13/01/2011 - 13:14

لبنان في سياق التعجب والتهويل: أنقذونا!../ ناصر السهلي

-

لبنان في سياق التعجب والتهويل: أنقذونا!../ ناصر السهلي
قبل أن تتضح صورة ما آلت إليه أمور الحكم في لبنان في نهاية يوم الأربعاء، وفي لحظات اختارت فيها أطراف التعويل على "مبادرات الغير" إلا العربية، خرج علينا شارل جبور، الكاتب والسياسي، أطل علينا في "الجزيرة" منتصف 12 يناير لا ليكون محللا لما يجري وما جرى من جهود عربية لمساعدة لبنان على تخطي أزمته الداخلية، وهي في الأصل ليست إلا خارجية أميركية- فرنسية وعربية متحالفة مع الطرفين المذكورين، لينسف وبكل بساطة، وعلى طريقة امتلاك الحقيقة والعالم، أي جهد عربي وللصيغة التي اعترف بوجودها معظم الأطراف تحت مسمى "سين- سين"، بمن فيهم سعد الحريري.. لكن ليس بعد أن دخل الأميركي على خط انهيار 14 آذار أمام التعويل على القوى الغربية وهما وظنا ليس إلا..
 
ربما عبر شارل جبور عن الحقيقة المرة لوطن يعيش مرارة رهن البلاد لعقلية "الشركة" باسم "الشراكة"، وعليه فقد اختزل لنا وقبل ساعات من حسم أمور الحكومة والمطلوب من رئيسها الطائر الدائم حجا ودعوة إلى عواصم تدعي ما تدعيه عن "الحقيقة" التي فضحتها تسريبات ويكيليكس فأزالت الأقنعة كلها.. أطل قبله بيوم واحد فارس سعيد من ذات ثقب وضع "العروبة" في المرمى لمصلحة التغريب والانتهازية التي فاقت اصطلاحاتها..
 
من السهل جدا قلب الحقيقة رأسا على عقب بفعل "فساد" أدمغة التجارة السياسية وتوابعها الإعلامية، ففي حين اعترف في سبتمبر 2010 شيخهم بوجود شهود زور، أسرع التوابع فورا إلى تفسيرات تستخدم لغة الإشارة والأيدي للقول: لا يوجد شيء اسمه ملف شهود زور.. لذا كان لزاما أن نجد مماطلة متذاكية باختراع تسميات أخرى شراء للوقت والمواقف التي كان لزوما أن يعيد صياغتها فيلتمان للجمع الذي اكتشف أن الشيخ لم يكن يقصد كذا وكذا..
 
هو الأمر بعينه يعاد مع ما قاله قبل أن يطير إلى نيويورك ومن ثم واشنطن.. كانت النار الهادئة قد وصلت بالطبخة، المسماة تسوية، إلى جهوزية تقديمها على مائدة وطنية داخلية.. فانبرى هؤلاء يكذبون وجود مبادرة سين سين بعد أن وصلت الرسالة من حيث المصيبة الدائمة لوطن تائه في خياراته.. فأوضح لنا هؤلاء، ومسدس العم سام على طاولة مجاورة، بأن الموجود جهود أميركية- فرنسية وسعودية ولا يوجد جهود عربية، فهل كانت العربية السعودية في كل الجولات المكوكية بين دمشق وبيروت والرياض غير "عربية" حتى يقال: المطلوب الآن تدخل دولي.. وعلى العالم أن يتخذ قرارات حاسمة في الأمم المتحدة لحماية لبنان مما يتخيله هؤلاء من قول حرفي ومقتبس "تسوير" لبنان، وبالطبع المقصود "سورنة" إن صح التعبير.. وإنقاذ البلد وفق هؤلاء من طالبانية ما و رفع التهديد الذي يحيط بمسيحيي لبنان..( هذه اقتباسات من ظهيرة "الجزيرة" الأربعاء 12 يناير)..
 
نعم لنتوقف قليلا أمام هذه اللهجة "السياسية" للوجوه الإعلامية للقوى المعولة على قرارات دولية فعالة لحماية لبنان من المجهول، حماية من؟
 
هؤلاء يتحدثون عن طائفة مهددة!.. عن " معتدلين" مُهددين.. وهي لهجة تُطرب أذن الغرب في هذه اللحظات التاريخية لتبرير ما يجب في الوصاية عبر الحاكوم (ريموت كونترول) على بلد "السيادة والحرية والاستقلال".. عجيب فعلا أن تتحول المسألة إلى هذه الدونية من الخطاب الذي يستصرخ العالم أن "أنقذونا"! وممن؟ من عرب وجار كسوريا حاول مع البقية ممن حرصوا على هذا البلد من انزلاقات ساسته نحو مجهول معلوم..
 
يصبح المطلوب في تزوير الوقائع والتاريخ القريب حرفة دعوة علنية للانتداب ولقرارات حاسمة وحازمة من الخارج.. رئيس حكومة لبنان لم ير خطرا في اختراق العدو لشبكات بلاده وخرقه اليومي لسماء زرقاء.. ولا يرى تهديدا أن تصبح ديون لبنان الخارجية ما يفوق ديون دولة أكبر وأفقر من هذا البلد.. ديون ممنوع السؤال عما فعلته في البلد الذي ما يزال أطرافه يعيشون فقرا وبردا وتهميشا.. لا مشكلة إلا العروبة في خطاب انعزالي عنصري يرى كل الأخطار من الشمال والشرق.. لا من الغرب والجنوب.. نهب وتعد على مياهه الإقليمية تنقيبا عن ثروات يسرقها الإسرائيلي وهم يبحثون عن "الحقيقة" الماثلة أمامهم.. كل شيء يجب أن يؤجل في هذا البلد الذي احتكر تعريفه لوردات حرب بربطات عنق يتفاخرون جهارا ونهارا بتحالفاتهم السابقة والحالية مع من يعتبره المجموع العربي عدوا ومحتلا حتى لجزء من أراضي "السيادة والاستقلال"..
 
كيف أصبح مواطنو البلد "المسيحيون والسنة المعتدلون" (هذا وصفهم وليس وصفي لأنه وصف مقيت وتافه) مهددين.. بل كيف صارت هذه هي المشكلة في البلد لعبا على نغمة ما جرى في الإسكندرية وبغداد.. بل من هو الذي يشكل تهديدا؟
 
إنها إجابات رمزية، بالشيفرة ترسل لأبناء الوطن وللمعول عليهم في الخارج لهدم البلد وتحويله إلى "دارفور وصومال" ( أيضا هذا اقتباس حرفي لكلام جبور، وهو كلام يغطي كل ما يدور على ألسنة البقية من تحالف قبل منتصف الشهر بيوم).. بل هي لغة استقواء وتحويل الأنظار وتحريف الحقيقة وإعادة تموضع مخز ومتفه لأغلبية أبناء البلد..
 
يظن هؤلاء بأن قوات الـ"مارينز" وقوات الفيلق الأجنبي الفرنسي بمجرد سماع "أنقذونا" سيدخلون من الشواطئ والبراري محررين لهؤلاء.. لم يفهم ولن يفهم من استساغ طعم التحالف مع الأميركي وأنخاب الشاي بأننا نعيش زمنا وعصرا غير الزمن المُتخيل في عقلهم وعقل بولتون وفيلتمان وبقية الشلة المعروفة.. هؤلاء يسيئون استخدام التهويل وإشعارنا بأن هناك من يشحذ سكينه ضدهم بينما هم يضعون سلاح راعي البقر نصب أعينهم لجر البلد إلى حيث يريده رعاتهم!

التعليقات