25/12/2010 - 10:36

هل "إسرائيل" واحة الديمقراطية فعلا؟../ عوني فرسخ

-

هل
غداة إقامة “إسرائيل”، رفع شعار “إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط”، ولقي الشعار ولا يزال تقبلاً واسعاً حتى لدى أغلبية النخب السياسية والفكرية العربية، وذلك بتسليط الأضواء بكثافة على مؤسسات النظام الليبرالي القائمة فيها، حيث تعددت الأحزاب، وتنوعت الصحف، وتوالت الانتخابات وتداول السلطة، وجرت مساءلة صناع القرار عن تقصيرهم، بما لا يكاد يختلف عما هو قائم في أعرق الديمقراطيات الأوروبية والأمريكية، كما أنه متمايز كيفياً عما هو شائع في الأقطار العربية كافة.
 
والسؤال الذي يفرضه الواقع الصهيوني: هل إن ما هو قائم تعبير حقيقي عن واقع ديمقراطي، أم أنه ليبرالية صهيونية ذات بعد واحد تجسد أحدث أساطير التفوق الصهيوني المدعى بها، وليس ترويجها إلا من قبيل تعزيز الصورة الخادعة لكيان استعماري استيطاني عنصري، محكوم منذ نشأته بعقيدة تلمودية مناقضة لأسس الديمقراطية؟ وفي الإجابة عن السؤال المطروح أذكّر بحقائق نشأة الكيان وواقعه التالية:
 
فالكيان لم ينشأ نتاج تطور ديمقراطي لشعب مستقر تاريخياً في الأرض التي فرض عليها، ولا نتيجة تنفيذ سلمي لقرار التقسيم المنشئ له، وإنما بفعل سلسلة جرائم تطهير عرقي، بادرت إلى اقترافها المنظمات الصهيونية غداة صدور قرار التقسيم، مستغلة افتقاد عرب فلسطين لأي تنظيم مسلح نتيجة القمع البريطاني، بحيث تجاوز الصهاينة حدود التقسيم باحتلالهم 78% من أرض فلسطين، وفرضهم التهجير القسري “الترانسفير” على 85% من المواطنين العرب في الأرض المحتلة، فضلاً عن اقترافهم ما يقدر بمئة مجزرة والعديد من حالات الاغتصاب.
 
ومنذ إقامة الكيان الصهيوني كان التناقض مع الديمقراطية قاعدة ممارسات صناع قراره وجمهوره. إذ اعتمدوا، ولا يزالون، استراتيجية الاستهانة المتعمدة بالقرارات والقوانين والأعراف الدولية، والتنكر الصارخ لشرعة حقوق الإنسان. وهذا ما يتجلى بالامتناع عن تنفيذ حق العودة بموجب القرار 194 الذي قبلت “إسرائيل” عضواً في الأمم المتحدة عندما التزمت بتنفيذه وفق بروتوكول لوزان سنة 1949. كما بتواصل التمييز العنصري ضد المواطنين العرب الصامدين في أرضهم، الذين برغم اعتبارهم “إسرائيليين” رسمياً أخضعوا حتى العام 1966 لحكم عسكري متعسف في إجراءاته القمعية، التي لم تتوقف بإعلان نهاية الحكم العسكري.
 
ولم يقف الأمر في “واحة الديمقراطية” عند تدمير قرى ومصادرة أراضي الذين هجروا خارج الحدود، وإنما طال التدمير غير يسير من قرى الصامدين، وجرت مصادرة مئات آلاف الدونمات من أراضيهم. بحيث تضم “إسرائيل” اليوم قرابة ثلاثمئة ألف لاجئ عربي، يعرفون بأنهم “الحاضرون الغائبون”، إذ هم برغم وجودهم على مقربة من قراهم المدمرة ممنوعون من إعادة إعمارها أو فلاحة حقولهم المهجورة، ومثالهم مواطنو قريتي “اقرت” و”كفر برعم” في أعالي الجليل. ومنهم الذين أقاموا مساكن عشوائية على أطراف قراهم التي طردوا منها، وعرفت مساكنهم بالقرى “غير المعترف بها” التي لم تربط بخطوط الكهرباء والمياه وقنوات الصرف الصحي، ومثالها قرية “العراقيب” وسط النقب المحتل.
 
ولا شك أن “إسرائيل” تمتلك كل المؤسسات الليبرالية، إلا أن الالتزام بالعقيدة الصهيونية هو القاسم المشترك الأعظم لمواقف جميع الأحزاب والصحف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. بدليل أنه ليس بين المصنفين “يساريين” من رفض الإقامة في الأرض العربية المحتلة، أو امتنع عن سكنى منزل هجر منه أصحابه، فضلاً عن الإجماع العام على رفض حق عودة اللاجئين أو الانسحاب لحدود التقسيم، أو إخلاء الضفة والقدس الشرقية من المستوطنات، أو تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية بتفكيك جدار الفصل العنصري، أو إقامة الدولة الفلسطينية تامة السيادة على كامل الأرض المحتلة سنة 1967، ما يعني في التحليل الأخير أن التمايزات بين الأحزاب والصحف الصهيونية والمفكرين والساسة “الإسرائيليين”، إنما هي تمايزات في درجة الالتزام بالفكر والعمل الصهيوني، وليست تباينات نوعية في الموقف من الطبيعة العنصرية للكيان، ودوره في خدمة مصالح القوى الدولية راعيته.
 
وحقاً إن “إسرائيل” متفوقة على المجتمعات العربية بتوفير المؤسسات الليبرالية، وما يتمتع به عناصر التجمع الاستيطاني الصهيوني من حرية الإرادة ومشاركة في صناعة القرارات. غير أن الأقطار العربية، برغم قصورها الديمقراطي وعدم خلوها من ممارسات عنصرية مدانة، ليس بينها قطر غير متفوق على “إسرائيل” بانعدام التمييز العنصري بحكم القانون تجاه حملة جنسيته، أو لديه قوانين عنصرية تجاه الآخر، كما هي الحال في “واحة الديمقراطية” الملتزم صناع قرارها وجمهورها بالرفض القاطع لأن تكون دولة كل مواطنيها.
 
وليس أبلغ إجابة عن السؤال المطروح بداية من أنه خلال العام الجاري مر على المعتقلات ما يقارب ألف قاصر مقدسي، وأن بعضهم ممن لا يجاوزون الرابعة عشرة فرضت عليهم الإقامة الجبرية في بيوتهم، كما كانت تفعل الدول الاستعمارية مع الزعماء الوطنيين، وأن بعضهم الآخر عزلوا عن أسرهم، لأنهم قاوموا بالحجارة جنود احتلال مدججين بالسلاح.
"الخليج"

التعليقات