14/01/2011 - 18:19

الخدمة المدنية وابتزاز وسائل الإعلام../ عوض عبد الفتاح

-

الخدمة المدنية وابتزاز وسائل الإعلام../ عوض عبد الفتاح
الضغط السلطوي على وسائل إعلام عربية محلية لنشر إعلانات تروج للخدمة المدنية بين الشبيبة العربية، ليست خطوة منفصلة أو يتيمة، بل هي حلقة من حلقات القمع التي تستهدف إحكام السيطرة على عرب الداخل وإخضاعهم لرؤيتها لمستقبل ونوعية وجودهم.
 
فالخدمة المدنية، أو الخدمة الوطنية الاسرائيلية، ليست مطلوبة لذاتها. أي أن انسداد الأفق أمام الأجيال العربية الفلسطينية الشابة والمعاناة الإنسانية ليس ما يُقلق الدولة العبرية وأجهزتها القمعية المختلفة، بل ما يقلقها هو تحوّل هذه المعاناة الى قوة منظمة قادرة على أن تتعرف على ذاتها الجمعية وتقود نضالاً فعالاً.
 
بكلمات أخرى، تريد أجهزة الدولة العبرية امتصاص كل مكامن القوة في هذه الأجيال المترعة بالإحباط والغضب والمفعمة بالحياة والرغبة في حياة حرة كريمة لها ولشعبها. تريد اختراق هذه الأجيال وإضعافها وإخضاعها لسياساتها التدميرية – تدمير المجتمع العربي وتشتيت نسيجه الجمعي.
 
كل نظام دولة يعتمد على أجهزة تسيطر وتساهم في إدامة النظام. واعتمدت اسرائيل، فضلاً عن جهاز المخابرات، في سعيها للسيطرة على عرب الداخل على جهاز التعليم العربي الذي استهدفت منه ترويض المعلمين العرب والتلاميذ وإعادة هندسة ولاءاتهم الجماعية. وحققت نجاحات جزئية في هذا المضمار ولكنها أخفقت في هدم الهوية العربية القومية الموحدة لعرب الداخل. وأيضًا من وسائل السيطرة هو هدم الاقتصاد العربي (الزراعي – المستقل نسبيًا) ودفع العربي الى الاعتماد الكلي على الاقتصاد الاسرائيلي (على هامشه).
 
هكذا اعتقدت اسرائيل أنه عبر السيطرة على معيشة العرب، وعلى جهاز التعليم تكون قد أسدلت الستار على أي إمكانية للاستقلال ولو النسبي لمئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الذين فُرضت عيهم المواطنة الاسرائيلية بعد النكبة.
 
كما اعتمدت الدولة العبرية جهاز المخابرات خاصة في العقدين الأوّلين لقيام اسرائيل كوسيلة قمع وترهيب وردع المواطنين العرب حتى عن التعبير عن أنفسهم سياسيًا إما على المستوى الفردي أو في إطار حركات سياسية مستقلة.
وها نحن نشهد الآن عودة مكثفة للمخابرات الاسرائيلية في حياة عرب الداخل وفي نشاطهم السياسي. وهذا يأتي ضمن تجدد وتصاعد العداء السافر للوجود العربي في الداخل، والعداء لطموحاتهم.
 
كانت دائمًا إسرائيل عنصرية وقمعية وإقصائية تجاه المواطنين العرب. الفرق الجديد هو أن عرب الداخل أفرزوا وعيًا أكثر تقدمًا وترجموا هذا الوعي الى تنظيمات وطنية جديدة أكثر جرأة وأكثر جذرية بحيث لم تعد تخضع للترهيب والتخويف والحصار والتهديد بالشطب. لقد قامت هذه التنظيمات كحركات سياسية مستقلة واجترحت معادلة وطنية واقعية يصعب على المؤسسة الاسرائيلية قمعها، فلذلك هي تلجا إلى ما تعتقد أنها الحلقات الضعيفة، المرتبطة اقتصاديًا بتمويل الدولة.. مثل رؤساء سلطات محلية، وأصحاب وسائل إعلام عربية تعتمد الى حدّ كبير على إعلانات مكتب رئيس الحكومة.
 
إن لجوء مكتب رئيس الحكومة ومن يقف وراءه الى الابتزاز والتهديد هو من علامات الفاشية والقمع ويدلّ على الإفلاس. ولكن خضوع وسائل إعلام عربية لهذا الابتزاز يشكل اختراقًا وخروجًا على ما تشكل من وعي وطني مستقل لدى عرب الداخل.
 
إن واجب أصحاب المواقع الألكترونية والإعلامية الأخرى هو التحدي والرفض والحفاظ على الموقف الحرّ.
 
نحن متأكدون أن لا الترويج في المواقع العربية ولا أي شكل آخر من أشكال الضغط والتمويه والإغراء سيدفع بجموع الشباب الى الانخراط في الخدمة المدنية، ولكن الخضوع للضغط أو قبول الإعلانات عن طيب خاطر طمعًا بالمردود الاقتصادي هو خلل أخلاقي يجب درؤه والحيلولة دون الهبوط نحو المزيد من التنازلات الخطيرة.

التعليقات