18/12/2010 - 11:15

"ديمقراطية" التحريض والدعوة لتصفية عزمي بشارة../ ناصر السهلي*

-

بينما قرأت الخبر مرارا وتكرارا، على فكرة هي ليست المرة الأولى التي يُطلب فيها من منبر "الكنيست" تصفية جسدية للدكتور عزمي بشارة، فكرت قليلا بسيناريو قد يبعث على ردود أفعال غير هذه التي لا نجدها مع الفاشية المتوحشة بدون حدود في الهستيريا الجماعية لمتبني الفكر الصهيوني وكذبة "الديمقراطية الوحيدة".
 
سيناريو
 
في لبنان يجتمع مجلس النواب بدعوة من نبيه بري، يأخذ نائب حقه في الكلام: مكان إيهود باراك وشمعون بيريز هو إلى جانب رحبعام زئيفي.. يجب التخلص من هؤلاء الذين دمروا القرى وارتكبوا مجزرة قانا مكررة..
 
يهب بعض النواب الآخرين يؤيدون الفكرة.. يعترض نائب أو ثلاثة من كتلة نيابية معروفة.. تتطاير عبر الوكالات الخبر من بيروت..
يقطع الاتحاد الأوربي اجتماعه السنوي وتعرب اشتون عن غضبها وتنديدها.. في مجلس الأمن لن تكون صورة النفاق أقل حدة.. فهذه "همجية" يجب أن تلقى ما تستحق.. أضف إلى ذلك ما سيكتبه "المتحضرون" من الكتاب العرب وما سيتلوه بعض السياسيين من مشاعر "الاشمئزاز"..
باختصار، الصورة التي تلي هذا السيناريو المُتخيل لا حدود لها..
 
الحقيقة الواضحة
 
أما في حالة الدكتور عزمي بشارة الذي يواجه منذ أعوام حقيقة ما تخفيه الأقنعة والمظاهر الخادعة، بل والملوثة، للبصر والأذن، فلم يتردد عضو الكنيست ميخائيل بن أري بالقول "يجب نقل بشارة إلى المكان الذي يتواجد فيه المبحوح ومغنية، وعندها لا حاجة لقوانين ضد بشارة"!
الفاشية التي باتت مثل قرص الشمس تدفع الجوقة من أمثال عضو الكنيست أوري ارئيل إلى "استعجال الأمر".. النائب يريف لفين، رئيس لجنة الكنيست، لم يجد حرجا ( مثلما يمكن أن يفعل أحدهم في البرلمان اللبناني للاعتراض) في القول: العقاب الذي يستحقه بشارة هو أكثر بكثير!
 
لو فكرنا قليلا بالأمر، على الصعيد الشخصي، لتركيبة السيد بشارة فالرجل مدرك منذ سنوات تلفيق الملفات له أنه مستهدف لاغتيال سياسي، وقد وجد وبكل أسف من يدعوه للعودة لمواجهة "العدالة الإسرائيلية".. لكن يتبين الآن المقصد الحقيقي لتلك العادلة التي تتخلص من كل من يشكل خروجا عن الخط المحدد للولاءات في دولة تدعي ما تدعيه من أكاذيب تنطلي على البعض الغربي والعربي..
 
الدور الجماعي
 
إذا، حين تترافق تلك الدعوة مع وعد بـ"شطب" التجمع الوطني الديمقراطي وتهديد صريح لحنين زعبي وجمال زحالقة فالأمر لا يستحق مجرد بيان تنديدي وعلينا السلام.. فالشطب سمة من سمات الفاشية الصهيونية منذ تأسست، والأشخاص لا يُستهدفون لأنهم أفرادا بل لأنهم جزء من فكر أوسع الأفق بين المجموعات البشرية التي ينتمي إليهم من تم تصفيته.. فبكل بساطة راهنت الفاشية على إنهاء ما مثله غسان كنفاني.. وغيره من الذين عملوا على تراكمية الوعي.. قضية الشطب مقصود منها كل الوجود العربي في الداخل، ومن يصدق أن سلاما يمكن أن تصنعه دولة تعمل على شطب مليون ونصف فلسطيني ممن يعتبرون "مواطني الدولة" فهو واهم حتى النخاع.. ومن يصدق بأن درس "الولاء" للعربي "الطيب" مقابل "الشرير" فهو مع الأسف يعيش خدعة كبرى..
 
بمعنى من المعاني الإعلان عن حالة تشريع علني للقتل والاغتيال هو تعبير عن واقع مأزوم لهذه الفاشية والعنصرية التي لا تجيد غير لغة الشطب، وتبررها بقذارة وسوقية قد لا تجدها في البرلمان الصومالي.. هو أيضا تعبير عن حقيقة الغرف الصهيوني من فكر أرغوني عصاباتي دفع بمجرمين إلى سدة الحكم بكل تفاخر وبتسابق على سفك الدم العربي..
 
ذات مرة جلس د. عزمي بشارة مع وزير خارجية الدانمرك الأسبق للتباحث في قضايا سياسية، فاشتكى موينز لوكاتوفت آنذاك مما يتعرض له من اللوبيات الصهيونية حول العالم.. ليس لأن لوكاتوفت كان من اليسار الدانمركي المتطرف، بل لمجرد أنه تجرأ على الدعوة لمقاطعة إسرائيل!.. كانت حينها القضايا قد بدأت لمحاكمة د. بشارة.. تأملته في كوبنهاغن وأنا أسأل نفسي: كيف يمكن لرجل عربي يعيش كل أشكال التمييز ونفي الوجود و ينتظر محاكمته الشهر التالي أن يستمع وبكل قوة لشكوى هذا السياسي الغربي.. الخلاصة أن الفكر الذي تجاوز ما فرضته "الدولة" من محاولات أسرلة على أصحاب الأرض هو مصدر قوة ومصدر خطر في آن معا.. لذا لم يكن مفاجئا بعد سنوات أن نسمع الحقيقة بدون رتوش.. فقد تم اغتيال لوكاتوفت سياسيا.. كما تم اغتيال ساسة أوروبيين جسديا.. على طريقة المبحوح.. ( فلتراجعوا وثائق ألمانيا اليوم)..
 
ما يصيبك بالغثيان ليس أن الحركة الصهيونية تعبر عن نفسها بالشكل الصحيح وبدون تمويه، بل أن حالة اللامبالاة والنفاق المتغلغلة إلى الحالتين العربية والدولية أمام هذا الكم المتراكم لفاشية عارية.. والأدهى من ذلك أن تلتقي بعض الأقلام التي تقطر صهينة مع الصهيونية في التخفيف من الأمر وكأنه أمر عادي.. فنستيقظ على أخبار زيارات عواصمنا من دعاة القتل والشطب.. الصحف العربية في تعاطيها مع شأن فلسطينيي الداخل قد يحتاج لجرعة ما للإقلاع عن تفاهة جعل هؤلاء في ذيل الاهتمام.. فربما هو بالضبط ما تعول عليه هذه الفاشية فيما تخطط لمستقبل الشطب للوجود الفلسطيني.. ومنها "يهودية الدولة"..
 
إن العجز عن غير الخطابات الرنانة والابتعاد عن القراءة العميقة والإستراتيجية لماهية "دولة إسرائيل" وقراءتها السطحية والكيدية عند المعسكر الإعلامي "المعبرن" من الطامة التي تصيب جنبات هذا الواقع العربي في استسهاله هذا التطرف الديني لحاخامات يحكمون في الظل بعنصرية جماعية لم تشهدها أكثر الدول والتجمعات البشرية والدينية استعلاء على الآخر بمسميات توراتية كتعبير "الأغيار" الذي يجب التوقف عنده تماما مثلما تستدعي هذه التحريضات التي لا تختلف عن المافيا في التلطي والتخطيط..
 
دور الإعلام العربي ودور المثقف العربي ليس مطلوبا منهما أن يقلدا ما تقوم به الحركة الصهيونية من التقاط أي تصريح وتغليفه وفق ما تشاء لتستثير العالم، بل هو دور مطلوب منه أن يركز على الحقيقة التي لم تعد الصهيونية في أزمة وجودها تتردد بالتعبير الجهنمي عنها خرقا لسيادة الدول وقتلا وترويعا وتهديدا بالتصفية الجسدية لمفكر لا يحمل من الأسلحة سوى ما عمل ويعمل على تعزيز قضية الوعي بالانتماء القومي ومناهضة أساليب نفي حرية شعبه.
 
 الدور المنوط بهؤلاء ليس مناكفة الفكر لأنهم عاشوا على وهم أمركة العصر والعقل، وعليه ليست المسألة فردية، أي أن لا مشروع تصفية الدكتور عزمي بشارة فرديا ( على أساس أن العربي الجيد هو العربي الميت) ولا مواجهة هذا المشروع فرديا أيضا..
 
مع شديد الاعتذار من أساتذتنا وكبار مثقفي عالمنا العربي أُطالب بمبادرة، ليس للتضامن مع د.بشارة فحسب، بل لمواجهة وتوثيق كل هذه الفاشية الصهيونية وبشكل مؤسس دفاعا عن حرية الفكر وعن الوجود الفلسطيني في فلسطين التاريخية أمام حملة الاستئصال المنهجي لتكون مبادرة جماعية لنضعها أمام العالم، والأصدقاء والمناصرين، ليتحمل الكل مسؤولياته القانونية والأخلاقية قبل أن نجد أنفسنا أمام حالة أخرى من الحالات التي يُدفع إليها دفعا كل الوجود الفلسطيني داخل الخط الأخضر.. لقد تخطت المسألة مجرد استهداف واغتيال بدون محاسبة وترك الأمر بدون فعل حقيقي، قد تساهم أيضا مبادرة من هذا النوع في فرملة انحدار كل الوضع الفلسطيني في منزلقات ووديان الخراب والتصفية لكل القضية الوطنية.
 
 هذه دعوة لكل حر، مهما كانت الظروف والقدرات التي بات لزاما أن تنطلق ولا تبقى حالة إسهام فردي هنا وهناك..

التعليقات