنصرية".
 
التصرف الفردي الذي يصدر من بعض العرب، أكان في مدينة العقبة جنوب الأردن، أو في القاهرة في مسار رفض التطبيع مع دولة الاحتلال يقابله سياسة ممنهجة في توجهاتها وممارساتها العنصرية.. فلو قرأنا ما يصدر عن بعض ساسة الاحتلال لاكتشفنا أن الأمر لا يختلف كثيرا عما يصدر من حاخامات يسيرون "الدولة العلمانية والديمقراطية الوحيدة في المنطقة!" (...)
فما هو الإختلاف بين الدعوة العلنية لتحويل بلد مستقل صاحب سيادة مثل الأردن إلى "وطن للفلسطينيين" وما يحمله ذلك من تنفيذ عملي لطرد الفلسطينيين من أرضهم وإلغاء وجود دولة كاملة وبين تلك الفتاوى الدينية التي تدعو ليل نهار إلى شرعنة العنصرية والتمييز بحق كل ما هو غير يهودي؟
 
المؤسف حقا أننا أمام حالتين لا تتعاملان مع هذا الكم الواضح من ممارسة العنصرية بشكل جدي، فإلى جانب محاباة هذه العنصرية والصمت عليها و تسليط الضوء على أقل ما يصدر عن الجانب العربي بما فيها تغيير المناهج التعليمية يمارس الجانب العربي سياسة دس الرأس في الرمل وكأنه من المحظور الرد على ممارسات هؤلاء سوى بمزيد من قبول التفسيرات التي تحمل العرب مسؤولية ما يجري "لأنهم يرفضون السلام" القائم أساسا على مطالب تعزيز هوية "يهودية الدولة" بما تحمله من كل الممارسات التي لا ترى قيمة لوجود "الأغيار".
 
هذا التراخي هو النفاق بعينه، وهو الذي يشجع استشراء الهستيريا الجماعية ضد كل ما هو عربي واستنفار وقح لسياسات غربية معينة تحظر الاقتراب أو مناقشة ما يتعلق باليهودية وممارسات الصهيونية مع صمت عربي مريب.. فبينما يذهب بعض السياسيين الأوروبيين السابقين نحو الدعوة لمقاطعة إسرائيل مثلما جرى مع نظام الابرتهايد في جنوب أفريقيا سابقا يتمسك البعض العربي بعلاقاته بإسرائيل تمسكا "مقدسا" حتى لو مس مصالحها الحيوية.. تماما مثلما تطغى حالة صمت هيومان رايتس ووتش على فتاوى الحاخامات وانشغالها بقصة مطعم السيدة سلوى البرغوثي.  

التعليقات