09/01/2011 - 13:14

الضفة: الباب الدوار لتبادل القتل والاعتقال../ ناصر السهلي

-

الضفة: الباب الدوار لتبادل القتل والاعتقال../ ناصر السهلي
في 26 ديسمبر 2009 دخلت قوات الاحتلال مدينة نابلس، قامت بتصفية غسان أبو شرخ ورائد السركجي وعنان صبح.. لم تجد تلك القوات سوى فرقعة التنديد والعتب لأن بعض المستهدفين حصلوا في السابق على ما يسمى "عفو" من الاحتلال ( أي مقابل إلقاء السلاح لا اغتيال).. وأحد من هؤلاء، عنان، قتل بمسافة صفر وأمام والدته.. قال أخوه وبغضب على الهواء على فضائية "فلسطين": أقول للأخ أبو مازن كفى مهزلة يعني كفى.. قبل أن يستدير المراسل ليتابع شهادات أخرى.. هذه جاءت على خلفية استنفار قوات "الأمن الوطني" للمساعدة على اكتشاف من قتل وجرح مستوطنين قبل ذلك بحوالي 3 أسابيع..
 
تكررت الحوادث، يقوم الاحتلال بإطلاق أسرى انتهت مدة أحكامهم.. لا يمر يوم أو يومان حتى يتم إعادة اعتقاله من "الأمن الفلسطيني".. أكثر من 120 حالة.. وعدد مماثل قام به الاحتلال.. ليس فقط اعتقال وإنما إعدام ميداني وبدم بارد.
 
الحادثة الأخيرة في الخليل في 6 يناير 2011.. وهي لن تكون الأخيرة..
 
أولا، انبرى عدنان الضميري يقول: لا معتقلين سياسيين لدينا، بل على خلفيات أمنية وجنائية.. بعد يوم واحد من تصريحه.. يتم إطلاق المضربين عن الطعام.. لم يمر 24 ساعة حتى دخلت قوات الاحتلال مقتحمة البيوت فأعدمت الشهيد المسن عمر القواسمي(66 عاما) وهو نائم..
إليكم المهزلة اعتذار عن قتله بـ13 طلقة في أعلى جسده، لأن المقصود إعدامه هو ابن أخته البيطار!
 
ثانيا، من عجائب وضع الضفة أن يدعي ناطق باسم السلطة بأن "حماس" تتحمل مسؤولية إطلاق سراحهم وإعادة اعتقالهم من الاحتلال.. التفسير: حماس مسؤوليتها حماية هؤلاء!
لست في موقع الدفاع عن حماس، بل عن اللامنطق وعن استهبال عقولنا، فمن يحمي من؟.. إذا كان المعتقل في سجون السلطة "متهما" أمنيا وليس سياسيا، فهذا يعني أن السكين ممنوع حمله للدفاع عن النفس.. والتفاخر باكتشاف مخزن سلاح هنا وهناك خير دليل..
   
ثالثا، نشأت الكرمي ومأمون النتشة تم إعدامهم بقوات كبيرة معززة بالآليات والجرافات في أكتوبر 2010  بعد عملية بحث واسعة من "الأمن الوطني" عن مرتكبي عملية الخليل.. ومما لا شك فيه أن "سلطة" تعيش تحت رحمة المتطرف باروخ مارزل في الخليل هي سلطة عاجزة حتى عن حماية رئيس بلديتها الذي حوصر مع مرافقيه من قبل عدد بسيط من مستوطني كريات أربع، فعن أي تنسيق أمني نتحدث؟
 
في بلعين استشهدت السيدة أبو رحمة باستنشاق غاز سام أطلقه جنود الاحتلال، قالت السلطة: هذه جريمة حرب! بعدها استشهد الشاب محمود محمد ضراغمة (21 عاما) من طوباس يوم 3 يناير، وبعد أيام قليلة قُتل على ذات الحاجز الشاب خلدون سمودي 21 من بلدة اليامون (8 يناير 2011)..
 
جرائم الحرب اليومية التي تجري تحت أنف أصحاب بطاقات VIP الذين لا يمرون بالحواجز تلك بل عبر ممرات تسمى مؤمنة تحتاج لأكثر من وقف عملية التنسيق الأمني..
في عقلية من يؤمن بـ"إدارة الخد الأيسر" لا شيء ينفع للتذاكي على الشعب، ولا ينفع البعض أن يتحسسوا حرارة المياه قبل قول ما يجب أن يُقال.. فعملية استهداف السلطة للفلسطينيين لا تنحصر بـ"الحمساويين"، بل هي عملية تستهدف الجهاد والشعبية وحتى فتحاويين معارضين لأساليب التنسيق مع الاحتلال وسياسات السيد فياض الذي لا يعدم ثانية دون التنديد بأي عمل يستهدف الاحتلال والمستوطنين ولو بحجر..
  
أرقام العام 2010 لا تدل سوى على الباب الدوار للقتل والاعتقال.. ففي الوقت الذي تتصدى فيه فصائل المقاومة في غزة لاجتياحات الاحتلال للشريط الحدودي وتتدرب على مواجهة أي اجتياح، نجد أن تلك الفصائل في الضفة شهدت ( بعضها بصمت المال السياسي) على اعتقال ما يقارب 7 آلاف مواطن بأيدي الاحتلال والأجهزة الأمنية.. من بين هؤلاء الآلاف 195 اعتقلهم الاحتلال فور الإفراج عنهم من سجون السلطة.. ومن غير المفهوم إنكار السلطة لوجود اعتقال على خلفية سياسية أو التعبير عن الرأي والمنظمات الفلسطينية المهتمة بحقوق الإنسان تتحدث عن ما يقارب 3 آلاف حالة منهم 1400 أسير محرر ( رغم مهرجانات التضامن مع الأسرى في سجون الاحتلال).. وتوقيف صحفيين وأساتذة جامعيين و400 طالب.. والقائمة تطول..
 
التوقف أمام قول السلطة بأنها تعتقل الناس "لحمايتهم" يشير إلى مكمن كل الخطورة، فهذه إشارة إلى المجتمع الواقع تحت الاحتلال تقول له لا طائل من مقاومتك لأنك ستقتل.. وفي الواقع تشير منظمات فلسطينية حقوقية بأن العشرات تعرضوا للتعذيب في سجون الأمن الفلسطيني.. من يريد أن يحمي لا يقوم بشبح الناس ولا تعذيبهم حتى الموت كما جرى مع البرغوثي وغيره من الحالات منذ 2007..
 
ومن يطالب الاحتلال بالتوقف عن الاجتياحات اليومية وحفلات الإعدام على الحواجز وإطلاق عربدة المستوطنين لتدمير الأرض واغتصاب البيوت من سلوان والشيخ جراح في القدس إلى جنين شمالا والخليل جنوبا، سيبدو أكثر من ساذج إذا ما صدق بأن تهديداته الفارغة يمكن أن تكلف الاحتلال ثمنا فيرتدع عن عربدته..
 
بعض الكتاب والمثقفين الفلسطينيين الذين يخترعون مبررات الصمت على ما يجري هم من النوع الذي يساهم مساهمة كبيرة في تمرير ما حذر منه ادوارد سعيد في دراسته لدور المثقف الذي يظل واقفا عند المفترقات يترقب ما تؤول إليه الأمور قبل أن يمارس ما هو مطلوب منه...
 
إن مجرد القبول بالاعتذار والتفسير الذي يقدمه الاحتلال في إحراق مسجد أو اعتداء على كنيسة أو حتى في إعدام المسن القواسمي في الخليل يعني قبولا لهذه الممارسة لو أنها في الخليل أعدمت البيطار ورفاقه المفرج عنهم.. وكم من السخرية نحتاج لنتوقف أمام هذه المسرحيات المتكررة؟
البعض الإعلامي والصحافي يتحسس من قراءتنا التي يُدخلون فيها حسابات لا شأن لنا فيها طالما أنها تدور حول شعب واحتلال وحرية واضطهاد.. الكلام القاسي عن تناقض مشروعين " مقاوم" فكرا ودفاعا و "انهزامي" إيمانا بالوعود وتصديقا بالنوايا.. ليس الكلام الدقيق لتوصيف الحالة، فتحت الاحتلال الاستعماري المستخدم لكل أنواع القوة والوسائل لإخضاع المُحتل لا توصيف حقيقي سوى من تجارب غيرنا من الشعوب.. وحتى لا نحرج من ينشر كلامنا نترك للقارئ أن يبحث عن التسميات في تجارب كل الشعوب التي دخلت مرحلة استعمار وتحرر وطني!  

التعليقات